أطلق اتحاد الناشرين العرب حملة واسعة ضد قرصنة الكتاب مؤخراً، لتثقيف جمهور القرّاء والمتابعين والناشرين، بأن نَسخ الكتاب وتزويره أو طباعته من دون مراعاة حقوق المؤلف والناشر الأصلي وبيع النسخ المقرصنة في المكتبات، هو بمثابة سرقة علنية يعاقب عليها القانون، شأنها بذلك شأن الجرائم الأخرى، وفي الوقت الذي نحيي فيه القائمين على تلك الحملة وندعمهم بقوّة، لا بدّ أن ننوه إلى أن المستهدف بالدرجة الأولى منها هم الناشرون انفسهم بشكل مباشر ومن ثم جمهور القرّاء بالدرجة الثانية، لأن من يقوم بعمليات القرصنة والتزوير هم بعض دور النشر المارقة أو الطارئة على مهنة صناعة الكتاب، لاسيّما تلك التي تعمل في بلدان تغيب فيها القوانين الخاصّة بحماية الملكية الفكرية، أو تشهد تسامحًا وغض نظر عن تطبيقها، لعدم وعي الجهات المسؤولة فيها بأهمية الكتاب والحقوق الفكرية للمؤلفين، كونها تقبع في أسفل سلّم اهتماماتهم الحقوقية، أقصد إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار عدم اهتمامها بضمان الحقوق المدنية لمواطنيها بشكل عام. وللأسف فأن مثل تلك الظاهرة منتشرة في أكبر بلدين عربيين على خارطة القراءة، ألا وهما مصر والعراق، وفي الوقت الذي تبذل فيه الجهات المسؤولة في مصر جهوداً طيّبة من اجل محاربة قرصنة الكتب وتزويرها (شهد معرض القاهرة الأخير مداهمة بعض دور النشر والمكتبات ومصادرة كميات كبيرة من الكتب المقرصنة من مخازنها، بحثّ وتشجيع من اتحاد الناشرين العرب واتحاد الناشرين المصريين)، إلّا أن السبب الرئيس الذي يدفع تلك الدور لممارسة مثل هذه الأفعال المشينة، ظل من دون معالجة أو حلّ ناجع في الحقيقة، فنظراً لهبوط القدرة الشرائية للمواطن المصري، بسبب انخفاض قيمة الجنيه، مازال القارئ هناك، وهو من أهم القرّاء، يعاني من ارتفاع أسعار الكتب، لاسيّما تلك المطبوعة في بيروت والخليج، ولعل الأمر نفسه ينطبق بدرجات متفاوتة على القرّاء في سوريا والمغرب والسودان للسبب نفسه، لكن كثافة وحجم القرّاء في مصر أكبر بكثير كما هو معروف.
وحسب القاعدة المعروفة للناشرين جيداً، فأن الكتاب كلّما قلّ ثمنه انتفت الجدوى من تزويره او قرصنته، لكن ما زال الكثير من الناشرين الجادين يجادل بشأن ارتفاع تكاليف الطباعة والتصويب اللغوي والتحرير والتصميم، ناهيك عن دفع حقوق المؤلف حسب نسبة معينة من سعر الغلاف والخصومات الكبيرة التي يقدّمونها في معارض الكتاب، التي أصبحت منفذهم الوحيد للبيع والتوزيع، بعد انهيار شبكة التوزيع العربية بسبب قوانين الرقابة المتفاوتة والمتناقضة لكل دولة من الدول العربية، وهم محقون إلى حدٍ ما بادعائهم هذا، لأن الناشر الحقيقي والمحترف لا بدّ أن ينتهج طرق النشر والتوزيع الصحيحة ويحرص على إظهار كتابة بالشكل المناسب الخالي من الأغلاط اللغوية وبالشكل الأنيق وأن يضمن حقوق المؤلف بالحد الأدنى، إذا كان يحترم عقل وعين القارئ والكاتب بطبيعة الحال، لكن لا بدّ من إيجاد طريقة ما لنشر طبعات رخيصة تستهدف القارئ في بعض الدول ذات القدرة الشرائية المنخفضة مثل مصر وسوريا والمغرب والسودان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا بدّ من تثقيف القرّاء بحقوق المؤلف والناشر ومحاربة الجهات التي تقرصن وتنشر نسخاً رقمية من الكتب على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ولا ضير من التعاون مع إدارات شبكات التواصل الاجتماعي ومكاتبها الإقليمية في المنطقة العربية، كما هو حاصل في أوروبا وامريكا، إذ تقوم إدارات تلك المواقع بحظر المشتركين الذين يروجون أو ينشرون نسخًا رقمية من الكتب.

عرض مقالات: