(تمر بيّه السجج سكته .. وأرد مذبوح

لن طولك بعد مامش

ولك عمري عطش .. عمري مهر مجنون

ولك عمري تعنالك .. يهلبت جلمه بيك تهون

آني الطحت بدروبك مذّله .. وهم

أفر كلبي بسواليفك وأطيحن دم)

في الاحد المشؤوم المصادف 2/10/2011 جاءت ارواح كل من طارق ياسين وعزيز السماوي محلقةً فوق سماء الديوانية تناجي متممها الشعري للمجيء اليهم في هذا اليوم المحزن فاضت روح علي الشباني الى السماء مشتاقةً الى رفقاء دربها المناضلين بعد سبعة وستين عاماً من الكفاح والشعر.

الشباني الذي يعد من اوائل من اعتنق المدرسة الحديثة للشعر الشعبي والتي أسس لها الشاعر مظفر النواب احد اقرب اصدقاء الراحل. يسمو الشباني اليوم بيرقاً وعلماً في سماء الشعر الصافية . احدث الشباني تغيرات في شكل ومضمون القصيدة الى حد لم يصل اليه النواب نفسه .

حياة الشباني المريرة التي يجتاحها الحزن لم تكن بعيدة عن النضال فهو الذي سرق الرونيو في حادثة مشهورة لكتابة بيان للحزب الشيوعي العراقي وهو ما يزال في عمر مبكر وأنّي لأرى فيه قول صديقه القريب الشاعر عريان السيد خلف –رافكَتني الونّة والحسرات من بطن الحملني- أقرب الى توصيف حياة الشباني المملؤة بالخسارات والمحطات السوداء والخيبة والانتظار الطويل المديد بلا نهاية :

صوتك طير ماي أزرك

يوج الكصب بجناحه

ويدك روحه جرف غركان

وبصوتك مدينه تكوم صبحيه

ويرد بيها العصر تعبان

دربك موسم العشاك…

وألحان القهر والناس

من يلهب وطن بالراس

من تلتم حطب كل الأرض بالروح

وتدخن...

الحزن غالباً ما يكون ديدن كل شاعر إذ إن الشاعر الاسباني لوركا يقول (اكثر الافراح حزناً ان تكون شاعراً باقي الاحزان كلها لا طعم لها حتى الموت)

سايكولوجية الشعر لدى علي الشباني تختلف عن جميع الاشكال الكتابية حيث تتسم بالطابع الانساني و الانفجار الشعري الهائل الذي يفجره بهدوء تام داخل النص الشعري وبتسلسل الاحداث:

 (ليش..!؟

ما أدري ليش

تنزل بروحي غفل

وآني حاير... أوصل لجرفك

وأظل كل العمر محتار بالـﮕيش)

وأيضا:

(من يغني الكاولي.. كلكم سكوت

لو دره البلبل بواچيه غنه.. يبلع لسانه ويموت

بس يظل مبضوع گلبه

شاور حروف الدفاتر.. ما لگه لحزنه دوه

شاور الشگره وبچه

كافي حزنك.. جرح گلبك.. والوكت خنجر عدو

يشتري الشوگ بعطش روحه ويهيم

رافگ الشوچ ويظل جدمه يتيم

شو يريد أضماد.. يتداوه بخناجر

والعمر.. چذبه عله باچر)

لم تكن ثقافة الشباني من فراغ بل أنه كانت تربطه علاقات حميمية مع شعراء كبار مثل بلند الحيدر ورشدي العامل ومظفر النواب وفي رسالة من مظفر النواب الى علي الشباني مؤرخة في 14/9/1999 يقول له (زاوية لك في القلب ما زلت اوقد فيها الشموع...لا يمكنني تصورك قد كبرت.. كبر قلبك نعم ... كبرت نظرة عينك .. كبر حبك... علي مشتاق لك ودمعة في قلبي) هذه الرسالة توضح آنية العلاقة بين الشباني والنواب - رائد الحداثة الشعبية - . ثمة حيرة شاخصة في شعره وتساؤلات كثيرة احياناً تصل الثمالة ولا أجد لها جواباً شافياً :

دومك تموت اعلى بو هلبت صبح

وجم صبح ينراد للماشاف صبحيه بحياته

و جم عمر ينراد للباجر مماته

هذا هو الشباني شاعراً عراقياً كبيراً احدث نقلة نوعية في النص وأسهم اسهامة واضحة في المدرسة النوابية وهو الوريث الشرعي للحضارة البابلية والآشورية ومن احفاد كلكامش أستذكره اليوم وكلي أمل ان يكون ذكره حياً فالشاعر قد يُتوفى لكنه لا يموت وكما قال في احدى معلقاته:

الموت ما ياخذ حطب لمّ

ياخذ ورد جوري ويشتم...