ورقة مشاركة في تأبين أقامته اللجنة الثقافية في محلية البصرة للحزب الشيوعي العراقي بالتشارك مع ملتقى جيكور الثقافي

مَن تحتاجهم عافية أيامنا، بعد الفقد ندرك حقيقتهم العظمى، أنهم أمضوا إجازاتهم الزمنية معنا، ثم عادوا إلى دوامهم الرسمي، في مجرات التكوين ، وشرف لنا ونعمة عظيمة أنهم أختارونا نحن وليس سوانا في إجازاتهم، ورغم ألم الفقد الواخز،فنحن نحمد من لايحمد على مكروه سواه : أننا أثناء اجازتهم كنا ضيوفهم وقلوبهم مضافتنا.. ولا أدري لماذا رغم كثرة لقائي مع الشاعر الكبير عريان السيد خلف،  يستوقفني مشهدان شيوعيان، اشتراكنا في مهرجان الأنصار الشيوعيين في بغداد: عريان السيد خلف، موفق محمد، كاظم الحجاج، وأنا، لكن المشهد الثاني كان أطول وقتا وكان مذاقه بنكهة الصحراء، حيث أمضيتُ نهارا كاملا ونحن متجالسين تحت خيمة  المهرجان الشيوعي العراقي، في خيمة نقرة السلمان، وكانت قصيدته الموجعة، بسملة المهرجان، وقصيدتي(في كل وقت يقول الشيوعي : تصبحون على خير) مسك الختام .

(*)

الشيوعيون ينطبق عليهم الكلام النبطي التالي

(تلكا مجالسهم مداهيل خطار     ودلال صفرٍ تعجب اللي نظرها

هذي مراكاة ٍ وذي على النار   وهذي يدارُ بها على من حضرها)

والشيوعيون أئمة الخطائين، لأنهم يحرثون الأرض البكر، و رياديون في سقاية الفولاذ، والقبض على الثور من قرنيه، والشيوعيون اقنعوا  الناس أن الأيدلوجيا لا سبة ولا معرة، ففي هذا البحر المحيط المتلاطم بحياتنا، الايدلوجيا ضيقة لأنها قارب نجاة، وليست حاملة طائرات..والحزب الشيوعي العراقي، ليس من البضائع المستوردة،وبشهادة المفكّر عزيزي سباهي( لا نذهب نحن إلى إنكار الآثار التي خلفها بطرس أبوناصر لدى بعض معارفه في البوليس. أو الآثار التي تركها آرسين كيدور بين الأرمن أو لدى بعض طلابه في المدرسة السلطانية التي صادف أن يكون حسين الرحال أحد طلابه فيها../82/تاريخ الحزب الشيوعي العراقي/ ج1/ دار الرواد المزدهرة/ ط1/ بغداد/2005)

(*)

لم تكن الماركسية، بذرة استوردها التنويري حسين الرحال، بل رأها الرحال فعلا استباقيا، بصيغة حلقة مفاتيح ومصابيح يدوية، تليق بالأرض العراقية .. ومن الفعل الاستبافي المعرفي انداحت عتبة نصية ملتهبة، فقد اضرم عمال سكك الحديد أول إضراب في العراق،من أجل زيادة الاجور في 1927، ثم تنامى الوعي لدى الشغيلة، وخرجوا جزئيا من هيمنة القبيلة التي يأكل رؤوسها حقوقهم، فأنشىء العمال جمعيتان (جمعية أصحاب المصانع) و(جمعية عمال المطابع)

(*)

الريادات الفكرية هي منصة إنطلاق الريادة العراقية العربية  في الشعر الحديث، فالمثقف الذي راح يتمثل الانفتاح الثقافي على العالم، صار لا يطيق تلك المائدة الراسخة بخشبها وآوانيها وغذائها الفكري والأدبي، وهذا المثقف العراقي الريادي، لم يكن متفرجا على الحراك الشيوعي العراقي، بل مساهما فاعلا، وكذا الحال مع الشعر الشعبي العراقي..

(*)

تستوقفني استعارات الشاعر عريان السيد خلف،التقط هذه الأحجار الكريمة من كنز الشاعر في ثريا نصوصه وهي بشحنات استعارية لطفية :(تين العجم)(حزن معدان)(هرش الكاع)(كطرة كحل)(موسلين)(تل الورد)

(*)

انتقل لإلتقاط استعارات من النصوص :

(الصفنه وجع ياكل ابلبّ الروح ) / من قصيدة خضر الياس

نلاحظ أن الاستعارة تكتنز بشحنات عالية النوعية، وكل تقشير للمفردات : محض مفسدة .

وهنا يكون الرهان، على فطنة القارىء الذي يقرأ ويستقرأ النص، كما يلتذذ بحامض وهلية

*القصيدة عنوانها(وحشة ليل) السطر الخامس والسادس:

(وشوفتك

طلعة بدر يوم التمام)

*في قصيدة (خاف تموت)

(ياشايل حلاوة خوف الحديثات

ومحمل سحر

ضحكة بنات بيوت

يامايع ترافه..

أتهيب من أحويك

أخاف أصعب عليك

واخاف بيدي تموت !)

هنا لدينا ثريا من الإستعارات : حلاوة خوف الحديثات : نلاحظ دقة الاستعارة، لم يقل : خوف الحديثات، لو قالها، لأصبحت الدلالة اللغوية في جهوية مضادة لسياق القصيدة، ولو قال : حلاوة الحديثات، لما أضاف الصفة جديدا للموصوف، لكن التركيب اللغوي : حلاوة/ خوف : هذا التركيب الاستعاري هو الذي ينعش السياق الدلالي ويزيده ترفاً، وكذا الحال في (ضحكة بنات بيوت) فالشحنة ذات إيماءة أخلاقية ناصعة ، ثم ينتقل التصويف إلى جمالية مكتملة في قوله

(يامايع ترافه) وهنا يحضرني مظفر النواب(شكلك وأنا هلمايع / وانه من الحركة زهديه/ جثير أكزازك بروحي/ وكولنه ها يحنيه)

*في قصيدة ٍ بوظيفتين: الأولى ثريا مجموعته الشعرية الأخيرة، والثانية أحدى قصائد المجموعة

(تل الورد) :

(عاتبني، ابعتابك خل ترد روحي

 اوهسني ...أبدلالك.. ياشتل شمّام)

أجزم أن لا أحد حين يقرأ مابين القوسين ولا تغمره تلك الرائحة الزكية واللذيذة للشمّام، وهنا مهارة الشاعر الميداني وهو يقتنص اللقى من ينابيعه الحياتية الأولى

*من قصيدة (رديّ..رديّ) تستوقفني استعارتان

الأولى : (أو صابرت صبر الطفل... شربي الصبر)

الثانية :

(آنه...

 خلالني الوكت..

ناعور

بس أترس ..

وأبدي)

الإستعارتان حركيتان، وكلتاهما تشتغل على شحن فعل لايعود على الفاعل بأي منفعة شخصية  والفاعل في النصين مجرد من قدرة الرفض..

في عمق الاستعارتين، يلتقط القارىء الفطِن : شفرة التثوير ضد كل مفاسد حياتنا المخربة

*عنوان ورقتي اقترضته من قصيدة شعبية، لفقيد الشعر الشعبي العراقي : شاكر السماوي:  في ديوانه (رسايل من باجر)

مع الشاعر الكبير عريان السيد خلف تحت خيمة الحزب الشيوعي العراقي في نقرة السلمان / صيف 2014

جلسة شعرية تتقدمنا في الصورة الفقيدة كفاح إبراهيم / أم مهند رئيسة رابطة المرأة العراقية في البصرة

عرض مقالات: