"لوحة الشهداء" للفنان خليف محمود صاحب النزعة المتفردة في الرسم والشكل، مقدما بها انتفاضة تشرين البيضاء استوحى بفرشاته واقع الحياة وتطلعات الناس معتمدا في لوحته الفنية على المرأة ليقدمها برموزها المختلفة الأم والوطن والكبرياء والتحدي.
تضمنت مفردات لوحته المرأة والشهداء التي قدمها كمحور أساسي لأنها بالنسبة له الفضاء والمساحة والحرية والعطاء، كما اتخذها أيضاً رمزا لتحقيق جمالية المضمون الذي يعزز مكانة الإنسان كقيمة إنسانية، بعيداً عن التجريدية البحتة التي من الممكن أن لا تخدم المضمون ذلك إن الفن رسالة تخاطب العقل ، لذلك اتخذ الفنان خليف الواقعية في لوحته لتعزيز حضور الإنسان كقيمة باعتبار إن الفن هو الصورة والوسيلة التي يعبر الفنان من خلالها.
فالواقعية والرمزية والتعبيرية والشخصانية، التي أكد عليها من خلال رسمه المرأة العراقية بأجمل ما يمكن فأكد على جمالها الروحي والشكل وإن دل هذا على شيء إنما يدل على ثقافة الفنان ووعيه وانتمائه الى المدرسة التي يستمد منها أسلوبه ومخاطبته كخطاب بصري للمتلقي وحضوره، وتقديم واقع العراق الذي يناضل ابناؤه من اجل خلق عراق معافى، من الهموم.
الفنان خليف محمود يعد من فنانا غزير الإنتاج ذا ميول أكاديمية ونزعة أصولية في الرسم والشكل، وحين قدم لوحته (الشهداء) اكد على ثيمة المرأة في لحظات الحزن، من خلال الألوان والرموز
لوحته بألوان الاكريليك ذات الصبغة الواقعية، فقد استخدم اللون الازرق دلالة على السمو والرفعة والعزة، بطريقة جميلة ومعبرة ودافئة ورائعة، تقدم بالصبغة الانطباعية، ومداخلا معه اللون الاسود وهو الليل المخضب بدماء الشهداء ونضالهم لتجاوز الهم الاجتماعي والثقافي والسياسي.
في لوحة خليف حضور متميز للمرأة بكل قوة وهي تشكل هاجسا للاستنكار والشهداء حول جسد المرأة العراقية الصامدة المتمسكة بعاداتها وبساطتها، ورسمها في لوحته وتعلوها ملامح النصر، فقد طرح الألوان المتحدية التي تبعث الحياة في الإنسان، ذات الصبغة الواقعية في المنظور والزوايا ، فقدم وأبدع في لوحته هذه.
كما رسم بلوحته صورة اخرى للمرأة وهي جامدة الملامح يقدمها الفنان ببساطة في الموضوع، والعمق في الرؤية، والجرأة في الطرح، الذي هو انعكاس طبيعي لواقع مؤلم معاش، فلا تكاد ترى في كل جانب من لوحته الا وفيها بصمة القوة والشجاعة.
اللوحة تلامس العفوية لأنها تحاكي الحياة والحرية لتخرجها الى العالم الآخر، ويضيء بها دروب الفن، ناقلا اللوحة التشكيلية بمهارة. ان خليف الفنان، المجبول بتراثه وتاريخه وبيئته، يضيء لثورة شعب بطل مدافع عن كرامته بدماء أبنائه.
فجاء التشكيل ليقدم لوحه واقعية مفرطة لأنه ابن العراق لذلك ترى بصمته شاخصة في اغلب اعماله الفنية لنقل الحياة بتفاصيلها من خلال اللوحة، التي أخذت طابعا يمتلك الحس بهذا الوطن، وستبقى لوحة (الشهداء) صدى مهما ليعكس طبيعة الحياة وواقعها المرير بكل نواحي الابداع الفني والثقافي والادبي والعلمي، وهذا من افرازات الظلم لمن باع وطنه ونتائجه التدميرية على حضارة البلاد.
لوحته من الاكليريك ،تتحدث عن معاناة الانسان العراقي في ظل الاوضاع المأساوية الكارثية التي يعيشها العراقي بين معتقل ومهاجر ومهجر وجائع وتفجيرات وبين شهداء لتظاهرات تشرين الفذة.
مجسدا من خلال شهداء الحرية رمزا لأميرة آشورية بأنامل الحاضر من تاريخ وحضارة العراق الزاخرة بالمعطيات الجمالية.
لذلك مزج خليف لوحة الشهداء بامرأة عراقية قريبة من القلب والوجدان بمزاوجة فكرية وفنية بين الفن الحضاري والفن التشكيلي المعاصر، برؤية عصرية تشكيلية كتوأمة فنية معاصرة بجمالية اخاذة، ورسم المرأة متصدرة اللوحة وسبر أغوارها بعمق فرشاته وما يحمله من موهبة فذة
ترك فرشاته تتحدث عن إبداع فنان مهم ينتمي الى جيل مبدعي الفن التشكيلي.
ريشة فنان يعي رسالته ليرسم لنا من "أرض التظاهرات" تمظهرات اللون و "حكايا الجسد" العراقي الذي أنهكته الحروب، بتشكيل لوني يحكي قصة وطن خربته الحروب.

عرض مقالات: