ضحكته وبساطته وطيبته كلها مجتمعة في ملامح وجهه وفي عدسة كاميرته التي أرشفت للعراق وحياة ناسه في البؤس والشقاء والفقر والظلم والحرب وقليلا من الفرح.
كاميرته وعينياه تجسدان المكان وتضيفان الكثير من اللمسات فيقرب الزمن ويبعده ويسقط مؤثراته الفنية على كل لقطة، لقد وثق لحارات ودرابين ووجوه الفقراء والباعة المتجولين داخل مدينته بغداد التي ولد فيها وعشقها وأخلص اليها ولم ينسَ أن يؤرشف للطفولة والمرأة الثكلى التي أنهكتها المصائب والفقدان ومحن الحصار والموت المجاني، إنه المصور الفوتوغرافي الكبير فؤاد شاكر الذي رحل عام 2014 اثناء تجواله بالقرب من ساحة التحرير في الباب الشرقي على أثر نوبة قلبية مفاجئة.
بدأ رحلته الطويلة مع الكاميرا وهو في سن الثالثة عشر وظل يترقب آلام ومسرات المدينة ليوثقها عبر لوحاته الفوتوغرافية المدهشة.
تعرض الراحل فؤاد شاكر الى حرق أفلام كامرته واعتقاله مرات جراء التقاطه مشاهدات حية معبرة وبدقة تفضح سياسات النظام آنذاك وتحمل آلام الحصار والحروب وويلاتها لكنه تمكن من الوصول الى العاصمة الأردنية عمّان وسجلت كاميرته العديد من المشاهدات والالتقاطات الرائعة وأذكر أول يوم دخوله الى غاليري الفينيق ذهبت كاميرته لتلتقط الصور لوجه الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي ثم للكثير من الأدباء والفنانين الذين كانوا يقيمون داخل عمّان فترة التسعينيات.
فؤاد شاكر قيمة فنية كبرى يحاول عبر كاميرته ان يحول الحلم الى واقع ففي كل لوحة من لوحاته ثمة أشياء تحلم، وكل الأحلام ما هي إلا نتوءات واخزة في مخيلة شعبية يسعى المبدع فؤاد الى الركض وراءها ومتابعتها لكي يفهمها، وهذه المخيلة الشعبية لا تقول حكايات كما في القصص ولا تعتمد التأويل اللفظي كما في الشعر وإنما تقول من خلال الأمكنة والأزمنة الآفلة، فكاميرا فؤاد وقدرته الفنية العالية تجعل المتلقي ما ان يفتح عينيه على المدى المجسد، المحدد بحيز الكامرة حتى يتأمل، وكل واحد منا له لغته مع المكان حتى إذا لم يعشه أو لم يشاهده، كان للبداية الكامنة فينا وفي الأشياء التي تحاكي بعضها البعض في لحظات تفجر خاص. نحن إذاً داخل لا وعينا ونحن نشاهد لوحة فوتغرافية مرسومة بعين لا بيد ومقاسة بآلة لا بفرشاة! لوحة مادتها المكان وقد احتوى على قضية أو حدث أو لغة يعرفها الفنان المصور حتى يتفجر في دواخلها الحس بالبدائية الأولى وخاصة تلك الأشياء المشتركة بين البشر، العش، البيت، طريقة السكن، طريقة التعامل مع الضوء والظلمة وحتى الأعمى يعرف ما نعرف عندما يتحول لديه البصر الى بصيرة. فؤاد شاكر الفنان المتابع بدقة لحركة الكاميرا وحركة عينيه لا يعنيه التقاط لوحة او صورة بقدر ما يعنيه التقاط حالة مشتركة بيننا جميعا، انه يبحث عن المشترك، عن الكلي، عن ما هو فعال تاريخيا لا مرحليا، لذلك نجده يتجول في الأزقة القديمة تلك التي حملت الصراخ والأفراح معا.
في واحد من الحوارات التي أجريت مع الفنان الراحل فؤاد شاكر قال ردا على سؤال حول صوره والعوالم التي رسمها الراحل غائب طعمة فرمان في رواياته:" أنا وغائب طعمة فرمان عشنا في مدينة اسمها بغداد ذات التاريخ العريق والحافل بالملوك والأمراء، عشنا في أزقتها وخرجنا من بيوتها المظلمة ولم نكن نعرف أننا بمواهبنا. غائب طعمة فرمان صور الكثير من حياة العراقيين في فترة مظلمة وأنا ايضاً عملت على الواقع المرّ لنفس الرؤيا وبنفس الأحاسيس التي كانت تخالج هذا الروائي الكبير، صورنا عالمنا كما يجب أن يصور، عالم مليء بالمتناقضات والأمنيات المؤجلة واستطعنا أن نصور كل هذا برؤية خلاقة مع فارق الزمن، لقد استطعنا أن نرسم الواقع بتفاصيله الحلوة والمرة التي تهز الإحساس والضمير".
من أوسلو.. كاميرا فؤاد شاكر
- التفاصيل
- هادي الحسيني
- ادب وفن
- 1742