ليس مهما أن تكون شيوعيًا لتقرأ ، لا تتحدد القراءة بمراتب الانتماء، بل بطرق العيش، بفهم الحياة، بالعمل في الغد، القراءة بحث في المجهول، القراءة كشف عن الغامض، القراءة سؤال للمعرفة، القراءة فهم، القراءة شك فيما قيل، القراءة سفر في عقول المؤلفين، القراءة اكتشاف لمجهول الأسئلة، القراءة رؤية لمن يملك فكرا، القراءة تعلم وليس تعليما، القراءة سلطة للمعرفة، تمنحك طاقة مضافة، القراءة جدل للبحث عن الحياة، القراءة معرفة الذات والآخر، لا تقل ما أنا بقارئ، بل قل أنا قارئ يقرأ، قارئ يبحث في كينونة الاشياء، قارئ يبصر في االمناطق المعتمة، قارئ يتجسد في الرؤية الكاشفة، قارئ لا يكون إلافي الإستحالات، قارئ يبحث عمّا وراء ما يقرأ، فالكلمات زوارق تجوب بحور الذاكرة، لا أعرف كيف أكون دون قراءة سائلة، قراءة تحولني من فضاء أدنى إلى فضاء أعلى، القراءة غنى، وكنزًا ورأسمال، لاينضب ، القراءة اضافة عقول الآخرين الى عقلك، القراءة فهم ما نجهله، والقراءة بعد هذا كله، هي أنك تعيش في الغد لا في يومك هذا، القراءة فك لرموز العيش، ومعرفة لمثيولوجيا الحياة، وكشف لاساطير الغير. يقرأ دانتي رسالة الغفران فينتج الكوميديا الإلهية، ويقرأ شكسبير االثقافة الشرقية فيكتب عطيل ، وتنتج الديكاميرون من ألف ليلة وليلة، ويكتب غوته الديوان الشرقي، ويتعلم فلاسفة الغرب من شروح ابن رشد لأوليات الفلسفة اليونانية، كل هؤلاء ليس عربًا ولكنهم قراء عالميون، وقراء شيوعيون، وأن لم يعرفوا الشيوعية، لأن القارئ الشيوعي مسؤول عن إنتائج الآخر حتى لو اختلف معه، القارئ الشيوعي كتلة من الوعي بالكليات، لا يمكن أن يكون تفكيره شاملًا، إلا غذا وعى الكليات، نحن نقرأ لنعرف أنفسنا، من يقرأ يشعر بمسؤوليته تجاه الآخر، القارئ الشيوعي قارئ كوني وما يؤمن به، يؤمن بواحدية العالم وأمميته، أن تكون قارئًا شيوعيًا، يعني أن تضع قدمك في أرض الخصوبة، وتضع عينيك في فضاء المستقبل، ويدك في حراثة أرض لم تكتشف، وأن تبحث في مصائر الشعوب، مبدأ القارئ الشيوعي غيرمحدد بنوعية الكتب، ولا بزمن إنتاجها، معرفته بحث في مجهول المصدر، ولن تجده منتجا إلا في محاورة العقول. قرأ ماركس من أجل شعوب الأرض كلها، مع أنه ينتمي الى ألمانيا، وقرأ أنجلز أفكار وبنية الطبيعة والصناعة والطبقات والديالكتيك، مع أن الطبيعة كونية الانتماء. القارئ الشيوعي ليس فئويا، ولا هو متحزب بأفق ضيق، هو كينونة الفهم والسؤال. قارئ منتم لمبدأ إنساني. القارئ الذي أعنيه ليس شرطًا أن يكون شيوعيًا، أومنتميًا لمنظماته، إنما هو سمة لنوع من القراء المولعين بالسؤال، الذين يعدون مؤونة سفرهم للغد، تجدهم يقرأون حتى التيارات المناهضة لأفكارهم، فهو ليس من فئة المثقفين الذين وصفهم غرامشي، أو سارتر، أو فوكو، ولا هم من القراء الذين يقرأون المنهاج التثقيفي والجريدة المركزية وبيانات ومقرراته ونظام الحزب ويكتفون، فهذه ليست إلا دليل خطوات عمل، القراءة تأتي بعد المبادئ لا قبلها، كل قراءة تحرر من جهل، والقارئ الشيوعي مجموعة معارف.
أول قراءات القارئ الشيوعي أن تكون في تراث شعبه، وفي فهم مكوناته الإجتماعية، وعلى دراية بخيرات بلاده، وعلى فهم بالاثنيات التي تسكنة، وعلى اطلاع على الجغرافية المادية للبلاد، والجغرافيا الروحية للناس، ان يعرف من يستغل العامة، ومن يسوقهم للفهم الناقص، ومن يغيبهم عن وعيهم، ومن يصادر عقولهم وحريتهم، ومن يربطهم إلى اقدار موهومة، ومن يضحك عليهم من أجل ان يتسيد، القارئ الشيوعي محراث مواقد المجتمع الساكنة، عليه أن يوقظ النيام، وأن يرشد التائهين، وأن يعلم من لا قدرة له على فهم ما يجري، عليه ان يعرف جبال بلاده وأهواره وصحراءه، يقرأ ديوان شعر الأرض في الفلاحة والزراعة، ويقرأ مكونات الصناعة والأسواق، و يتعرف بعمق على ثقافات الماء والتراب والهواء والنار، ويقرأ تراث الرافدين، ويقرأ حقول النار، و مصبات ومنابع المياه، واتجاهات الريح وتقلبات المناخ، و تكوّن الحجارة والمغارة والكهف، و يفهم في معادلات الإنتاج في الشح والعطاء. او تنوع الاديان، فما من تجارة رابحة إلا القراءة.