مع آخر طبعة اصدرتها دار نشر بنجوين الإنكليزية الشهيرة لرواية ألدوس هكسلي "عالم جديد شجاع" قبل عامين من الآن ، عهدت الدار إلى الكاتبة الكندية المعروفة مارغريت آتوود بكتابة مقدمة لها، كي تكون شهادة على كاتب استشرافي كان ينظر للعالم نظرة متفحصة غير التي ننظرها. آتوود كانت من أشد المعجبات به حيث كتبت تقول :
"روايتان كان تأثيرهما قوياً على مستقبلنا ، أحداهما رواية جورج أورويل " 1984"، التي حملت رؤية رهيبة لدولة شمولية وحشية مسيطرة على العقل بواسطة حكم الأخ الأكبر الذي يستبد استبداداً كبيراً ، زارعاً الخوف والرعب في نفوس الشعب من خلال شاشات المراقبة التي يزرعها في كل مكان في محاولة لتثبيط الهمم ومحو كل ما له صلة بالإنسانية .
أما الرواية الثانية فقد كانت " عالم جديد شجاع " التي كتبها الدوس هكسلي واقترح من خلال أحداثها شكلاً مختلفاً وأكثر ليونة من الشمولية والتي تحققت من خلال الأطفال المولودين في أنابيب زجاجية. فأي رواية منهما ستفوز ، تساءلنا خلال الحرب الباردة. في البداية كانت رواية أورويل هي الأوفر حظاً بالفوز ، ولكن عندما سقط جدار برلين في عام 1989 أعلن النقاد أن رواية هكسلي هي الفائزة لأنها تستشرف المستقبل وتضع العالم أمامك بعد عدة عقود من نهاية تلك الحرب ، فقد تغيرت تلك الصورة أيضاً مع الهجوم على البرجين التوأمين في نيويورك في عام 2001 ، إذ لم يكن بالإمكان التخلص من تلك الصورة البشعة التي خلفتها الجريمة ، على الرغم من أنها لم تعد مقصورة على الأراضي التي كانت وراء الستار الحديدي السابق ، الغرب لديه نسخته الخاصة الآن وهل سيكون من الممكن وجود كل من هذه العقود المستقبلية - الصعبة والناعمة - في نفس الوقت ، في نفس المكان؟ وكيف سيكون ذلك ؟
من المؤكد أن الوقت قد حان للنظر مرة أخرى في هذه الرواية ودراسة حججها المؤيدة والمعارضة للمجتمع والذي تصفه " بالجميع سعداء الآن " ، فما نوع السعادة المعروضة ، وما هو الثمن الذي قد ندفعه لتحقيق ذلك ؟
قرأت أولاً " عالم جديد شجاع " في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي ، عندما كان عمري 14عاماً فلقد تركت لدي انطباعاً عميقاً على الرغم من أنني لم أفهم تماماً بعض ما كنت أقرأه ، إنها إشادة بمهارات الكتابة لدى هكسلي ، حيث تناول من خلالها قائمة طويلة من الأسلاف الأدبية ، جمهورية أفلاطون وكتاب الإنجيل في سفر الرؤيا وخرافة قارة أطلنطس ، حصان طروادة ، وفي الوقت الذي كان يكتب فيه روايته " عالم جديد شجاع " ، كان لا يزال في حالة صدمة من زيارته للولايات المتحدة ، حيث كان خائفاً بشكل خاص من الاستهلاك الجماعي وعقلية مجتمعاتها وفظائعه. الرواية لا يزال يطالعها العديد من المسافرين على متن البواخر والطائرات وفي القطارات ، في الحدائق وعلى أسرة النوم ، بالتالي هم لا يزالون قادرين على استيعاب دروسها بعد 75 سنة من صدورها ، لقد كانت عبقرية هكسلي تتلخص برؤيته البعيدة للعالم كيف سيتشكل بعد كل تلك الكوارث التي ستلحق به الدمار لا محالة ، هذه القدرات الخيالية تحقق الكثير منها وما زال الكثير ينتظر" .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن / صحيفة الغارديان البريطانية