هل يمكن أن يدفع ممثل حياته حتى يكمل دورا ثانويا في فيلم دوره فيه ساعي بريد ينقل رسائل موجهة الى شخص واحد فقط ؟ حدث هذا مع بطل فيلم " ساعي بريد نيرودا " الممثل الايطالي " ماسيموتروزي " الذي دفع حياته ثمنا ليكمل الفيلم " حينما قام بتأجيل عملية جراحية مهمة ومستعجلة له في القلب حتى يتمكن من اتمام تصوير مشاهد الفيلم ولكنه وبعد مرور اقل من 12 ساعة على تصوير آخر مشهد من مشاهد الفيلم توفي اثر نوبة قلبية داهمته في منزل شقيقته في روما .. والفيلم يعد من الافلام النادرة في كل شيء ، ليس لأنه يعد أول فيلم يمنح فيه ممثلاً ثانويا جائزة الاوسكار ، وليس لأنه أول فيلم يمنح الجائزة لممثل ناطق بغير الانكليزية ولممثل ميت ، وتتلخص قصة الفيلم المأخوذ من رواية " الصبر المحترق " لمؤلفها " انتونيسكارسيتكا" ، حينما يقرأ " ماريو روبولو" اعلانا للتقديم الى وظيفة ساعي بريد ـ يشترط في من يتقدم اليها ان يمتلك دراجة ، وحينما يقبل في العمل يفاجأ انه سيكون مجرد ناقل رسائل من كل العالم تصل الى الشاعر نيرودا الشاعر اليساري المعروف الذي يترك ـ تشيلي ـ بعد حظر الحزب الشيوعي التشيلي من العمل فيتخذ من جزيرة ايطالية معزولة عن العالم ـ جزيرة كالا دي سوتو ـ مكانا لعزلته ، يطير ساعي البريد فرحا كونه سيكون قريبا من اشهر شاعر في العالم ـ لأنه في قرارة يقينه الكلي ، يعد نفسه شاعراً بالفطرة لكنه يفتقر إلى الكلمات للتعبير عن ذلك ، ويبذل كل محاولة ممكنة لمصادقة الشاعر المرموق، وكسب وده فيما ينقل إليه كميات هائلة من الرسائل التي يأتي معظمها من نساء معجبات بالشاعر على الرغم من تقدمه في السن يؤدي دور " نيرودا" الممثل الفرنسي " فيليب نواريت " ، مما يزيد إعجاب ساعي البريد البسيط بمثله الأعلى الشاعر الشهير، مراقبته اليومية للشاعر عن بعد ويعبر عن اعجابه بكل شيء يقوم به ، وهو يرقص التانغو مع زوجته ويمارس حياته اليوميه ببساطة ، ويبدأ بقراءة شعره بنهم مدققا في الكثير من التعبيرات المجازية في قصائده. وبعد محاولات متعددة ينجح ساعي البريد في تبادل أطراف الحديث مع الشاعر الذي يبدأ بمشاركته آراءه السياسية اليسارية والجمالية شارحا له معنى أن يكون المرء شاعرا ، ويبدأ بتعريفه على جمال الشعر، وسحره وتعبيراته مستغرقا في شرح العلاقة بين الشعر والحياة. ويشرع ساعي البريد، الذي تتطور أحاسيسه ومداركه الشعرية في نظم الشعر بما فيه من تعبيرات مجازية واستعارة وفي تدوين قصائده وتأملاته في دفتر مذكراته. ويلتقي ذات يوم بفتاة أحلامه، وهي شابة رائعة الجمال تدعى بيتريس تزور خالتها التي تملك حانة في الجزيرة، ولكنها لا تعيره أي اهتمام في بادئ الأمر، إلا أنه يتمكن بمثابرته وبتشجيع من الشاعر من كسب ودها . فيحاول ان يقدم محاولاته الشعرية الى نيرودا ، لكن الرسالة المهمة التي ينقلها ساعي البريد الى الشاعر تبلغه بالسفر لالقاء كلمة في حفل توزيع جائزة نوبل يجبره الى مغادرة الجزيرة سريعا ، فيجد الشاب نفسه وحيدا وحزينا ، لكنه ينغمر في العمل السياسي موظفا الشعر في القاء القصائد الحماسية شاعرا في التظاهرات السياسية ، حتى اللحظة التي يلقى فيها حتفه بعد اصابته اثناء محاولته قراءة قصيدة وسط الحشود .. وبعد فترة يعود الشاعر الى الجزيرة فيسأل عن ساعي البريد فيعلم انه مات في التظاهرات بعد أن حاربته السلطات كونه شاعرا ثوريا ، لكنه ترك له ملفا وقصيدة في كاسيت ، حينها قال كلمة بحق القصيدة التي قرأها ( وصل الشعر إلي وهو يبحث عني ) وكذلك قصيدته " ساعي البريد " تشرعُ بالموت بطيئا /إنْ لم تسافر/إن لم تُطالع/انك تستهلّ موتك بطيئا/عندما تقتلُ إحترامَك لذاتك .

عرض مقالات: