كتبت قصيدة عن شهادة الإمام الحسين عند سبعينيات القرن الماضي وكانت كما أتذكر قد استوعبتها صفحتي فولسكاب وكنت فرحا بها لاسيما وانا احث خطاي الفتية آنذاك باتجاه ناصية الشعر الحقيقي، كان الربيع العراقي ينعش رئة شارع أبي نؤاس حدائقا وكازينوهات وحانات فيما جزرته الوسطية تبث رائحة الاس الممتدة دونما انقطاع فاندفعت باتجاه (سرجون) المشرب الذي يشهد لقاءاتنا الليلية ولحسن الحظ وجدت الشاعرالحبيب الشهيد ذياب كزار(ابو سرحان) قد سبقني في الحضور منهيا دوامه المعتاد في جريدة طريق الشعب ، ازدادت سعادتي وانا أتلمس القصيدة في جيب بنطالي ورحت أقرأها له حتى طلب مني التوقف بعد الجملة الشعرية التي أقول فيها :
(يبو احصان الغرك بالماي والخضره/ اكعدلي وأخذ ثار الحسين اليشبه الكمره) ليوضح لي بأن القصيدة كانت معتمة وكئيبة لولا هذا البيت ، فالابيات التي سبقته لاتليق بالشهيد حين نكتب عنه شعرا.
ذكرتني هذه الحادثة الشعرية أن صحت التسمية بما نسمع ونشاهد عبر العديد من الفضائيات تلك المراثي الصرائخية المحشوة برخيص المفردات المجانية المنقوعة بالدم والثأر والحقد وكل موروثات البداوة الأولى في غزوات الجاهلية وبكل مايسيء للشخصية التي كتبت عنه المراثي سواء كان رمزا دينيا أو اجتماعيا أو حتى شعريا وهذا كله من شأنه أن يزيح المضامين الجمالية التي تخدش حتى ملامح تلك الشخصية وحتى للمناسبة وطقوسها.
ولنا في التجارب الشعرية المهمة أمثلة كثر ولعلنا نجد في انموذجنا الريادي الكبير مظفر النواب كل ماهو مضيء وجميل ودقيق حين كتب رثائيته عن الشهيد الشيوعي الفلاح الجنوبي (صاحب الملا خصاف/ اصويحب) حيث يجيء على لسان الزوجة _ الحبيبة هذا الجمال:
(هاي انه اللحضنك لاتلم روحك/ اضمك بالكصايب عين لتلوحك/ يصويحب افيي الفيه لجروحك).
وهنا كاظم الركابي حين يرثي الشهيد عبد الخالق محجوب الذي أإعدمه النظام السوداني لم يشعرنا بالعويل على خسارته الفادحة بقدر ما يدفع بنا المكابرة مخاطبا الشهيد:
(حنينه ابدمك يحبيب اهواي اجفوف/ خافن يسألنه المتشمت عن فكرتنه انكله: شوف).
النماذج الشعرية كثيرة وكبيرة اذا ما أردنا استعراضها ويا ليت ينجز ذلك الأصدقاء المهتمون بشأن هذه الصفحة.
انها دعوة للاحتفاء بالشهادة وحتى بالرحيل مهما كان حجم الفاجعة محبة بمن رحلوا وهم عشاق للمبادئ الجميلة ولكل قيم وجواهر الحياة التي تستحق.