تسمرت مندهشا امام صورة على صفحة الصديق الروائي عبد الكريم العبيدي ... الصورة تضمه مع خلّين احدهما غادرنا وهو الشاعر محمد درويش والآخر اختفى لا أعلم أين ... اختفى بين يدي بسرعة وهو الشاعر والمترجم والمثقف الكبير " حسين حسن ..
...لا أقول شاعرا فحسب، ولا مترجما بارعا، أو قارئا كبيرا، ولا اقول صحفيا من طراز خاص، أو عاشقا يعيش الحب بوله غريب،عاشقا لا يتنفس إلا حبا، وأقول .. انه صديقي وخلي وصنو روحي ... صديقي بفخر.
لايمكنني إطلاقا نسيان طلته في مقهى ابراهيم " المعقدين " في أواسط السبعينات، كنت حديث عهد بالمقهى وحديث عهد بالكتابة والنشر، أنظر إليه بإعجاب ممزوج بالحسد، يكبرني بسنوات انيق يتأبط كتبه الانكليزية، ويجلس في زاوية المقهى وهو يضع الخطوط والعلامات عليها، ربما يتوقف عن القراءة قليلا ويمسح المقهى والرواد بعينيه الملونتين بالازرق والاخضر وهو ينفث دخان سيكارته التي لاتفارقه ... فيما بعد جمعتنا محطات كثيرة، كانت اهمها مجلة "فنون" وفيما بعد عمل في "طريق الشعب" الجريدة التي تعد أشهر مؤسسة ثقافية واخلاقية علمت الكثيرين ألف باء الكتابة وحب الفن والادب ، كنت أرسل بعض التحقيقات الى قسم تحقيقات "طريق الشعب"، وكنت على تواصل معه كان يعمل في قسم الارشيف، ربما في تلك الفترة وغيرها قرأنا اجمل قصص وقصائد كتاب الارض بترجمته . بعد انهيار الجبهة افترقنا، لأني انقطعت مجبرا عن النشر، بل وحتى عن الكتابة، كنت اكتب احيانا مشاريع قصص أو قصائد وربما اطالع جريدة او أقرأ رواية بصعوبة بسبب هيمنة فايروس اصاب الكثير ممن عاش المحنة، محنة انهيار الجبهة، وصدمة العزلة التي وضعنا فيها اصدقاؤنا .. وجدنا انفسنا ندور في فلك الخوف والبحث عن مخرج، لكني لا أنسى اطلاقا بعد سنوات طويلة تلك الطلة الجميلة لـ حسين حسن في مدخل شارع المتنبي وهو يقف امامي حاملا اكياسا مليئة بالصحف والكتب، لم نجد في تلك الظهيرة وسيلة الا العناق والبكاء، وقبل أن نبحث عن مقهى نجلس فيه سألته عن عمله، حدثني عن اجباره على التقاعد وهو الان يعمل محررا في الصفحة الثقافية لجريدة "العرب" اللندنية، وحينما سألني عن مشاريعي الكتابية في القصة اخبرته عن العزلة التي اعانيها وانقطاعي عن النشر، وعن مشاريع مكدسة على هيئة دفاتر مدرسية، تنام في صناديق تشبه الزنازين، وبدأت لقاءاتنا تتكرر،وفي كل لقاء يطلب مني أن اكتب للجريدة، الامر الذي حفزني كثيرا وهذا فضل ودين في رقبتي لهذا الرجل قدمت اليه اول مشاريعي بعد قطيعة طويلة، وكانت قصة قصيرة، أعجب بها كثيرا وارسلها الى الجريدة وسرعان مانشرت وفي الاسبوع التالي قدمت اليه ثلاث قصص نشرت تباعا في "العرب" اللندنية .. وهكذا كتبت مجموعة "تماثيل تمضي تماثيل تعود"، التي كان عرابها وقارؤها الاول ومصححها والذي تدخل في كل دقائق قصصها.
بعد هذا السرد السريع لجانب صغير من علاقتي مع هذا الرجل الذي لا استطيع الا أن أحبه، بعد سنوات من اختفائه من حياتنا وانعزاله في بيت شقيقته الذي اجهل مكانه وكم حاولت ان اصل اليه دون جدوى ...اصدرت مجموعتي القصصية الرابعة "شرق بعيد" كتبت هذا الاهداء في مستهلها ...
(الى حسين حسن …الشاعر المنفي بأرادته، بعد ان أعلنت اجراسنا في بغداد سقوط الاصنام ….)
اخيرا … لاأملك الا الدعاء لهذا العملاق شاعرا ومترجما وعاشقا وانسانا.. ولا أملك إلا أن انحني حبا وإحتراما لمسيرة حياة حافلة بالإبداع.

عرض مقالات: