في المقهى علقت شاشة عملاقة.. الوقت الساعة 11 مساء.. مباراة الكلاسيكو... بين ريال مدريد وبرشلونة... المقهى مزدحم جدا.. الكل يصرخ مشجعا فريقه... مع كل هجمة يتصاعد صياح وغناء واهازيج الشباب. قرب مدخل المقهى رأيت امرأة على مشارف الاربعين من العمر تضع على رأسها عباءة.. تقترب من الباب بعد كل ضجة يطلقها الجمهور وتبتعد حينما تخفت الضجة، تنتقل بنظرها بين الوجوه والشاشة.... كانت تبكي.
سألت الشاب الجالس قربي عنها. قال: لم أرها من قبل.. قررت الاقتراب منها... سحبت كرسيا وطلبت منها ان تجلس عليه وناديت على النادل لجلب قنينة ماء، ناولتها قنينة الماء وانا اسحب كرسيي قربها كي أتمكن من سماعها وهي تحدثني.. كان حديثها كله اسئلة... لم تشرب من القنينة بل ابقتها في يدها وهي تتطلع الى الشاشة...
ــ من غلب...؟ هل غلب الريال ام برشلونة ...
قلت لها.. ولماذا تسألين؟ ... قالت من اجله.. لانه اذا جاءني الليلة في الحلم سأخبره من فاز..!
قلت لها.. من سيدتي ..؟
قالت.. ولدي حسين.. فهو يحب برشلونة... وقال لي انه سيعود قبل الكلاسيكو بيومين ... ولأن مهنتي الاساسية والازلية هي الامومة.. لهذا لم اعرف معنى الكلاسيكو.. فسألته "وما هو الكلاسيكو"؟ قال فريقان يتحاربان منذ زمن طويل... هما ريال مدريد وبرشلونة... يلتقيان في كل عام مرتين أو اكثر... سأعود يا اماه قبل ان يلعبا بيومين ....
قلت له " إذن سأنتظر ما تسميه بالكلاسيكو يا ولدي لكي تعود.. كان هذا الحديث بيننا قبل شهر ....
سألتها.. وأين هو الآن؟
قالت قبل الكلاسيكو بأسبوع ... وصل البيت ولكن في تابوت ... مات حسين في الجبهة ولم ير الكلاسيكو ...
انهمرت دموعي وهي تكاد تختلط مع شهقات تواصلت من المرأة .. وفمها لا يكف عن السؤال
... " هايمه ... منو غلب ؟ "
قلت لها برشلونة .. فرحت وابتسمت فيما دموعها لا تتوقف وحينما قفز الشباب في المقهى على إيقاع تسجيل برشلونة هدف الفوز قبل نهاية المباراة ... قفزت معهم .. ورغم أني كنت انحاز تماما الى ريال مدريد ... لكني تمنيت في تلك اللحظة ان تسجل برشلونة أكثر من هدف .. ليس من اجلي ولا من اجل هؤلاء ولا من اجلها .. بل من اجل الشهيد حسين الشاب الذي استشهد قبل ان يرى الكلاسيكو ... وها هي امه ترى الكلاسيكو بدلا عنه .... وها هي تفرح لفرح جمهور برشلونة ... لم احتمل المشهد .. مشهد ضحكها الهستيري المختلط بدموعها التي لم تتوقف فخرجت من المقهى وأنا أمسح دموعي وخطواتي تتوافق مع ايقاع صياح جمهور المقهى ...
ضد النسيان.. كلاسيكو الأرض
- التفاصيل
- محمد علوان جبر
- ادب وفن
- 1796