لندن – "طريق الشعب " : خاص

في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي أيار ٢٠١٩ كان جمهور المقهى الثقافي العراقي في لندن على موعد مع أمسية ذات عنوان مثير وهو "انبياء سومريون" وعنوان فرعي هو "كيف تحولّ عشرة ملوك سومريين الى أنبياء توراتيين ؟ وهو نفسه عنوان الكتاب الذي أصدره العام الماضي الدكتور خزعل الماجدي والذي كان ضيفا على الأمسية قادما من هولندا .. في البدء رحب به مدير الأمسية الناقد عدنان حسين أحمد وإستهل الأمسية بأستذكار شخصيتين ثقافيتين عراقيتين رحلا في الايام القليلة الماضية في لندن حيث قال :" ودع الوسط الثقافي العراقي في الداخل والخارج شخصيتين ثقافيتين مهمتين الأول الأستاذ عبد الرزاق الصافي الشخصية السياسية والثقافية المعروفة ومن بين منجزاته المهمة "القاموس السياسي " وكتاب بعنوان "من ذاكرة الزمن " إضافة الى "شهادة من زمن عاصف" وهي سيرة ذاتية . اما الشخصية الثانية التي فقدناها الشاعرالكبير فوزي كريم الذي رفد المكتبة العربية خلال أربعة عقود بأكثر من أربعين كتابا في الشعر والنقد الأدبي والنقد الموسيقي والنقد التشكيلي" .

وعن محاضرة اليوم قال انها مثيرة وصاحبها الدكتور الماجدي معروف لدى الحضور لكنه توقف عند بعض محطات مسيرته فقال انه أستاذ أكاديمي حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة بغداد في التاريخ والأديان والأساطير القديمة وهو أحد الشعراء السبعينيين بل من أبرزهم ولعله أكثرهم إنجازا وأضاف الأستاذ حسين قائلا:" وأظن انه أكثر المبدعين العراقيين إنجازا فقد أصدر لحد هذه اللحظة ستة وثمانين كتابا خمس وأربعين كتابا من هذه الكتب تتعلق بالتاريخ والفكر والأديان والأساطير وأنجز خمس وثلاثين مجموعة شعرية صدرت في سبعة مجلدات والمهتمون بالشعر يتذكرون بالتأكيد مجموعات "يقظة دلمون" و"أناشيد إسرافيل" و"عكازة رامبو" وكثير غيرها ومثلما أسس في الشعر أسس في المسرح أيضا فكتب خمس وثلاثين مسرحية صدرت في عدد من المجلدات من بين مسرحياته :"هاملت بدون هاملت"و"سيدرا"، كما أنجز عدد من الكتب النقدية فيما يتعلق بالمسرح والشعر .. نفتخر نحن  به قبل ان يفتخر هو شخصيا بهذا الإنجاز "

وقال الناقد عدنان حسين ان موضوع أمسية اليوم يعدا متفردا قد اشتغل عليه الماجدي بطريقة علمية – بحثية تحرت عن أولئك الملوك السومريين العشرة الذين صاروا عشرة أنبياء توراتيين ..

أعرب الضيف عن سعادته للمساهمة في أمسيات المقهى الثقافي للمرة الثانية وذكرإنه كان قد قدم محاضرة فيه قبل مايقارب خمس سنوات كانت بعنوان :" الأدب السومري – أجناسية جديدة " ونوه الى أختلاف محاضرة اليوم لكنها أيضا تدور في الفضاء السومري وأشارالى ان الكتاب الذي يحمل نفس عنوان أمسية اليوم أثار عند صدوره جدلا واسعا في الأوساط الثقافية العربية وتحديدا في الأوساط الفكرية وقال ان هناك من أستقبله بشغف واهتمام معتبرا أنه كشف عن حقيقة كانت مخبأة ، لكنه أكد أن هناك البعض الذي إعترض على الكتاب خصوصا أصحاب النزعة الدينية الى حد ما وقال :" ان الأمر متروك للزمن لنرى ماذا ستأتي به التحليلات العلمية في هذا المجال ".

ذكر الماجدي انه مهتم بتاريخ وادي الرافدين منذ أربعين سنة وقال ان محاضرة اليوم تنطوي على أربعة تقسيمات مرحلية الأولى ستكون مقارنة محايدة بين فترة السومريين قبل الطوفان وبين العبرانيين لنفس الحقبة وفي القسم الثاني سيبدأ يقارن فيه بين الملوك العشرة وبين الأنبياء العشرة او الآباء..وقال انه سيركز على ثلاثة من بين هؤلاء هم آدم وإدريس ونوح بسبب معرفة هؤلاء من الجميع بعكس الآخرين المجهولين او قلة المعرفة بهم . ثم أشار الى انه في القسم الثالث من المحاضرة سيقارن بين تناول الطوفان لدى السومريين وبين الطوفانات عند الأقوام الآخرى.. وسيختتم المحاضرة بإستنتاجاته .

ولنعطي فكرة سريعة عن كيفية تحول أولئك الملوك الى انبياء او آباء نذكر من بين ما أوردته المحاضرة الغنية بالمعلومات ووجهات النظر المستندة الى تحليلات وبراهين ومحاججات ، نأتي على مثال المحاضرة عما شهدته مدينة (شروباك) وتناول المحاضر للمتغيرات فيها وذكره ان فيها تحول ملكها الى حكيم، فمثلا ملكها (أوبار – توتو) ويعني اسمه (فائق الحكمة) حيث سادت العبادة في عهده للإله (نبو ابن انكي ثم اصبح ابن  إنليل ) وعندذاك ظهرت ملامح صعود إنليل (إله الهواء) بدلا من هيمنة (إنكي) إله الماء الذي بدا وكأنه لا يستطيع منح الإنسان الخلود إلا بسيادة إنليل وإعلاء سلطة الذكورية الهوائية كتكريس أعمق للإنقلاب الذكوري في عصر الكالكوليت .

وجاء حديث الدكتور الماجدي على ذكر اوبار – توتو على انه الملك – الحكيم الثامن من بين العشرة ملوك اما التاسع  فكان (شوكور لام) والذي كان يطلق عليه اسم (شروباك) أيضا وهو نفس اسم المدينة التي كانوا يعتبروها أرض الشفاء، وقد عرف عن هذا الملك – الحكيم وصاياه العظيمة التي أسداها الى ابنه (زيو سودار )، تلك النصائح التي وصفها المحاضر هي عينها التي صارت مصدر وصايا موسى العبري فيما بعد على أيدي كتبة التوراة.. وهذا الابن(زيوس ودار) هو الملك – الحكيم العاشر الذي " حقق معجزة خلود الانسان على الأرض وختم البحث عنها بنجاح حين أصبحت في ظل اتباع الآلهة وخصوصا (انليل)، وكانت مدينة (شروباك ) تحكمها زوجة الإله إنليل ( ننليل سود) وبذلك تكون رحلة البحث عن الخلود إنتهت".

وخلص الدكتور الماجدي في ختام محاضرته بتلاوته مما ثبته في كتابه خلاصة استنتاجاته الأخيرة داعيا الحضور الى مطالعتها حيث فيها تفصيلات كثيرة ومن أبرزها ذكر ان:" المتفحص جيدا في مجمل قصة آباء ما قبل الطوفان بصياغتها العبرية يدرك بوضوح ان اسطورة البحث عن الخلود التي مثلتها مدونة الملوك السومرية قد تحولت من اسطورة بحث عن الخلود الى اسطورة للصراع بين الخير والشر والملائكة والشياطين والانسان والخطيئة ، ودخلت طريقا لاهوتيا مقفلا بدلا من إذكاء طموحات النجاح والبحث عن الخلود ".

تجاوز وقت المحاضرة مدى ساعتين مما قلل فسحة الحوار وهو أمسى سمة بارزة لأماسي المقهى الثقافي .. لكن وجد بعض الحضور فرصة للحوار مع المحاضر قبل انهاء الأمسية بقليل وحتى بعدها.. ولا بد لنا ان نشير هنا الى ان هذه الأمسية شهدت حضورا حاشدا من جمهور الجاليتين العراقية خصوصا والعربية عموما .. وكانت حقا إضافة لأمسيات المقهى الثقافي العراقي في لندن المستمر في الحفاظ على طرح فكري ومعرفي رصين يتمنى له الجميع المواصلة والإستمرار على نفس النهج لا سيما ان المقهى استطاع في الآونة الأخيرة أن ينقل أمسياته في بث حي عبر خدمة الفيسبوك " يقوم به الزميل سمير طبلة" ويتابعه جمهور يتجاوز عدة آلاف في مدن الوطن او في بقاع أخرى من العالم .

عرض مقالات: