شخصية عرفت بحبها للناس ، طيبته ومحبته مرسومة فوق جبينه ، ضحكاته تشبه النسيم العذب حين يهب في آخر الليل ، روحه النقية تحلق فوق سماء العشاق لتحرسهم ، أرشف من خلال كاميرته حارات ودرابين بغداد والوجوه التي أتعبها الفقر والخوف من المجهول والأمهات التي ثكلت جراء الحروب وويلاتها ، كانت عدسته تلتقط كل شيء معبّر وفيه من الحزن الكثير الذي يصعب تحمله حين نشاهده في العين المجردة ، أنه المصور والفنان الكبير الراحل سامي النصراوي المولود في محافظة ميسان عام 1944 ويرجع نسب النصراوي الى عشيرة (البو محمد) المعروفة في جنوب العراق . عاش سامي النصراوي حياته ودرس في العاصمة بغداد واحترف فن التصوير الفوتغرافي مع مجموعة من المصوريين وأراد ان يجمع مصوري العراق تحت خيمة صغيرة ، وقد عمل على استحصال الموافقات الرسمية لتكون ثمة جمعية لشريحة المصوريين العراقيين ، وكان سامي النصراوي المؤسس، وأول رئيس للجمعية العراقية للتصوير التي بدأت في شقة صغيرة بداية عقد السبعينيات وتحديداً عام 1972عند شارع ابي نؤاس ، وبعد سنوات قليلة انتقلت الجمعية بالقرب من حافظ القاضي عند شارع الرشيد وضمت قاعة وغرفة مختبر ، واقيمت فيها المعارض لفنانين كثيرين منهم زهير شعوني وفؤاد شاكر واسماء اخرى . كان رئيس الجمعية النصراوي يشجع الشباب الموهوبين في فن التصوير وحثهم على التقاط الصور التي تعبّر عن واقع المجتمع العراقي في تلك الفترة لتؤرشف لتاريخ مدينة ووطن.
أقام الفنان سامي النصراوي صاحب الالتقاطات المؤلمة في التصوير والباحث عن المتاعب فيها ليخرج بصور تعكس الواقع المزري الذي يعيشه الفقراء والمظلومين، النصراوي أقام العديد من المعارض داخل وخارج العراق واشترك في دورات للتصوير الصحفي وعمل في صحيفة طريق الشعب عندما كان حماسه اليساري يأخذ بيده الى الأعالي. وكان حين ينقل صورة الفقراء والمحرومين والعمال الكادحين يكون اميناً ومبدعا وهو الفنان البارع في صوره وخاصة المشاهدات المكتظة بالناس، بسرعة وبخفة عالية يلتقط صورته ويمضي. تعرفت على الراحل سامي النصراوي وصرت قريبا منه عام 1997 عندما جاء الى عمّان بعد ان أتعبه الزمن الغادر في زمن الحصار ومضايقات السلطة، وصل النصراوي واستقبله الفنان المسرحي علي منشد في غرفته البسيطة التي كان يستقبل فيها العديد من الأصدقاء. كانت العاصمة عمّان في تلك الفترة تعيش عصرها الثقافي الذهبي فأغلب رموز العراق الثقافية تعيش فيها، ومن أول لقاء مع سامي النصراوي يكتشف المرء طيبته العالية وابتسامته العريضة وقلبه الذي ينثر محبته وروحه الصافية. سامي الذي جمعتنا به الكثير من الجلسات اليومية كانت طيبته وروحه المرحة قد بددت علينا الكثير من آلام الغربة ومصائبها. ولعل الحصار والحياة الصعبة داخل العراق في تلك الفترة أجبرت هؤلاء المبدعين على أن يغادروا تحت تلك الظروف القاسية التي تركوا فيها عوائلهم وبيوتهم ووظائفهم ليعيشوا معنا في غرف بائسة وحياة غاية في الصعوبة، إلا انهم كانوا سعداء بيننا وكانوا يعملون ليل نهار حتى في جلساتنا كان سامي النصراوي يلتقط الصور الجميلة لضحكات وبكاء ومواقف كثيرة مّر بها المثقف والفنان العراقي داخل العاصمة الاردنية عمّان. ومن أجل الخلاص والنظر الى المستقبل قدم أوراق لجوئه وحضّر مع آخرين حاله للسفر وتم قبولهم وسافر سامي النصراوي مع صديقه وزميله فؤاد شاكر الى الولايات المتحدة الأمريكية بعد سفرنا بشهور طويلة، وعلى ما اتذكر في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثانية ، لكننا بقينا على اتصال حتى سمعنا ذات يوم نبأ رحيل سامي النصراوي بعد ان جاءت عاصفة هوجاء رافقها أحد اعصارات امريكا التي تفتك دائما ببعض المناطق وتقلع الأشجار والبيوت وكانت الولاية التي يسكنها سامي النصراوي قد تعرضت الى تلك العاصفة وكان النصراوي من بين الضحايا الأموات ! لقد مات شيخ المصورين سامي النصراوي في تلك البلاد البعيدة بعد مضي سنة او أكثر على اقامته فيها. الألم اعتصرنا ونحن في منافينا على سامي الطيب الوديع الرائع في كل شيء وصاحب الأخلاق العالية والروح المثالية الجميلة والحب الكبير الذي يحمله داخل قلبه، مات سامي النصراوي يا الله غريبا وحيداً في بلاد الأوباش امريكا كما يسميها سركون بولص! لقد كان رحيله في تلك العاصفة عبارة عن صدمة كبيرة وجهت لأهله وأصدقائه. ان موت سامي النصراوي في بلاد الغربة وبتلك الطريقة الموحشة هو مؤلم للغاية، مات بعيدا عن وطنه وأهله ومحبيه بعد ان مثل صفحة مشرقة في تاريخ فن الفوتوغراف العراقي. سلاما سامي النصراوي يا شيخ المصورين، ايها الغائب الحاضر ..

عرض مقالات: