قليلة هي الأسماء الشعرية النسوية في تاريخ الشعر العراقي وكذلك في الشعرية العربية برمتها ، لكن ثمة شاعرات أثبتن وجودهن في خارطة الشعر العراقي والعربي وهن قلة لا يتجاوزن اصابع اليد الواحدة ، واستطعن الانفتاح على آفاق القصيدة العربية وواكبن تطورات الشعر العربي الحديث خاصة بعد ثورة الشعر الحر أوآخر الأربعينيات من القرن الماضي وذهبن بالقصيدة الى فضاءات واسعة.
واحدة من الشاعرات اللواتي برزن في جيل الستينيات كانت الشاعرة العراقية الراحلة (آمال الزهاوي) 1946 -2015 والتي تأثرت في بداياتها الأولى برائدة الشعر الحر نازك الملائكة وكان تأثير نازك واضحاً عليها لكن الزهاوي سرعان ما وجدت مسارها الشعري الذي ميزها عن الكثيرات خاصة وان مرحلة الستينيات كانت مرحلة مهمة في تاريخ الشعر العراقي لما قدمت من نماذج شعرية وقصصية فاقت المراحل السابقة . آمال الزهاوي كتبت قصائدها في الحب والثورة والسياسة والميثولوجيا والتصوف وكانت قد أصدرت أول ديوان شعري بعنوان الفدائي والوحش عام 1969 حاملا في طياته هموم الثورة الفلسطينية وتطلعات الشعب ضد الاحتلال ، وبعد ديوان الفدائي والوحش اصدرت العديد من المجاميع الجريئة التي تجاوزت الأحد عشر ديواناً شعرياً خلال مسيرتها الشعرية الطويلة وكذلك لها الكثير من المحاولات في كتابة الرواية والقصة القصيرة وكان شعر آمال عبارة عن دليل لروحها الباحثة عن الحرية وعن الحقيقة والصفاء بالضد من القمع والإضطهاد وتكميم الأفواه وتحمل قصائدها الكثير من الأسئلة التي ظلت فاغرة فاها ولم تصل الى إجابات مقنعة . عندما كنتُ صبياً قرأت قصائد آمال الزهاوي في كتب المناهج الدراسية للمراحل المتوسطة ، هي ابنة جيل الستينيات الشعري في العراق وشكلت مع الشاعرة عاتكة الخزرجي ولميعة عباس عمارة في تلك الفترة المحافظة ثلاثيا مهما في تاريخ الشعر النسوي داخل العراق ، وقد اسست آمال الزهاوي في فترة الثمانينيات مع زوجها الاستاذ عداي نجم شركة للطباعة باسم عشتار ودار نشر باسم آمال الزهاوي وساهمت في طبع العديد من الكتب الأدبية للشباب في تلك الفترة ، آمال عبد القادر الزهاوي مواليد بغداد 1946 وخريجة كلية الآداب من قسم اللغة العربية ، ويرجع نسب الشاعرة الى عائلة الزهاوي العريقة والمعروفة على الصعيدين السياسي والأدبي في العراق وهي حفيدة العلامة الشيخ محمد فيضي زعيم عائلة الزهاوي وعم والدها هو الشاعر والفيلسوف الكبير جميل صدقي الزهاوي وعمها الشاعر ابراهيم ادهم الزهاوي . وتتخذ الشاعرة من تاريخ العراق رمزاً مهما في شعرها الذي لا يخلو من الأساطير السومرية والبابلية والآشورية وحضارة العراق بشكل عام وحتى حين جاءت الى العاصمة عمّان أوآخر عقد التسعينيات كتبت قصيدة طويلة بعنوان (جدارا) بعد ان شاهدت حضارة الرومان داخل العاصمة عمّان وكانت قصيدة رائعة الأمر الذي سارعت إليه وزارة الثقافة الأردنية بطباعة قصيدة آمال بكتاب صغير وبنفس عنوان القصيدة (جدارا) . كثيرة هي اللقاءات التي جمعتني في عمّان مع شاعرة العراق آمال الزهاوي خاصة في المهرجانات وتمكنت في تلك الفترة من أجراء حوار مطول معها ونشرته في وقتها بجريدة الزمان التي كانت تصدر بلندن في سنواتها الأولى، تحدثت في الحوار آمال الزهاوي بطريقة لطيفة جداً، كانت تشبه النسمة العذبة حين تمرّ فوق الأزهار، صوتها لا يعلو حين أحدثها ولم تنفعل سوى حين تكتب القصيدة التي تذهب معها في غابات الألم والحب والغربة والتاريخ، آمال الزهاوي شاعرة ذات خبرة كبيرة وعاشقة للشعر بكل جوارحها. كانت آمال الزهاوي تعيش في عمّان حالة الفقر والخوف من المجهول، مرات أجدها جالسة لوحدها وأتمعن في وجهها الحزين الذي يقول اشياء كثيرة بصمته المطلق، كانت علامات البؤس والمصير المجهول واضحة جراء التعب من آهات الزمن المرّ وسنوات الحروب والحصار حتى داهمها المرض لترحل بصمت مطلق في احد مستشفيات بغداد عام 2015! و آخر لقاء لي معها كان بمهرجان جرش عام 1997 وأهدتني نسخة من كتابها الذي كان قد طبع للتو والذي بعنوان جدارا وكما قلت انه عبارة عن قصيدة طويلة تتحدث عن حضارة وتاريخ الرومان لكنها لا تخلو من آلام الشاعرة ومآسيها في الغربة وحنينها الى عائلتها وقلبها المفعم بالحب والشوق للوطن العراق والذي يظهر واضحا في كتاب جدارا الذي تقول فيه الشاعرة الكبيرة آمال الزهاوي في مطلع قصيدة جدارا:
نسيجٌ من الشمس خفَّ إليكِ
يسيل النهار عليكِ
وفي قلبكِ السمَّحِ حيث استقر
فصار نُضارا
وفي وجهك المسكن جناحان
من زهرة الحب
تهدي الأعالي منارا..
من أوسلو.. جدارا آمال الزهاوي
- التفاصيل
- هادي الحسيني
- ادب وفن
- 2108