حدَّثني الشاعر ألفريد سمعان عن ذكرياته في اتحاد الأدباء قائلاً: كنّا نستحي من الجلوس أمام الجواهري، لذلك نظل واقفين إلى أن يمرَّ مهابةً وإجلالاً.
يا لك من شاعر وإنسان كبير أيها السمعان، فقد صنعتَ نموذجاً للاحترام يليق بالأدباء، ومن وحي مقوله انطلق لأردَّ على بعض من حاولوا تعكير صفو منبع رقراق اسمه (محمد مهدي الجواهري).
إذ روّج موتورون لصورته مع الطاغية صدام، وكأنها مسلّمة تتهمُ الشاعر بالصدّامية، ولأن كثيراً من الأصوات أيّدت محاولة التسقيط الدنيئة تلك، أجد من الواجب أن يعلموا أن هذه الصورة التقطت أواخر سبعينات القرن العشرين، أيام الجبهة الوطنية، وفيها الطاغية صدام مازال نائباً، وقد أصرَّ على أن يدعو الجواهري لمزرعته في الرضوانية، لينال تبريكات التاريخ وهو يمشي مع قامة باسقة تمثّل الزمن، اسمها الجواهري. فيا من ركبتم موجة التسقيط مكشوفة الأهداف، اعلموا أن الجواهري كان هو السلطان الذي أدان الشنآن، وأتحداكم لو وجدتم أية صلة للجواهري بصدام بعد مجزرة قاعة الخلد وضرب الجبهة الوطنية والحروب العبثية، غير السخط والمقارعة اللذين انتهجهما شاعر العرب الأكبر إزاء الديكتاتور.
وأذكركم بصور لمراجع وسياسيين وشعراء وفنانين مع صدام وفي ذروة طغيانه. في حين غادر الجواهري عراقه بعد عام ١٩٧٩ إلى رحيله في دمشق.
أما اتخاذ جريدة مثل (الجمهورية) وثيقةً لعلاقة الجواهري بالنظام السابق، وادّعاء وفبركة وصف حميد له بحق صدام، فهذا أمرٌ مثير للضحك؛ فجريدة الجمهورية جريدة بعثية صدامية تورد الأخبار الكاذبة، وهذا ديدنها وديدن رئيس تحريرها، الذي مازال يسوق أخباراً مسمومةً في قناته حالياً، ومن السذاجة اعتماد أدلّة الخصم أوراق إدانة للضحايا.
يا لهم من صغار.. يستثمرون اسم المرحوم فرات الجواهري محرراً للخبر، مستغلّين ضعف بقائه في العراق، وتهديدهم له متى ما شاؤوا..!
وعن محاولات النظام الصدامي لاجتذاب الجواهري، أقول: إن المؤسسة الصدامية أرسلت بيدقها رعد بندر، يوم كان رئيساً نصّبته السلطة آنذاك، أرسلته إلى الجواهري في التسعينات ليغريه بزيارة العراق، وحين رفض الجواهري ساخطاً، عاد بندر ليدبّج بهتاناً تغطيةً للزيارة وحده شاهِدُها، ويدّعي أنه مدح صدام في حضرة الجواهري، واضعاً صورته جنب بيتين بائسين مدّاحين، وهذا ما يفنّده شهود اللقاء يومها، واسألوا السيد صباح المندلاوي وغيره عن كل شيء، ولو كان اتحاد الأدباء الصدّامي آنذاك، والمؤسسة الثقافية البعثية القذرة صادقة بذلك، لنعوا الجواهري حين توفي، ولأقاموا له مجلس عزاء في اتحاده الذي أسّسه، ولأبّنوه ولو باستذكار بسيط..! 
لقد صمتوا، بل أصرّوا على أن يغلقوا – بصفاقة - مجلس عزاء الجواهري الذي أقامه العالم الجليل د. عبد الفتاح إبراهيم رائد الفكر الاجتماعي في جامع براثا يومها..!
أصدقائي..
تدرك السلطة الغاشمة آنذاك أهمية الجواهري، فهو كما وصفه عبد الرحمن منيف، كاهنٌ تمرُّ من تحت يده الزعامات ليمنحها بركاته، والحمد للشعر أن هذا الكاهن لم يسمح لطاغية كصدام إلا بأن يمرَّ ذليلاً وسط وهجه المضيء.
أيها الناس.. 
يا من تعرفون العراق كمعرفتكم أبناءكم وأزواجكم..
- هل ثمة وجه مقارنة بين الجواهري وغيره ممن قطفوا كلَّ شيء، وعادوا اليوم ليقطفوا المتبقي، بحجة الإقصاء تارةً، وسوء الوضع الحالي تارةً أخرى؟
- هل من الممكن أن نقارن بين قامة إبداعية ووطنية يمثلها الجواهري، وبين طبّالين وكتّاب تقارير وأغانٍ لا تمجّد الطاغية فحسب، إنما تبجّل الحرب الآثمة التي أُجبر آباؤنا وأبناؤنا على أن يكونوا حطباً لها؟
يالسخرية الأقدار..
الجواهري.. 
المحرّقة، والوتري، وترنيمة الجياع، ودجلة الخير، وأرح ركابك، وأزح عن صدرك الزبدا، وحسب الثمانين، وفداء لمثواك.....
الجواهري..
القصيدة المنحوتة على الأضرحة، والشعر المكتوب باللؤلؤ على جبين الكون..
الجواهري..
الصادح، الصائح، النائح، الناصح، الكاسح، الطامح، المبجّل العتيد.
الجواهري..
ضمير الأمة، وفتاها وبوصلتها..
الجواهري..
يُقارن بإمّعاتٍ، حسبُ شعر إبي فرات انه قال فيهم:
كم هزَّ دوحكَ من قزمٍ يطاولهُ
فلم ينلْهُ، ولم تقصرْ، ولم يطلِ
كما قال:
بماذا يخوّفني الأرذلون
ومِمَ تخافُ صلالُ الفلا
والكثير الكثير غير ذلك من ماس الكلام.
فيا من ظننتم أنكم الأعلون في ظلِّ وجود الجواهري (الموقف والإبداع)، ويا من تجرّأتم أن تقفوا بقاماتكم المنحنية في حضرته، ويا من لم يتعلّموا من أخلاق ألفريد سمعان (المنجز والموقف البرّاق)، ويا من مازالوا يحملون مخالبهم الزيتونية تحت رداء البكائيات.
لا تحلموا بأن تتسيّدوا الزمنين -بُعدَكم- فالمشهد الأدبي الحالي، لن يفرش لكم السجاجيد الحمر، ولن يستقبلكم بالصلوات.
لقد حسم العراق أمره لطريق الإباء الذي انتهجه الجواهري وجواهريوه، أما الحائدون عن جادة الصواب، نحو إعادة إنتاج طغاة مرحلة سابقة، فأذكّرهم بقصيدة الشاعر الراحل محمد علي الخفاجي: 
"ترى ما الذي في شتاء غدٍ سوف تحكي النساء؟
وبماذا يوارون سوءاتهم؟
والتوتُ منجردٌ في الشتاء".

عمر السراي
الناطق الإعلامي
لاتحاد أدباء العراق
٢٠ آذار ٢٠١٩