من أجمل كلاسيكيات السينما العالمية، فيلم "هيروشيما حبيبتي" الذي عُدَ لبنة أساسية في انتشار وهيمنة الموجة الجديدة على السينما الفرنسية ومن ثم العالمية، هذه الموجة التي كان من كبار مؤسسيها وروادها المخرج الفرنسي "الان رينيه" الذي اخرج فيلم "هيروشيما حبيبتي" والكثير من الافلام التي تعد من أجمل وأهم ما انتجته سينما الموجة الجديدة في السينما. ولكن لماذا هذا الفيلم؟ الذي يؤديه ممثلان فقط وحولهما تنتشر صور وذاكرة مكتنزة، صور الماضي المتداخل مع الحاضر، حكايات الدمار والموت..
الفيلم يعد برأي كبار نقاد السينما من الافلام ذات المنحى الجمالي المعبر في رسائل واضحة وبسيطة تبتعد عن المباشرة من خلال ممثل وممثلة يعيشان قصة حب وسط الخراب، يصاحبهما صوت الراوي ـ البطلة ـ تحدثنا عن زيارتها الى هيروشيما بعد أربعة عشر عاما من سقوط أول قنبلة ذرية في العالم عام 1945 من قبل الامريكان على اليابان، القنبلة التي انهت كل شيء، لا شيء في الفيلم سوى الحوارات العميقة التي تتحدث عن الحب والحرب، هيروشيما حبيبتي، لم يكن فيلم حرب، بل هو فيلم حب من الطراز الاول، الحب الهائل بين قطبين كبيرين، أولهما الجريمة البشعة على المدينة التي نهضت من رمادها، وثانيهما ايقاع الحب في الفيلم، الحب والتعايش والانحياز للسلم "الفيلم داخل الفيلم" الذي تعمل عليه الممثلة في هيروشيما تقول عنه انه فيلم عن السلام، وهكذا تتحول هيروشيما المنكوبة الى مكان للحب والتعايش والسلام .
الفيلم يعد بامتياز قصيدة سينمائية مثقلة بالذكريات، عبر تقنية تعدد الاصوات وتداخل الصور، وتوظيف الاسود والابيض والتركيز على توزيع درجات الضوء والسطوع الهارمونيكي للعتمة، رغم خلو الفيلم من الكادر، لكن المشاهد يراه مزدحما بأحداثه والانتقالات المذهلة للكاميرا، سواء على وجهي الممثلين الرئيسين.. الفرنسية الحسناء "ايما نويل ريفا" والممثل الياباني "ايجي أوكادا" الرسالة الكبيرة والرئيسة في الفيلم ادانة كبيرة للموت والحروب والانحياز للسلام، من الجملة الاولى تردد البطلة عبارة: انها زارت مناطق هيروشيما كلها! يجيبها الممثل "أنت لم تري أي شيء في هيروشيما. أي شيء!" تردد عبارتها "أنا رأيت كل شيء!" يجيبها: من المستحيل انك استطعت ان تري ما حدث في هيروشيما.. فالأحياء والاموات لا يمكنهم ان يقولوا انهم رأوا هيروشيما أو ما يدور في شوارعها وحاراتها ومستشفياتها رغم أن الفيلم هو قصة حب رائعة أمدها 24 ساعة تدور في بيوت المدينة وشوارعها ومطاعمها وحديث مثقل بالذكريات.. فهو قصة واحدة تدور في زمنين: زمن السرد ـ حيث هيروشيما وهي بالكاد تتنفس الحياة بعد أن كادت تمحى تماما، وزمن الرواية ـ زمن يتغير يتنقل من زمن الاحتلال النازي الى فرنسا، وفي كلا الزمنين تبقى الصرخة الانسانية هي الغالبة، رغم الخراب والحروب والدمار، والاسئلة الراهنة: لماذا تحدث كل هذه القسوة على الانسان، سواء في موت الملايين من البشر، أو موت الحبيب الجندي الالماني الذي احبته وقتل أمام عينها، قبل أن تودع في غرفة مقفلة بمنتهى القسوة كرد فعل على العلاقة المحرمة بجندي ينتمي الى معسكر الاعداء إبان الاحتلال النازي.
أما لعبة الأسود والأبيض، فهي وحدها حكاية جمالية ينفرد بها الفيلم عبر تفاصيل المدينة، الشوارع والازقة الضيقة والممرات والمطاعم.. حيث نرى هيروشيما. الحجارة المرصوفة والحجارة المنفجرة عبر تقنية الفلاش باك التوثيقية.. حيث نرى صورا حية للدمار والموت والمدينة التي دفنت وسط الحرائق وركام البنايات بعد القاء القنبلة.
الفيلم والحكاية يستحقان أكثر من وردة الى هيروشيما وعلامات الموجة الجديدة في السينما وباقي الفنون الانسانية.

عرض مقالات: