أحد شخصياتنا الثقافية البارزة في العراق والذي لم ينل استحقاقه من الإحتفاء والذكر داخل الوسط الثقافي العراقي بالرغم من أنه كتب مقالات نقدية في الكثير من الصحف والمجلات الثقافية الرصينة وعمل في مجلة الأقلام في فترة تألقها الإبداعي، وهو شخصية هادئة طيبة مثقفة ونبيلة بكل المقاييس، حملت على عاتقها الكثير من المصاعب والآلام واللوعة والغربة والتهميش والسجن والموت، أنه الناقد الراحل علي عبد الحسين مخيف الذي عاد الى العراق بعد سقوط النظام، وحين بدأت الطائفية ذهب ضحيتها من دون أي ذنب سوى انتمائه الى العراق وطنه الذي أخلص إليه بكل جوارحه.
في بداية سنوات الحصار الأولى كان "أبو سرمد" يملك محلا في سوق القماش بشارع النهر ببغداد ورثه عن والده، وكان يكتب بعض القراءات والدراسات الأدبية، وذات يوم من صيف عام 1993 جاء الأمن الاقتصادي الى مكتبه واعتقله مع مجموعة من التجار بحجة ارتفاع سعر الدولار الذي أثرت عليه ضغوطات الحصار وفلتت الأمور من النظام وبدون سبب مقنع تم اعدام التجار على الفور ونددت منظمات انسانية في العالم بقرار الاعدام آنذاك الذي ذهب ضحيته عشرات التجار لكن علي مخيف فلت منها بأعجوبة! لكنه أودع السجن لعدة اسابيع ومن ثم تم إطلاق سراحه.
كانت ابتسامته وروحه المعطرة بالنبل والانسانية تفوح من وجهه الوضاح وهو يردد باستمرار وبسخرية عالية أغنية "العزيز انت!" ثم يضحك ونضحك معه بنفس السخرية. خسارة فادحة لحقت بسوق العملة وبورصة الكفاح بسبب شريك ابن الطاغية الذي لقب "بسامكو" والذي سحب كل الأموال من الكثير من التجار الذين أصابهم الإفلاس.
غادرت العراق وبعد سنوات التقيت بأبي سرمد في عمّان عن طريق الصدفة، كان ذلك أواخر فترة التسعينيات، كان في طريقه الى ليبيا ولقائي به على عجل لكني تواصلت معه لسنوات وهو في ليبيا مع عائلته عبر الرسائل والهاتف في بعض الأحيان وقد عمل في التدريس وكذلك فتح مكتبا صغيرا للتجارة وتحويل العملات. وبعد سقوط النظام عام 2003 عاد الى بغداد فرحا ورجع الى وظيفته التي فصل منها في وزارة التعليم العالي وأثناء عودته الى البيت مع زوجته أوقفته واحدة من السيطرات الطائفية بالقرب من منطقة حي الجهاد ببغداد، طلبوا هويته ومن ثم سألوه عن مذهبه فرد عليهم بأنه عراقي فقط فقاموا بقتله على الفور! استشهد علي عبد الحسين مخيف الأديب والناقد والمثقف العراقي الذي سخر قلمه منذ سنوات طويلة لخدمة الثقافة العراقية في سرائها وضرائها، وكان القلم الشريف النزيه الذي لم تتجرأ الأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق ان تشتريه بأي ثمن، فقد ترك وظيفته في وزارة التعليم العالي ليكون بعيدا عن أنظار السلطة وعمل في السوق من أجل ديمومة حياة عائلته.
علي عبد الحسين مخيف ناقد وكاتب مثابر وعقلية متفتحة وله كاريزما وهدوء وكياسة ليس لها وجود إلا عند القلة من البشر. وكان رحيله خسارة كبيرة منيّ بها الوسط الثقافي العراقي الذي تعود منذ ذلك الزمن على الكثير من الكدمات عبر سلسلة طويلة من الاغتيالات التي ذهب ضحيتها عشرات الأدباء والمفكرين العراقيين للأسف الشديد.
يقول الناقد الراحل علي عبد الحسين مخيف في واحدة من دراساته المهمة عن القصة العراقية قبل ثورة 14 تموز مؤكدا على القمع السياسي فيقول:" كان من المؤكد أن يقدم القصاصون العراقيون الثوريون في الخمسينات نصوصا أكثر طليعية لولا أن القمع السياسي دمر هذه الاحتمالات في رحمها فظهرت في أحيان كثيرة مشوهة بنتائج هذا القمع. ان القمع السياسي يعني الخوف على المصير!"
من أوسلو.. اغتيال
- التفاصيل
- هادي الحسيني
- ادب وفن
- 2109