اعني بالمزرعة هنا، الثقافة وما تحتويه، فجذر الثقافة في كل الثقافات العالمية هو الفلاحة، وأعني تخصيصا أن الثقافة بالقرب من ميلاد الحزب الشيوعي ستكون أوسع من مزرعة، ونحن ابناؤها فلاحون نجباء بالاشتغال في أرضها وافكارها ومستقبلها وتنوع محاصيلها، ورعاية شتلاتها الشابة الجديدة.

خواطر تنثال، ونحن نودع العيد الخامس والثمانون لحزبنا العتيد، قد لا تكون كافية للقول في هذه المناسبة، ولكني اشعر، وأنا من أبناء الحرس القديم، أن الحزب يسقي مزرعة الثقافة بصواب رؤيته للإبداع، ليس بما ملك من مثقفين منتمين واصدقاء، بل بما يملك من رؤى فكرية وإنسانية وعملية للثقافة العراقية. وقد شهد وسطنا الثقافي وعلّم شهادته بالمواثيق والمدونات، أن الثقافة العراقية لم تزدهر لولا وجود الرؤية اليسارية لها، هذه الرؤية التي تعيد إنتاج ما دون من حضارة وتراث بعين نقدية متفحصة، متأملة، ومسؤولة، لأن الثقافة العراقية شريحة من الثقافة الإنسانية والعالمية، وأن فيها شروط إنبات لحقول من النباتات المثمرة تتعاضد على رعايتها أيد عراقية مخلصة، فمنذ ان بدأ التفكير بأن الثقافة رديف للتطور والتقدم والحرية والعدالة الاجتماعية، وحتى لمسنا هذا التصاهر بين السياسي والثقافي عبر خمس وثمانين سنة من عمر ما يطلق عليه شيخ الأحزاب الوطنية وشبابها. وجدنا اقترانا بين رؤية الحزب للثقافة وما أنتجه المثقفون العراقيون في مضمار حقول المعرفة. إننا في الطريق إلى مزرعة العراق الوطنية، يقودنا تصورنا عن الثقافة كمنتج وطني مثمر، ومن يستقرئ تاريخ الإنتاج الثقافي العراقي، لا يجد فيه أية نبتة غريبة، حتى تلك التي تختلف توجهاتها عن توجهاتنا، فالإخصاب الثقافي العراقي ينتج أنواعًا من الثمار، نحن نعرف جيدًا أنها كلها ثمار عراقية، ولكن بعضها ينبت في الوديان وقيعان الماء، وبعضها ينبت في الرمال وفي الجبال، والآخر ينبت في أعماق أرضنا أو في سماء وطننا، وكل ما تجود به الثقافة العراقية يصب في تيار إخصاب الأرض، والبناء الذي ننشده فيها، والرؤية التي سعى الجميع لتثبيت أوتادها.

عندما نتعايش مع الثقافة العراقية ممارسة وفهمًا، نرى منحنيات خيمتها وأعمدتها، بوضوح، نقول أن مستقبل العراق قادم، بالرغم من العصي التي توضع في عجلتها، فتنوع أعمدة الخيمة العراقية وتعرجات منحنيات سقوفها، دليل تطور، فالثقافة في عرف من يضع الوطن في مقدمة تصوره للغد، رديف من أكثر المواضع اكتنازا برؤى المستقبل، ولذلك اشتغل الحزب بما تشتغل به الثقافة، واشتغلت الثقافة بما يراه الحزب قمينا بالتطور، فظهرت فصائل من المثقفين يقودون عملية التجديد والتحديث، إلى جوار فصيل من السياسيين والمفكرين يقودون البلد إلى الرؤى العالمية لتثبيت الهوية الوطنية، وعبثا يتصورنا البعض أننا عاجزون عن رؤية ما سوف يأتي، بل أننا نتلمس ذلك في حماس الشبيبة، وفي تنوع الكتب الفلسفية، وفي صواب الرؤية الماركسية لتطور المجتمعات، وبحداقة المممارسة التي تجتمع فيها فصائل مختلفة الرؤى، في القراء الذين يملأون بيوتنا بالسؤال، وفي الحمية النشطة للطاقات الجديدة من الناس، في الأصوات العالية التي تهتف لوطن سيكون بالرغم من كل المحن سعيدًا وحرًا وبهوية لا تقبل المحو أو التزييف...

عرض مقالات: