ان تداخل الأجناس الفنية في فيلم (بييرو المجنون) للمخرج الفرنسي جان لوك غودار كانت خطة معد لها مسبقا في هذا الفيلم من خلال اعتماده تداخلات عوالم عدة من لوحات موحية فوق الجدران، وعمارة لأبنية لها دلالاتها الجمالية والتاريخية، حتى أنه استشهد بمقاطع شعرية وبعض القراءات السردية داخل العمل، وكان بيكاسو بمرحلتيه الزرقاء والوردية حاضرا هو الاخر . وقد استعان ايضا في تلوين وجه جان بول بيلموندو بما سلكه الفنان والنحات الفرنسي (ايف كلاين) عندما طلى وجه بيلموندو باللون الازرق الذي كان يميز جميع أعمال كلاين و كل ما كان يقوم به هو عبارة عن استعادة واقعية لشعور طاغ باللذة. في التحرر في التحليق بعيدا الى اخر الرؤى في الفكر والروح شعور يعبر عن رغبة في تخطي أسباب الحياة المتاحة إلى ما هو أعمق. وبالنسبة لايف كلاين كان يتشارك مع غودار في استغلال مساحات واقعيته الجديدة كنوع من المديح للعيش على الحافات. كانت أعمالهم بمثابة نبوءات احتلت فضاء شاسعا من بداهة التحول الفني. و لا تزال نبوءاته الاخراجية كفكر فني مستقل تحفظ له حق العيش عمرا ليس بإمكاننا احصاء سنواته . وقد تمثل مشهد الخلود هذا فعليا في الفيلم أن البطل بعد موته، يتردد صوته بمقطع لـ «رامبو» قائلاً «لقد وجدتها .. الأبدية». حالة البحث واللا جدوى حالة الضياع عن امر غير متاح . ستبقى ثيمة تتكرر كمكون بنائي في معظم أفلام غودار، مع تباين درجة وضوحها، حالة بحث دائم عن التحرر والخلاص في ظِل عالم محكوم بقوى أفسدت الذات الإنسانية حتى نسي الإنسان نفسه وأصبح أحد أدوات هذه القوى.

عرض مقالات: