السُمو: نبل، رِفْعَة، وَقَار، كل ما هو خليق بالإعجاب والتعظيم، وهو ما وجدته فيك. والسُمو: تَجِلّة، سُمُوق، فَخَامَة، وهو ما صنعته أنت لنفسك. والسمو: مَهَابَة وجَلال ومَجْد، وهو ما توشحت به في طابور الاعدام وصعدت الى "منصة الحياة".
لم تكن تصارع قوة الظلم "دارونياً" من أجل الوجود، ولا "نيتشوياً" من أجل العظمة. كنت تحاول أن تنظم حياة الناس، وتنتصر للفقراء والشغيلة والحياة، وتلك هي قوة السياسة في أوج جمالها، وتلك هي قوتك الشعرية أيضا.
هل بات من الضروري الحديث عنك؟ نعم. فمن يزرع قواعد الارادة في نسغ التاريخ سيسمو، ومن كان قصيدة في حياة الخراب، أو حياة في قصيدة عشق اختتمت بهتاف الاعدام الأخير سيتجلى، ومن لم يتنازل ولم يعلن البراءة ولم يعترف على رفيق أو يفضح وكراً أو يفشي سراً سيغدو في القطب الأبيض البعيد الذي يعاكس ظلمة الوضاعة وينفر منها.
دعني الآن أتصفح "أسرار لياليك البيض"، أشعارك المصنوعة من طين شط العرب، وطعم البرحي، وضيق أزقة الجمهورية. دعني أرافقك في رحلتك الحمراء، من عام "1960" الى الثالث من تموز عام 1983. لم تكن شاعرا شعبيا غنائيا، مناضلا وشهيدا عماليا، ابن البصرة البار وحسب، كنت اللوحة الماشية في الدروب، المرهونة بالهم الانساني، نبرة الحياة السبعينية في أبهى توهجها وحراكها وألقها.
هو مناضل، قال البعض واكتفى. ابن بار لحزبه وللطبقة العاملة، قال آخر. شاعر مزج القصيدة بالحياة في الجمهورية، وفي الأوكار السرية، وفي الشركة العامة لصناعة الورق، فأغاظ السلطة، وبات رهن المضايقات والاعتقالات والمطاردات، هذا ما قاله عنك شقيقك "خزعل" أبو عادل في كل أعوام الفراق.
أنت بطل يا "فالح"، بطل حقا، شاعر وممثل مسرحي وقارورة عطر البصرة، من لحظة غنائك الشعري الشعبي حتى صعودك إلى المقصلة، حاملا كل همومنا وأوجاعنا وصبرنا. أنت بطل يا "فالح".
ها أنا أمر عليك بـ "شمع زفتك"، قصيدتك المغناة، لأقطف منك ابتسامة الاعدام الأخيرة، وأمسك طاقيتك التي لم تفارق رأسك، تلك التي ظلت معرضة للحسد على شموخها في ذلك المكان البهي أعلى رأسك، رأسك المكتظ بنا، وبصراعنا، وبحلمنا.
ها أنا أنغمر في "سچة وحبيب وضوة"، ديوانك المفعم بحب الناس والعمال والمعدمين، والمطرز بأعذب الكلمات، آهاتك وأحزانك وعشقك الذي خلفته لنا ومضيت.
في منتصف آب ثمانيني وقعت في ظلمة الاعتقال، فتعرضت لأعتى أنواع التعذيب، وظللت تغني لحزبك وللحياة، غير آبه بفنون الجلادين وابتكاراتهم البربرية. كنت شاعر الحياة وحسب، وكانوا عبدة الموت لا غير. معادلة ثمانينية سوداء، نصفها الأحمر أنت، ونصفها المظلم كل أعدائك. وقانونها المقصلة، وهو قانون عقيم، ما أن أدركت قواعده وعرفت نتيجته الحتمية، حتى زففت حياتك قرباناً أحمر في الثالث من تموز عام 83. يوم حزين لا يشبه أي يوم. يوم كنت فالحه وشاعره وزهرة قرنفله الفواحة بالشعر والجمال والحب. يومٌ سلَّم رايته الحمراء لشقيقك "خزعل"، فعانقها ورفعها وظل مصرا على السير في طريقك العراقي المطرز بالخلود، فاعتقل ومرض في زنزانته، وحالما أطلق سراحه توفي متأثراً بفداحة "السل"، ليلتحق بك، بك يا "فالح"، في خلود العشق الابداع.
ألم أقل لك أن السمو: مَهَابَة وجَلال ومَجْد، وهو ما توشحت به أنت في طابور الاعدام، وصعدت بعطره الى "منصة الحياة" لتهبنا عراقاً آخر؟
ثالث أيام الأسبوع.. لماذا أُحبك يا فالح حسن الطائي؟ / عبدالكريم العبيدي
- التفاصيل
- oscar
- ادب وفن
- 2016