نفهم المجهول من فردوس الجماعات الإنسانية والمعايشة الداخلية لهموم وأفراح الكل داخل الفردوس "الوطن" عن طريق قروض طوعية أو إجبارية, وهي خطوة مخصّصة للاقتراب بالمعرفة بالبشر أولاً وبحاكم هؤلاء البشر ثانياً.

والواقع بعد أن عاش الجميع في المجهول لا بدَّ أن نفهم إننا لسنا وحدنا قد ارتبطنا بهِ بعد أن خرجت مجموعة غير قليلة خارج الحريق وأخرى من خلف القضبان وأخرى وهي الكثرة من أمام الوحش الكبير الذي قد تعلق بالروح أولاً, ثم بالجسد كلياً دون أيّ مواجهة أو تحد أو تململ واضح من النفس ومن عظام الجسد تحولت إلى اقتراب فلسفي مع وضد الآخرين.

إن الدخول إلى المجهول من خلال رواية "حرائق ايروس", للروائي حميد المختار هو الدخول إلى الماضي مباشرة, إلى الاعترافات المكانية داخل المقدس الحكومي, اعترافات ممكن أن تكون أخطاء أو خطايا, وإذا كان الحل الأمثل لفهم طبيعة هذه الرواية وربما غيرها لا بدَّ أن نعتمد على القيم, أولاً، توجد طبعاً قِيم مطلقة في الأدب والإبداع إلا بقدر قليل, فإن النقد غالباً غير مطلق ولا يرضى هذا الناقد أو ذاك, لأن الكل ليسوا مشاهدين ولا قراء, إنما داخل وعي, لكنهُ مختلف في المغامرة, وهذا السحر الذي نتعلمهُ من سر الرواية الإيروتيكي إنها لا تنقذ أحداً حتى الكاتب, ولا تطفئ التناول التقني في تفاصيل الفصول, ولا شيء آخر يلتزم بهِ المؤلف لأهميته.. إلا هوامش الصدق في طبيعة امتثال النص دون فنون معاونة للفكرة الرئيسة.

إن تأثير هذا الأدب يخلق مفهوم الأخوة الأعداء في الدخول لتأييد هذا النوع النادر من قناعة الجميع, منهم من يقول إنه أدب مؤنس وآخر سَمّاه أدب المواخير والآخر الأدب المكشوف والبعض من صَنفهُ على السرد الشهرزادي, لكن الأدب وباعتبارهِ قيمة إنسانية, ومنظومة أخلاقية رفيعة, استهدف الغرب وطرحوا الإيروتيكية في أذهان أشباه الكتاب كدعوة ديمقراطية لنقل الأفكار والخطابات المبتذلة الرخيصة, فذهب كتاب الإيروسية سواء في الرواية وحين لا ينام عقل الكاتب داخل العذاب الجماعي فإنه بالتأكيد يتخلى عن "التابو الجسدي" ويبدأ بالكتابة عن ظواهر المفاتن الجسدية بوضوح ,بعمق, بأسلوب فج حتى يوحي للقارئ بالشبقيّة بمفهومها الواقعي.. وهي أحياناً جرأة غير مبررّة لكونها لا تثير القارئ لإسقاطها من الأدب الغربي المحترف والمتقدم لهذا النوع من الأدب.. لكن في رواية "حرائق إيروس" ابتعد السارد عن الضرورة المسلية للقراءة, واقترب من الحدث السياسي, الحدث الوطني الذي أفقد وطنية الكل باختراقه الروح عن طريق الوجع والأنين والجوع والحصار داخل السكون وخارجه كما يقول أندري غوردن "عندما يباع ويُشترى كل شيء يتم تقويض الأسس التي تجمعها الإنسانية"

من هو عبود الفقير القوي الضعيف, المختار, نموذج حرب, ونموذج استهزاء لامرأة ورجل ونساء ورجال وفيالق وأفواج ضد ما هو راكد ومفضوح وعاجز ومنهار وهارب وساذج وأناس لا تكاد تسمع منهم صدى الرحمة. لا أريد أن أقترب أكثر للدخول في المتاهات الطويلة والمتداخلة في النص, لكنني ربما أقترب من حرق القواعد الأساسية لانفتاح مفردات النقد على الرواية بالذهاب إلى فرعية الصياغة والمهارة الإبداعية للكاتب, فنضع الأسئلة بدل القاعدة, ونقترح الإجابة بدل الفيض من الأمنيات باتفاق الرؤى على مصائر الأنظمة القادمة لهذا الجنس بما فيه اللعبة المقدسة التي اختيرت كفضيحة وتخريب العقل المقدس للشعب بخطوط من هذا الفيض من الوقاحة التي التصقت بالغرف والألسن والحدائق والهوية التي تنتمي لهذا الإنسان أو ذاك.. فما هي الأمنيات؟ ماهي الأسئلة؟ ماهي المعايير التي تتداول بين الضعيف والأقوياء؟ وبين القوي والضعفاء؟ دموع, وحشرجة الخوف, والصبر, والإرادة المنفردة, والتوسل, والمواجهة, الفعل ورد الفعل, الصمت, السكوت, الصدى, وما بعد الصدى, يردد "ولكن يا سيدي ماذا فعلت؟", وكأن الشعب يقول ويصرخ ويهمس: "ماذا فعلنا؟ ".

وكأنما الاعتقاد أن الكل هو الضحية, والكل هو المنقذ...

الوقائع تقول, هنالك وحوش بشرية  تأكل وتشم ما تبقى من القيم الإنسانية المتبقية عبر حوارات عارية الأهداف, وليالي هولاكوية ودم, هنالك نساء لا يعرفنَّ الإجابة الغامضة, وهناك مقتطفات من الضحايا والمغتصبين, هناك دستور جنسي خفي عن الناس, فكلما تطبق مادة مثل الكورال القديم تسمع "هذا شيء حسن يا سيدي, والصدى, أنين, أنين, لا".

وقائع تقول إن أحدى أشهر الروايات العراقية الإيروسية هي "حرائق إيروس" ذلك إن المجتمع الذي كُتبت فيه الرواية ليس أكثر تسامحا مع قارئها, ولأن أمور الحياة لا تسير بالحرية والتلّون والتوزع بالإنصاف والعدالة.

كما إنها تشكل رقماً جديداً لرواية تنفست الجرأة والظهور للاختبار والاختيار معاً وذلك لمعالجة وجه من أوجه التعذيب البشري لشعب ناضل طويلاً من أجل شجرة خضراء ومدرسة للصغار, وكذلك لكنس الظاهرة الفاشلة الأنظمة سريعة الوصول بطيئة الرحيل.

والوقائع تقول إن لهذا الجنس من الروايات, واقترابها من التاريخ الايروتيكي العربي والآسيوي, فيها لغة مستحدثة نسقا ثقافيا عراقيا جديدا ومغايرا لما تعودَّ عليهِ القارئ من استغراق في القراءة رومانسياً أو صوفياً, بل إن حميد المختار لم يكتب روايته على عجل, ولا يسمح بقراءتها على عجل, إن اقترب الكاتب من محنة البطل عبود والرفاق والنساء والسجان والمسجون والمقاتل وربة البيت والأسرة والموائد والعالم الغامض كلها تلقين القارئ فن الحرب بالسلم وفن الفن بالفن وفن الفن بالجنس وفن السياسة بالخراب والإغراء بالطمع, إن هذهِ الفواصل المستقطعة من التراث والفولكلور والتاريخ الايروكي الماضي والوثائق والوقائع والاعترافات كلها تنتمي إلى أفعال متمردة ضد الماضي الخائف والحاضر الحذِّر.