اقام بيس بغداد يوم السبت 4 آب الماضي جلسة استذكارية للشاعر الراحل كاظم اسماعيل الكاطع تحدث فيها الشاعر والناقد ريسان الخزعلي، وقدم الملحن الشاب عمر هادي بعض نصوصه الغنائية.
وتحدثت اولاً الفنانة التشكيلية بشرى سميسم التي ادارت الجلسة عن الشاعر الراحل وبعض المحطات المهمة في حياته قائلة:
ودعت بغداد في 25/5/2012 جثمان الشاعر الشعبي الكبير كاظم أسماعيل الكاطع ومرت به من أمام مبنى المسرح الوطني ببغداد الذي اعلن فيها عن رحيله بعد صراع طويل ومرير مع المرض وبعد رحلات ما بين المستشفيات في المدن المختلفة لسنوات، حيث نعاه الناعي في الساعات الاولى من صباح يوم الاثنين في مستشفى الكاظمية ببغداد، بعد ان تعرض للعديد من النكسات الانسانية ابتدأت قبل سنوات بوفاة ابنه (حيدر) ثم اصابته بالشلل النصفي ومن ثم رحيل رفيقة دربه زوجته، وعلى الرغم من عدم قدرته على الحركة والنطق بشكل واضح الا انه كان يتمتع بقوة وصلابة وقدرة هائلة على التحدي، فكان يلبي دعوات الحضور في الامكنة الثقافية وتراه متجددا وان لاحت على وجهه علامات الأسى على الرغم من الهموم الثقيلة والعذابات التي ينوء بها.
ويعد الشاعر كاظم اسماعيل اﻠكاطع قامة من قامات الشعر الشعبي العراقي، ومنحه عشاقه وزملاؤه الشعراء لقب (مدرسة في الشعر الشعبي) باعتباره مبدع القصيدة الشعبية المصورة، وله تأثير ابداعي على مختلف الاجيال، فضلا عن كونه واحداً من ابرز من منح الاغنية العراقية نكهتها المعبرة وحكاياتها الجميلة، فكانت كلماته تغنى بحناجر المطربين الكبار وذاع صيتها كأروع ما انتجته الذائقة العراقية، كما انه من الشخصيات الثقافية المميزة والمحبوبة والمتواضعة.


وكاظم اسماعيل الكاطع الحمراني المحمداوي أحد أعمدة الشعر الشعبي الثلاثة في العراق إلى جانب مظفر النواب وعريان السيد خلف. وتعود جذور الكاطع إلى محافظة ميسان وهو من مواليد 1950 م في بغداد، وخريج الجامعة المستنصرية كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية 1974 م ويحمل شهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي من إحدى الجامعات الهندية وهو عضو جمعية المؤلفين والموسيقيين العالميين في باريس وعضو الاتحاد العام للشعراء الشعبيين في العراق ورئيسه في دورتين انتخابيتين عام 1993 و1994.
كتب الكاطع العديد من القصائد التي غناها الكثيرون ومنهم كاظم الساهر وجورج وسوف وسعدون جابر وفؤاد سالم واحمد نعمة وكريم منصور وقحطان العطار وحسين نعمة وياس خضر وحسن بريسم واشتهر بالكثير من قصائد الرثاء وأشهرها قصيدته في رثاء زوجته والقصيدة التي نظمها في رثاء ابنه الصغير حيدر الذي توفي وهو لم يتجاوز الاثنتي عشرة سنة.
عاش الشاعر ضمن عائلة سياسية وعاصر أحداث 1963 وتجربة الحرس القومي مما جعله مؤهلا ليكتب قصيدة هي (رسالة أم) عبارة عن قصيدة على لسان أم لأبنها السجين السياسي في سجن نقرة السلمان وسط الصحراء.
*ثم تحدث الشاعر والناقد ريسان الخزعلي عن الشاعر الراحل وانطلاقة التجديد في الشعر الشعبي العراقي، مشيرا الى " دور الشاعر الكبير مظفر النواب التجديدي في القصيدة الشعبية بعد ثورة الشعر الحديث على ايدي الشعراء بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وبلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي، وهم شعراء مثقفون لديهم تماسات مع حركة الشعر العالمي وأساليب كتابة القصيدة الجديدة المغايرة ". وتطرق الخزعلي الى" الأجيال التي تبعت هذه التجربة النوابية تمثلت بعدد من الشعراء منهم شاكر السماوي وعزيز السماوي وطارق وعلي الشباني وغيرهم، ثم تلتهم موجة مهمة من الشعراء (عريان السيد خلف، كاظم إسماعيل الكاطع، إسماعيل محمد إسماعيل، كاظم الركابي، عبد السادة العلي، كريم راضي العماري، عبد الكريم القصاب ). ثم تلتها حركة تجديد شبابية تمثلت بالشعراء (رياض النعماني، كريم العراقي، أبو سرحان، كامل الركابي، فالح حسون الدراجي، رحيم الغالبي، كاظم غيلان، جمعة الحلفي، ريسان الخزعلي، وبشير العبودي، وغيرهم ). اذا الكاطع من الجيل الثاني الذي شهد تحولات سياسية واجتماعية وثقافية".
اما أهمية الشاعر وشهرته فقد تحدث عنها الخزعلي قائلا : ان الأهمية شيء والشهرة شيء آخر. ولكن حين تكون الشهرة نتيجة الأهمية يصح ان نطلق توصيف الشاعر، فالابداع تجربة وثقافة وموهبة، وقد توافرت هذه الشروط في الكاطع، فهو موهوب مبكرا ويمتلك تجربة سياسية وبيئية وحياتية تمتد من مدينة العمارة الى الشاكرية الى الثورة، ويمتلك ثقافة وتحصيل دراسي اكاديمي في اللغة الإنكليزية. ومن المصادفات ان يكون الشاعر شاكر السماوي مدرسه للغة الإنكليزية في الإعدادية ولهذه المصادفة اكثر من أثر في حياة الشاعر شعريا. وضمن المحددات السابقة يكون الشاعر الكاطع مهما. والكاطع في أساليبه الشعرية هو اتجاه فني من ضمن تجربة التجديد والتحديث في الشعر الشعبي العراقي، لقد خط لونه الشعري ضمن هذا المناخ، واصبح صوتا ذا نبرة عالية مؤثرة في مشهد الشعر الشعبي العراقي الحديث، وكذلك في الاغنية أيضا. تمتعت قصائد الكاطع في معظمها بجمالية التجديد حيث : جمالية اللغة، وجمالية الصورة، وجمالية الرمز. الكاطع لم يكن من أصحاب التجارب الذهنية والباطنية، وانما تجربة حياتية واقعية تمد مجساتها باستمرار الى (الوطن، الناس، الشهداء، الحبيبة، العائلة، الحزب، الخسارات الحياتية، وكل مايشبه ذلك).
الكاطع شاعر من مجتمع وليس شاعر في مجتمع وهذه دلالة ثانية لواقعيته في الاعمال الأخيرة وقد مال الى كتابة القصيدة المتشاغلة بالهم الحياتي الذاتي والمراثي حيث الفجيعة بانتحار ولده ورحيل زوجته واعدام الكثير من أصدقائه، ومثل هذا التحول يرتبط بتراكم التجربة وتحولاتها العقلية والروحية والذهنية شعوريا او لا شعوريا واصبح غير متردد في قول (ما مرتاح).
من قصائد الكاطع التي تم تداولها كمنشور سياسي آنذاك قصيدة (رسالة أم)، وقد نسبها الكثيرون الى الشاعر مظفر النواب، والسبب في رأيي ان هذه القصيدة تمت بأكثر من صلة الى قصيدة مظفر النواب (البراءة) رغم اختلاف اللونين الشعريين، لكن الموضوع قد يتوازى بين الاثنين.
للشاعر الكاطع شفافية ناصعة، شفافية غنائية، والغنائية هنا لاتعني شعرا مكتوبا لاجل الغناء، او كلام اغنية، وانما الشعر الذاتي المكتوب بضمير المتكلم. وللشاعر قصائد لحنت كأغان، كما كتبت شعرا لاجل الاغنية أيضا، (جناح الفرح، رحلة بقطار العمر، الي مضيع ذهب، أحاول، انتظار، وغيرها).
لكنه الموت الذي لايشيخ. مرة سألوا الشاعر ادونيس.. هل تخاف الموت؟
فأجاب: المشكلة ليست في الموت، المشكلة في الحياة.
الموت قضية وجودية ضاغطة، وموت الشاعر حياته كما يقول أحد المفكرين والفلاسفة. والكاطع احس بطرقات الموت في السنوات الأخيرة ولن يتردد من القول :
الليله اموت
الليله آخر ليله
الغيم مد ايده اعله راسي
والمطر شد حيله
الليله كَطرات العمر
ناكَوط حب سهران
يمه ادخيلج..
اترجاج
ضميني بسواد الشيله
ان الكاطع كان حاضرا معنا اليوم.. الم اقل ان موت الشاعر حياته.
* وبعد هذه الجولة الرائعة التي رافقنا فيها الشاعر والناقد ريسان الخزعلي، غرد الملحن الشاب عمر هادي وقدم بعض النصوص الغنائية للشاعر الراحل كاظم إسماعيل الكاطع.

عرض مقالات: