ثمة حمى تصيب الفاعلية الأدبية بين الحين و الآخر , فيتراكض جمع غفير لتشويه جماليات الكتابة ، من خلال إنتهاك هذا الجنس الأدبي أو ذاك . البضائع المزجاة أدبيا الآن هي : ق . ق . ج ، الومضة الشعرية و الرواية . لا تخلو هذه الحمى من لؤلؤ مكنون ، لكن التقاطه ، يكلّف الكثير من الجهد و الوقت . نحن أمام كارثة بيئية ثقافية . وثمة تواطؤ من تحت الطاولة وعليها ، ثمة غمغمة اتحسسها في الوسط الثقافي من ( الكبار ) قبل ( الصغار ) : ( دعه يمر .. دعه يعمل )
( * )
فعل ( أوجز ) الذي وضعه على باب غرفته الكاتب كوتون ماثر , هل يكفي لتخليق قصة قصيرة جدا ؟ كيف توجز و أنت على عتبة تجاربك في الحياة و الكتابة ؟! أحذر: عليك أن لا تتوكل على خبرتك التقنية في ( تغريدة توتير ) فلا يوهمك البعض و يورطك في الأغتراف من هذا الحوض التقني ..
( * )
القصة القصيرة جدا : تحتاج رهف التحسس في تذوق اليومي المتسارع . ومن منصة تنطلق فراشات هذه الأجناسية ، لكن كيف تتوالد الرهافة في سيادة الإفتراضي ، وأنت أصبحت وجيزا بحد ذاتك سبّابه ضاغطة وعين باصرة : ضمن أفق مفترض إلكترونيا !! وهنا الأشكالية الكبرى : هل أنت الآخر ؟ أم أنت أنت ؟ أيهما تريده كينونة لك ؟ لتغترف وتقطف وتسهم في إضاءة حياتنا ..
( * )
الغواية الكبرى ، في كتابة هذا الجنس القصصي ، وبشهادة القاص جورج فريتاك ( أنــها في الحقيقة قصيرة ، فلا يمكن أن تكون صعبة ) شخصيا سأوقف الشهادة على رأسها : في قصر النص تكمن صعوبته ، وهذا القصر القصصي : فخٌ وعلى مَن يتورط معه ، أن يلتقط ماخف وزنه وتميّز جوهره . وعليه أن يتخلص من : الطرفة والحكمة والموعظة السردية و المبالغة في شعرنة النص .
( * )
قراءتي المتكررة تثبت الملاحظات التالية :
يسهم العنوان في تكثيف النص كما هو الحال في القصص التالية :
( سفر ) ( ابتلاء ) ( ذكاء ) ( وفاء ) وهناك عنوانات تشتغل بالتضاد الساخر ( ذكاء ) ( سفسطة ) ( صعقة ) ( ضريبة ) ( فطنة ) ( نصيب ) ( هدية ) ( ملهمي ) ( معركة ) ( وعد ) ( تعريف ) ( تشبث )
( * )
( نحن محكومون بالأمل ) هكذا علمنا المسرحي الكبير سعد الله ونوس ـــ طيب الله ثراه ـــ فكيف يكون الأمل تعاسة وكتابا للأجل ؟ هنا صدمة النص و أكتفي حتى لا أصادر متعة السطر القصصي الجميل :
( تعيس
لم يعرفوا سبب وفاته المفاجىء ، حولوا جثتهُ للطب العدلي ، ذيلوا التقدير بتواقيعهم ، تعاطى جُرعةً كبيرةً من الأمل )
أقتفيتُ ظل هذا الواحد المتفرد ، فلمستُ حضوراته في القصص التالية ( تقوى ) ( تشبث ) ( غدر ) ( زواج ) ( هلع ) ( مواسم ) ( وصال ) وفي غيرها ، وهناك ( المثنوي ) يتجسد في ( محاضرة ) ( شهرة ) ( عناد ) ( ملهمي ) ( كبرياء ) ( مصير ) ( قلق ) ( خلاص ) ( عوالم )
( * )
التجاور القصصي المكمّل الجميل تمعنت فيه ، فرأيته مثل كاميرا تلتقط صورا للحدث نفسه من زوايا متنوعة ، وثبتّت العينات القصصية التالية :
( مصير ) ( عقدة )
( سفسطة ) ( حصانة )
( شطرنج ) ( تاريخ )
( هــدف ) ( اجابة )
( أدوار ) ( استجابة ) ( تعيس )
( * )
يتوزع السرد بين سارد راصد وسارد مشارك بضمير المتكلم في صناعة الحدث ، فساهمت النقلات في تخليص النصوص من رتابة التمنيط التقني
( * )
في الإبداع يشتعل التراسل بين فعليّ القراءة / الكتابة , فمهارة تصنيع النص تطلقه من فضائه الورقي إلى شساعة تلقي القارىء . فالنص الجيد حين ننتهي منه نمكث فيه .. نتعمن فيه ثم نغوص ..
كقارىء أشهد أنني عاودت قراءة نصوص معينة وتحديدا النصوص الفصوص ..
ولن أعلّمها بعلامة العنونة . فمن المؤكد سيلتقط غيري نصوصا أخرى ويتلذذ بتكرار قراءتها ..
( * )
ثمة نصوص رأيتها في عوز إلى كلمات أخرى ، لا لزيادة الحجم ، بل لتعميق مجرى القص ومن المؤكد أن طموح القاص سيتجاوزها مستقبلا
( * )
هذه الخطوة القصصية البكر : تجعل المؤلف علي الصالح ، في مهب انطلاقه الإبداعي .. ويبدو لي أن القاص يمتلك طاقات الإصرار في مواصلة الدرب ، وعتبتي النصية تومىء و تكتفي بذلك إيمانا بحرية المؤلف و أنداده القراء ..
*علي الصالح/ ذهان / قصص قصيرة جدا/ دار المكتبة الأهلية في البصرة/ ط 1/ بيروت/ 2019