عبد علي حسن ناقد عراقي، من مواليد بابل 1951، قدم دراسات حديثة في النقد، كما قدم رؤى نقدية في الصحف والمجلات والعديد من الدراسات النقدية للروايات والقصص، كما أصدر العديد من الكتب النقدية.
سألته أولا:
كيف كانت بدايتك مع النقد، ولم اخترته مجالا للتخصص؟
في البدء كانت الفلسفة، وفضول دفعني للاقتران بهذا الخطاب المتقدم على مستوى التفكير، قادني إلى معرفة الجدل وتحديدا الجدل الماركسي و أعده الفيصل في التقدم والتطور الحاصل في مجمل العمليات الحياتية، كان ذلك في سبعينيات القرن الماضي حيث شيوع الأفكار اليسارية في العراق وغيره من المجتمعات العربية، فصرت أبحث عن ذلك الجدل وإقامة المعادلات السيسيولوجية في المسرح أولا لقربي من الفعل المسرحي، الذي كان متقدما في مدينتي ثم في مجمل النشاط الثقافي العراقي، وكان ثمرة ذلك الاهتمام كتابنا الأول "الدراما والتطبيق" وهو مجموعة من الدراسات النقدية والمقالات التي اتسمت بالنقد الاجتماعي/ السياقي. ثم تطورت وجهة نظري بعد ورود المناهج النقدية الحديثة، أعني البنيوية وما بعدها في ثمانينيات القرن الماضي، ولعل سمة البحث المعرفي الدائم والتوصلات النقدية الجديدة كانت وراء اختياري النقد مجالا للتخصص، على الرغم من بدايتي كشاعر وفنان تشكيلي في سبعينيات القرن الماضي.
في كتابك "تحولات النص السردي العراقي" إشارات إلى وجود تحولات منتظمة للسرود العراقية، أين كانت تلك التحولات في النصوص العراقية؟
لقد تمكن النص السردي العراقي من التحول والتقدم تماهيا مع طبيعة التحولات القائمة في البنية الاجتماعية/ السياسية/ الاقتصادية منذ عام 1958 وقيام النظام الجمهوري، مرورا بالتحولات المتتالية حتى عام 2003 الذي شهد نهاية النظام الشمولي، وقد كانت هذه التحولات على صعيد المضمون والشكل الذي تأثر كثيرا بما استجد من آليات وتقنيات سردية، تم توظيفها لصالح المضامين الجديدة التي أفرزتها التحولات الاجتماسياسية التي كانت تعد منعطفات حادة في مسيرة المجتمع العراقي، وضعت المبدعين العراقيين في صلب تلك المنعطفات التي لم يجدوا بدا من التعبير عنها وفق نصوص واقعية ومتخيلة، تمكنت من التفاعل مع ما استبطنه الواقع من ظواهر تستوجب الكشف عنها لإغناء ذائقة المتلقي المعرفية والجمالية.
ما رأيك في الانتقادات التي يوجهها بعض الكتاب إلى النقد العربي من أنه لا يواكب غزارة الإنتاج الأدبي أو أنه يركز على بعض الكتاب دون الآخرين؟
لقد أسهمت التحولات السياسية في مفتتح الألفية الثالثة لبعض المجتمعات العربية في تقويض المؤسسة الثقافية السياسية، التي شكلت كوابح لكل منجز لا يتماهى مع المؤسسة السياسية، الأمر الذي أدى إلى غياب عنصر الرقابة على المطبوعات والأنشطة الثقافية الأخرى، فاتسعت دور النشر التي ضخت ولا تزال المئات من الإصدارات الشعرية والقصصية والروائية غثها وسمينها، لذا كان على النقد الموضوعي والجاد أن ينتقي من هذا الكم الهائل من الإصدارات ما يشكل إضافة نوعية وجديدة على مستوى التفاعل مع الأحداث والوقائع المتسارعة الحاصلة في البنية الاجتماعية، دون الإصدارات الأخرى التي لا تحمل مواصفات المنجز المؤثر على صعيد مقاربة الاتجاهات الحديثة في الكتابة ومقتفية أثر المنجزات السابقة. ولا يمكن في هذه الحالة الإحاطة الكاملة بما تصدره دور النشر التي انتشرت في طول البلاد وعرضها، وربما تتسلل إلى مناطق الإهمال منجزات جديرة بالرصد والدراسة، أما النقد الصحفي السريع الذي لا يخرج عن دائرة النقد الانطباعي والذوقي، الذي أفل نجمه منذ ثمانينيات القرن الماضي، فهو لا يزال يملأ الصفحات الثقافية والمجلات، ولا نعتقده يمتلك المساهمة الفاعلة والجدية في تشكل المشهد النقدي العربي، إذ لا يزال خاضعا للشخصنة والاخوانيات وهو مضر بالمنجز والنقد على حد سواء.
في رأيك مم يعاني النقد العربي؟ وما هي إشكالياته.. وهل خروجه من عباءة النقد الغربي إحداها؟
منذ عشرينيات القرن الماضي والنقد العربي قد تأثر بالنقد الفرنسي والانكليزي، نعم جرت محاولات لتأسيس نقد إسلامي يستمد مقوماته من موجهات الفكر الإسلامي، إلا أنه لم يشبع حاجة المبدعين لتقويم وتقييم منجزهم الإبداعي وفق رؤية حديثة تتقصى كل جوانب تكوين النص الشكلية والمضمونية، كما أن توقف الدرس البلاغي منذ الجرجاني والقرطاجني والقزويني دفع النقاد العرب إلى التوجه للنقد الغربي الذي تلقوا مبادئه في الجامعات الأوربية، وامتد التأثر حتى بالنقد الاجتماعي الماركسي وتطور بعد ذلك تبعا لتطور وظهور المناهج البنيوية وما بعدها.
ولو أمعنا النظر في هذه المناهج الحديثة لوجدناها تتصف بالعالمية وتوفر إمكانية استخدام آلياتها لمقاربة النصوص الإبداعية، وقد تمكن النقد العربي من الإحاطة بما ينجز وفق تلك المناهج، ولكن لم تحصل إضافات تذكر نابعة من طبيعة النص العربي وإن حصلت محاولات للمزاوجة بين النقد البلاغي العربي والمناهج الحديثة خاصة في دول المغرب العربي، ولا اعتقد أن الخروج من عباءة النقد الغربي يعد إشكالية أو تمثل عقدة التبعية، إذ أن تبادل الحوار والتثاقف بين الشعوب أمر قائم ومبرر، كما أن النقاد العرب المعاصرين قد اجتهدوا في تطبيقهم للمناهج الحديثة، سيما وأن الدرس الجامعي قد شرع أبوابه أمام هذه المناهج وقدمت الرسائل والأطاريح حول هذه المناهج وتطبيقاتها، وأصبح أمرا قارا قليلا ما يثار في المحافل وإن حصل فإنه مغلف بدعوى قومية ضيقة الأفق.
هل تتبع منهجا محددا في قراءة النصوص؟
في سبعينيات القرن الماضي كنت اتبع المنهج الاجتماعي الذي خرج من رحم الفكر الماركسي، وتحديدا نظرية الانعكاس لـ "لوكاتش"، وحين ظهرت البنيوية وما بعدها وجدت في البنيوية التكوينية لـ "لوسيان جولدمان" ضالتي في مقاربة النصوص وفق وجهة نظر ما بعد حداثية، وهي مساهمة ماركسية مهمة في النقد المعاصر، إلا أني وجدت أن ليس هناك وجهة نظر واحدة للنص لذا فإن تفاعلي مع النص واستيعابه هو من سيحدد المنهج الذي اتبعه، وغالبا ما تكون مناهج ما بعد البنيوية هي الفاعلة في مقاربة النصوص إلا أن موجهات نقد ما بعد الحداثة بدأت تأخذ حيزا في الاشتغال النقدي المعاصر، وظهرت مصطلحات جديدة كالحساسية والبلاغة الجديدة وغيرها من المصطلحات، ووجهات النظر التي استدعاها التقدم الحاصل في بنائية النص الإبداعي خاصة في الرواية والشعر الجديد، وبدأت بتبني بعض هذه المفاهيم واستخدامها في الإجراء النقدي.
هل أنت راض عن النقد العراقي؟ وما تقييمك له؟ وأين هو في خارطة النقد العربي في الوقت الحالي؟
امتلك النقد العراقي تقاليد تأسيسية منذ خمسينيات القرن الماضي، وفي الستينيات تمكن النقاد العراقيون من استيعاب المنجز الإبداعي العراقي وتوجيه دفة الاهتمام بشأن اختيار الموضوعات، وعليه فقد أسهم هذا النقد في قطع الطريق أمام التيارات العبثية والوجودية، وتوجيه أنظار المبدعين إلى تبني قضايا المجتمع ومحايثة المنعطفات التي تخلق تحولات في البنية الاجتماعية، واجتراح أشكال وتقنيات جديدة تناسب تلك التحولات، ولاشك بأن النقد العراقي المعاصر هو وريث تلك التقاليد التي مكنته من التأثير في المشهد الثقافي العراقي عموما، وهنالك محاولات اجتهادية عديدة لإضافات نوعية على صعيد التقنيات النقدية الجديدة، وإزاء ذلك فإن النقد العراقي قد تمكن من احتلال موقع مهم في خارطة النقد العربي، كما تشير المؤتمرات والملتقيات النقدية العربية التي تشهد حضورا عراقيا لافتا.
درست النصوص السردية البابلية واعتبرتها ضمن نصوص السرد العراقي، حدثنا عن ذلك؟.
في دراستي للنصوص السردية البابلية وجدت أن هناك أربعة مستويات تعبيرية أسهمت في تخليقها المفاهيم التي كرستها ثقافة المجتمع الأبوي، وهي علاقة المرأة بالرجل وعلاقة المرأة بالمجتمع وعلاقة المرأة بالمرأة وعلاقة المرأة بنفسها، وكل كشف لهذه العلاقات إنما كان بعدها علاقات أفرزتها ما تأسس من موقف إزاء المرأة عبر الحقب الطويلة التي مر بها المجتمع، ولاشك بأن الظروف الاجتماعية للمرأة في أية مدينة عراقية إنما هي نموذج لأية امرأة في أي موقع للمجتمع العراقي، لذلك فإن هذه النصوص تتجاوز محليتها الضيقة لتتصف بعمومية وضع المرأة العراقية في المجتمع.