الجميل في الأدب هو أن تمتزج الثقافات لتولد لنا خليطاً من الإبداع، هذا ما نجده في بعض النصوص التي تحمل فكرة واحدة ولكن بصياغة تجعلك تقرأها وكأنها فكرة بكر، أما في حديثنا هنا فلا وجود للأفكار المستهلكة كون الجنس الذي يكتب هو من شروطه الإبتكار، الكاتب الأردني محمود عبد الرحيم يعرف الهايكو قائلا: أنه مشهد عادي تصفه بطريقة غير عادية.. شيء يراه الآخرون بصورته الخارجية فقط، وأنت تراه بطريقة تختلف عن الآخرين.. ترى أشياء أخرى لم يرها أحدٌ غيرك.. الهايكو أن تصف مشهدا يراه الجميع كل يوم بطريقة لم يفكر فيها أحد قبلك.
بالأمس حصلت على ديوان الشاعرة البصرية بلقيس خالد بعنوان (دقيقتان ودقيقة واحدة) وبعنوان فرعي ملفت ألا وهو ( هايكو عراقي ) هذا الديوان مقسم إلى (٢٣) باباً ومن (١٢٠) صفحة صادر عن دار المكتبة الأهلية/ البصرة ٢٠١٩ .
عند قراءة هذا الديوان ستعرف لماذا سمي بالهايكو العراقي، كون أديبتنا عمدت على إضافة بعض المفردات الممزوجة بملوحة البصرة وسمار حكاياتها..
ففي الباب الأول نجدها تقول في الصفحة 11 من الكتاب:
لم يحتفظ الكنتور بشي..
الكثير من الحكايات تسربت
عبر شقوق الثياب.
مفردة (الكنتور) هي دولاب الملابس الخشبي، هذا الدولاب لم تعد له قيمة بسبب الفقر الواضح الذي تكشفه تلك الشقوق.
وفي الصفحة (16) نجدها تصور لنا بكل حرفية العادات السيئة التي يتخذها الأهل في حقوق بناتهم حيث القرار محتكر لدى الأب في زواج ابنته حتى لو كانت قاصرة حيث تقول:
قالت: لا..
وفي كف أبيها تركت
أثر وجهها.
وفي الصفحة (20)
وجدت صورة رغم بساطتها ألا أني لم أرَ كاتب سلّط الضوء على هذه الحالة المؤلمة وهي: القرص التعريفي لدى الجنود الذي يضعونه كقلادة على رقابهم، كم من شهيدِ التهمت جثته نيران الحروب ولم يتعرف عليه ألا من خلال هذا القرص المدور المنقوش عليه أسمه حيث تقول في النص:
بعنقه..
يحمل شاهدة قبره
الجندي.
أغلب نصوص الديوان تثبت هوية هذا الجنس الأدبي بأنه عراقي بحت كما فعل أغلب الشعراء الأمريكان حينما نسبوا الهايكو لأرضهم أيضا بالهايكو الأمريكي، فالشاعر والروائي "ريتشارد رايت" وهو أمريكي الجنسية كان ما يميز نصوصه أنه يتنقل في نص الهايكو بموضوعين ففي إحدى نصوصه يقول:
موج ذو قمم بيضاء في الخليج:
لافتة مكسورة تتخبط
في رياح أبريل.
اطلعت كثيرا على نصوص الهايكو من خلال ما ينشره بعض الاصدقاء ويمكنني القول على أنه فن شعري مكثف، يحمل بعض صفات الومضة القصصية من حيث المفارقة والدهشة والتكثيف والمشهدية البصرية. سأتوقف هنا وأترك لكم أحبتي اقتناء هذا الديوان الشيق لتتمتعوا في صوره الشعرية الرائعة مع كل أمنياتي للرائعة بلقيس خالد بالتوفيق الأبدي.
"دقيقتان ودقيقة واحدة" هايكو عراقي للأديبة بلقيس خالد
- التفاصيل
- خلدون السراي
- ادب وفن
- 1812