يمثل مفهوم الشخصية عنصراً محورياً في كلِّ سرد، بحيث لا يمكن تصور قصة أو رواية بدون شخصيات، ومع ذلك يواجه البحث في موضوع الشخصية صعوبات معرفية متعددة، إذ تختلف المقاربات والنظريات حول مفهوم الشخصية وتصل إلى حد التقارب والتناقض، ففي النظريات السيكولوجية تتخذ الشخصية جوهراً سيكولوجيا وتصير كائناً انسانياً، وفي المنظور الاجتماعي تتحول الشخصية إلى نمط اجتماعي يعبّر عن واقع طبقي، ويعكس وعياً ايديولوجياً، بخلاف ذلك لا يعامل التحليل البنيوي الشخصية بوصفها جوهراً سيكولوجيا ولا نمطاً اجتماعياً، وانما بوصفها علامةً يتشكّل مدلولها من وحدة الافعال التي تنجزها في سياق السرد و ليس خارجه.

لعلّ السؤال المركزي في هذه القراءة النقدية يتلخص في الآتي: لماذا يلجأ القاص إلى استعمال ضمير المتكلم في معظم قصص المجموعة؟

 في حقيقة الأمر أن هذه الجزئية ترتبط بالتقانات التي وجدت لها في الدراسات النقدية تسميات مختلفة مثل "زاوية الرؤية أو وجهة النظر  أو التبئير"، وربما يتبادر الى الذهن أن الاديب يستعمل ضمير المتكلم في نتاجه الابداعي السردي لارتباط ذلك بالرؤية التي يحملها والأثر الذي يود تحقيقه في وجدان المتلقي، فليس من شكٍ أن الاديب الحق لا يختار من التقانات إلاّ ما كان يتواءم مع رؤيته المبثوثة في ابداعه، أو ربما من دواعي هذا الاستعمال طبيعة رؤية العالم؛ بمعنى أن الرؤية التي يحملها الاديب للعالم بحكم انتمائه الثقافي والموقف الفكري لديه سيكون لهما اكبر الاثر في تعيين انواع التقانات الي سيلجأ اليها، لذا يجب التأكيد على أن السرد بضمير المتكلم يمنح مساحة واسعة لاستعراض الافكار والاحاسيس التي يرغب مبدع النص في ايصالها إلى المتلقي، هذا ما نجده في أغلب قصص "خيبستا" للقاص حسين البعقوبي ، لذلك ارى أن استعمال هذه التقنية قد حقق تنوعاً اسلوبياً، أي انّ ضمير المتكلم وسيلة من الوسائل التي تتكفل بتحقيق تنويع في أسلوب القصة حينما يراوح الكاتب بينه وبين ضمير الغائب، أو المخاطب، فيتحدث بضمير المتكلم عن العالم النفسي الداخلي ويتحدث بالضمير الآخر عن المجريات الخارجية وهذا ما حدث في قصص "احزان الضفادع" و"قمر بيوت الطين" و"الأرملة السوداء"، هذا التنويع منح القصص المذكورة تنويعاً جذاباً وأبعدها عن الرتابة التي قد تنجم عن النسج اللغوي على منوال واحد.

   ولعل من التقانات المهمة التي وظفها القاص "البعقوبي" بصورة ناجعة ما يطلق عليه بـ "الفنطازيا" والفنطازيا لون من ألوان الكتابة السردية يرتبط ربما بأصوله القديمة في الحكاية الخرافية، وتعني أيضاً وقوع الحوادث القصصية بين عالمي الواقع والخيال مما يشكّل للحكاية المطروحة منظوراً متعارضاً بين هذين العالمين، كما في قصة "هولو اجرام" التي تنقل للمتلقي الاحداث الواقعية المعيشة في أيام مضت بطريقة فنطازية "شكا بعض المواطنين من ظهور اجساد غريبة وهي تنتقل من زقاق الى زقاق و من شارع الى آخر و تصدر اصواتاً غريبة كأنها تنطلق من بئر سحيقة"، فضلاً عن ذلك نجد أن القاص يوظف تقانة "عين الكاميرا" ليوثق و يرصد لنا بعض المشاهد والصور السردية المكثفة التي تصف الواقع المأساوي بطريقة غرائبية كما في قصتي "آلهة قديمة، و رمل الأيام".

ويعمد القاص إلى اختزال حدث معين في جملة الاستهلال السردي بطريقة تهيئ للمتلقي التنبؤ بالأحداث القادمة، وهذا ما نجده في قصة "الارملة السوداء": عندما نظرت إلى عينيها بإمعان شعرت بأنها تقف في مفترق الطريق بين دعوة الآخر الى حنانها أو صده.

 هنا نجد أن جملة الاستهلال تتحول فيما بعد الى فعل سردي من خلال الحوار بين شخصية "الأنا – المؤلف" أو الراوي، وبين الشخصية الاخرى الانثوية ليشكّل المبنى السردي للقصة.

هنالك أيضاً بعض الملاحظات يمكن ايجازها بالآتي:

1- عنون القاص مجموعته بالعنوان "خيبستا"، أي بلفظة واحدة ، و من يتفحص قصص المجموعة لا يجد هذه اللفظة داخل المجموعة ، لكن أغلب مضامين القصص تتقارب في دلالاتها من لفظة العنوان الرئيس الذي تشظى وتوزع على قصص المجموعة كافة.

2- حضور عنصر المفارقة في خواتيم القصص ، إذ عمل القاص على خلخلة ما بناه من مضمون كما في قصة "حمائم الاحلام": بابا تقدم لن أدعَ هذه الطيور الغبية تمنعك من الوصول الى البيت، ولا اعرف لماذا اندفعت يدي الى مبدل السرعات الاوتوماتيكي لتختار الحرف R كان جسد العصفور الصريع يتضاءل ويتضاءل شيئاً فشيئا.

3- "اللغة انعكاس لشخصية الكاتب"، عمد القاص "البعقوبي" الى توظيف اللغة في المستوى الفصيح مبتعداً بذلك عن اللغة العامية، وفي حقيقة الامر أن لكل مستوى دواعي وضرورات فنية يقتضيها فعل السرد.

وأخيراً اقول إنّ "خيبستا" جديرة بالحوار والقراءة النقدية لما تنطوي عليه من أفكار كمّاً ونوعاً، وما هذه القراءة إلاّ مباركة لهذا الجهد الكبير...