يعتمد الشاعر مصطفى الشيخ في بناء قصيدته على ثلاثة سبل مهمة تقود الى ثلاثة مفاتيح تأويلية وهو ما يشكّل بنية الكتابة في مجموعته (خيام وبيتزا).. وأولى هذه السبل خارج نطاق الفكرة هي عنوان النصّ والمفردة وكذلك البناء العمودي المتلاصق للجملة الشعرية.. هذه السبل الثلاث هي التي تقود الى مفتاح الشعرية في النصّ والقبض على اللحظة التأويلية، وكذلك الجنوح نحو مخيلة القصدية التي ارتكزت عليها فكرة النصّ الشعري.. فما بين السبل والمفاتيح ينتج لنا الشيخ نصّه الشعري على وفق مفارقةٍ بنائيةٍ تبدو قصدية من الشاعر وهو جعل عنوانه أطول من الشطر الشعري في بنيته الكتابية.. ولو أخذنا النصوص البالغ عددها 56 نصًّا نجد فقط أربعة نصوص تتألف من كلمتين وتسعة نصوص من ثلاث كلمات و16 نصًّا من أربع كلمات وهكذا ..
وكأنه هنا يريد توزيع الموسيقى الداخلية على جسد النص، وإن القصدية معلّقة في سقف العنوان وهي مراوغة فطرية ربما أو مقصودة في أن يكون العنوان الرئيس يتألّف من كلمتين لا يتطابق تأويلهما أو تقترب قصديتهما ما بين الخيام والعلاقة مع الماضي أو البداوي أو الصحراء وبين البتيزا التي لها علاقة بالتحضّر والتمدّن والتأثر بالمجتمعات الأخرى الأوربية، وكأنه منذ البدء يجنح في الأفكار التي سيبثّها في جسد النصوص على مذهب هذه المقارنة التي يراد لها أن تكون المنطقة العلوية في كتابة الشعر وبث الشاعرية.
ان بنية الكتابة تنطلق في أغلب النصوص على قدرة التأويل التي تنتجها ماهية المجازفة بين المفردة ودلالاتها ومكانتها في المتن الشعري.. وهي ثلاثية منطقية لنوعٍ كهذا من النصوص التي يراد لها أن تفعّل مفهومها لإنتاج قصدية المحاورة المنتجة للتأويل المخالف، ليس لتوقّعات القارئ بل لتوقّعات منطقية النصّ ذاته، وخاصة وإن بعض العناوين تضم مفردات يراد لها أن تكون مشاكسة في بعض مفاصلها.. فعناوين مثل (قصائد على البوصلة المقنوصة، اتكاء على حلمة مقشرة، كأس بابلي على نهد مائل، رقصات جثة على قطار منزلق،جنازة حمراء على كتف قمر بدوي، وقوف علبة الميامي على رأس خيمة مائلة، بوهيميان وراء القضبان لا شك انا و سعد رفعت، سيف مخملي على قبر صلاح الدين الايوبي، سبعة شرايين على رأس خنجر مدبب وغيرها، وعناوين كهذه لنصوص يراد أن يجعل المقابلة معها وكأنها عملية حكي تتمتع بموسيقى داخلية تارة أو موسيقى خارجية متقرّبًا من نصّ التفعيلة وهو يقود بساطة المفردة لإنتاج ما ذكرناه من ثلاثية التأويل.. فالنصّ لديه عبارة عن مجازفةٍ لغويةٍ مثلما هو مجازفة معنى قد يصعب على المتلقّي قبولها أو التماهي معها.. لأنه يستخدم الطريقة المباشرة في إعطاء القصدية مفعولها الدلالي (ضع سلاحك أيُّها الداعشيّ، وصلِّ ركعتين، على سجادةِ الكاشانْ..، استبدلْ رصاصاتكَ، بالتسبيحاتِ، والأذكارْ..، لقد أوقعتم المدنَ، بالإرهاب، ما ذنب الطفل، المفجع الّذي لا ينامْ..، ما ذنب الطيور،التي هاجرت أوكارها (من نص ((رِصَاصَات في أوكار جَلْبَلاء)).. ولو أخذنا دلالة العنوان سنجد إن دليلها المعرفي واضحٌ وأن المفردة قادت القصدية الى تبيان ملامحها وبالتالي فإن التأويل يبرز من خلال اكتمال اللوحة الشعرية التي رسمها بطريقته التدوينية، بوصفها رهانًا على إشباع المجازفة التي يريد من خلالها التفرّد أو التميّز او صناعة نصّ مختلفٍ مع الآخر من خلال مفعول المفردة الذي يمكنه أن يزيح منطقة المعنى لصالحه، ولهذا فإنه يستخدم المستوى الإخباري في ترتيب أولويات الشطر الشعري وإن كان من كلمةٍ أو كلمتين وفي أحسن الحالات ثلاث كلمات، وهو ما ينتج بعد ذلك مستوىً تصويريًا مقرّبًا من منطقة المتلقّي التي باستطاعته تلمّسها دون عناء من أجل الوصول الى المستوى التأويلي الذي هو الغاية العليا للشاعر في نصوصه وهو أمر طبيعي..
إن هذه الطريقة في تدوين الشعر من أجل الوصول الى المنطقة الشاعرية لم تجعله يكترث بالإجابة بقدر ما يهمه بث الأسئلة وسواء جات هذه الأسئلة على شكل نصٍّ نثريّ أو محاولة لإنتاج نصّ تفعيلة بثوبٍ نثري، فإن المنتج الشعري هو توضيح الإجابة لدى المتلقّي
(لماذا أطفأتُم المصباحْ؟، لماذا أيقظتم، الجراحْ؟، مدينتي لم تعد مدينة،الأشباحْ!، من نص ((زُجاجة روسيّة تحتَ مصباح جَلْبَلاء))..
إن مجموعة الشاعر الشيخ تعبر عن ذاتيتها من خلال مفعول الجهد العام ومن خلال هذا المفهوم تنطلق ثلاثيات النصّ لإنتاج نصٍّ شعري يرتبط بقدرة المتلقّي على لملمة القصديات بصورة يراد أن لها أن تكون في منطقةٍ واحدة.

عرض مقالات: