تنتشر في عالمنا العربي ظاهرة قرصنة الكتب وتوزيعها، سواء على صعيد الكتب الورقية أو الرقمية، من دون رادع قانوني أو تشريعي وأخلاقي موحد، وتختلف القوانين والتشريعات الخاصّة بتلك الظاهرة من بلد إلى آخر، كما تختلف أساليب تطبيقها وتتفاوت، حسب اهتمام الجهات الرسمية والقائمين على صناعة الكتاب في تلك الدول.

وتشهد مواقع توزيع الكتب المقرصنة على شبكة الإنترنت انتشارًا متصاعدًا في السنوات الأخيرة وتحتدم المنافسة بينها من أجل توفير الكتب الأكثر شهرة لزائريها وأعضاء منتدياتها، الذين هم في الغالب من القرّاء الشباب ذوي الدخل المحدود والرغبة الجامحة في القراءة. ويشكو أغلب الناشرين العرب من انتشار تلك الظاهرة من دون دراسة أسبابها الحقيقية أو حثّ الجهات المسؤولة على محاربتها.

إن انتشار هذه الظاهرة يعود إلى أسباب عدّة في الحقيقة، أهمها ارتفاع أسعار الكتب وتفاوتها بالتناسب مع القدرة الشرائية وقيمة العملة في بلد معين، فضلا عن استحالة توفير العناوين المطلوبة لجميع القرّاء العرب نتيجة لمصاعب التوزيع وارتفاع كلفة شحن الكتب وغيرها من المعوقات.

ومن جهة أخرى تعد ظاهرة القرصنة هذه مقياسًا نسبيًا بدرجة معقولة لتحديد نوعية الكتب الرائجة والروايات المشهورة التي يسعى المقرصنون الى توفيرها في مواقعهم، وعلى الرغم من أن حالة القرصنة هذه تعد خرقًا قانونيًا وسرقة علنية لحقوق الكتّاب والناشرين، إلّا أنّها لا تخلو من نواحٍ إيجابية نوعًا ما، إذ يظهر المقرصنون وعيًا استثنائيًا ودراية كبيرة بالكتب المطلوبة ونوعيتها وما حققته من رواج وما تركته من أصداء، وحتى سنوات قريبة كان بعض الكتّاب يلجؤون إلى نشر الإشاعات عن قرصنة كتبهم هنا وهناك في محاولة للفت الأنظار إليها والتدليل على أنّها ناجحة ومطلوبة.

 لكن ما يدعيه هؤلاء تكذّبه حقائق توزيع النسخ الورقية من الكتب وانحسار مساحة انتشارها سنة بعد أخرى، بينما لا تكذب مواقع القرصنة في اختياراتها، ويستطيع القاصي والداني العودة إليها للاطلاع على نوعية الكتب والروايات المطلوبة وحجم انتشارها في أوساط المقرصنين وجمهورهم الرقمي المتعطش للقراءة والبحث الواعي عن كل ما هو سمين ونافع، حتى أن تلك المجتمعات الرقمية تحولت إلى ما يشبه المؤشرات أو المجسات الموثوقة عن مدى نجاح كتاب معين وتحديد جودته، ناهيك عن انتشارها الواسع وتجاوزها الأنظمة الروتينية والحدود والرقابة والتابوهات والنقد المجامل، وبالتالي هي مجتمعات عصرية حرّة لا تحتكم سوى إلى وعيها العميق وذائقتها.

وإذا كان البعض من الـ”الحنبليين” يعترض على انتشار هذه الظاهرة ويطالب بمعالجتها، سواء من الكتّاب أو من الناشرين، فإن بقاءها وانتشارها يظلان مرتبطين بفسحة الفوضى الخلاقة التي تضرب أطنابها في عالمنا العربي، لجهة غياب القوانين الخاصّة بحماية حقوق الملكية وعدم تنظيم عملية النشر وانتشار الدور التجارية الساعية لجني المال على حساب الكتّاب قليلي الموهبة وجشع الكثير من الناشرين أو عجزهم عن توصيل الكتاب الورقي الى القرّاء الذين تتفاوت قدراتهم الشرائية من بلد عربي إلى آخر، وتقابل كل هذا لهفة عارمة لدى القرّاء الشباب وتطلعهم إلى الحصول على الكتب الجيدة مجانًا أو بطريقة تتناسب وقدرتهم الشرائية المتواضعة مستغلين حالة الفوضى هذه.

وفي المحصلة، تحولت مواقع قرصنة الكتب وترويج النسخ الرقمية واتّساع رقعة المستفيدين منها، إلى حالة بديلة ومضاد حيوي لعلّة انتشار الفساد الثقافي واندحار النزاهة الثقافية وكثرة الغث من الكتب التي تُطبع على حساب مؤلفيها، حتّى أصبح الأمر بحاجة إلى منقّب حاذق للعثور على الكتب الجيدة، ولا مناص من أن يكون هذا المنقب مواقع القرصنة الساعية لتعزيز حضورها ولسان حالها يقول، قلي كم موقعًا قرصن كتابك أقُول لك من أنت!

 

عرض مقالات: