فجر يوم الرابع عشر من أيار عام 2019 ‘ أفل نجم رفيق الدرب عبد الرزاق الصافي في مستشفى رويال فري هوسبيتال في لندن بعد إصابته بنزيف في الدماغ لم يمهله إلاّ بضعة أيام. وبذلك فقد الحزب الشيوعي العراقي رمزاً من رموزه وفقدت الصحافة العراقية علماً من أعلامها.
ولد الفقيد الصافي في مطلع حزيران عام 1931 في مدينة كربلاء، وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية في المدينة نفسها عام 1948. انخرط في النشاط الوطني والديمقراطي في صفوف اتحاد الطلبة العراقي العام في باكورة حياته منذ عام 1948. سجل في كلية الحقوق في بغداد في العام الدراسي 1948-1949. وشارك بنشاط في الكلية مما أدى إلى الحكم عليه بالسجن لمدة 11 شهراً مع وقف التنفيذ، لنشاطه في صفوف الحزب الشيوعي العراقي في عام 1950. في السنة الأخيرة من دراسته في عام 1952، تم تنفيذ الحكم السابق عليه بذريعة الإخلال بالتزامه بعدم النشاط المخل بالأمن! أودع السجن في نيسان عام 1952 وفصل من الكلية ولم يستطع إكمال دراسته وحصوله على شهادة التخرج في السنة نفسها. عاد إلى الدراسة في الكلية في العام الدراسي 1953-1954 ونجح بدرجة جيد ولكنه حُرم من استلام شهادة تخرجه، ولم يستلم شهادته إلاّ في عام 1975 وانتسب إلى كلية الحقوق. ولذا اضطر للعمل في البنك اللبناني المتحد في بغداد لإمرار معاشه. رشّحه الحزب للدراسة السياسية والفلسفة في المدرسة الحزبية العليا في بلغاريا. وظل في بلغاريا بعد انقلاب شباط الأسود حيث عمل كمحرر في إذاعة صوت الشعب العراقي الموجهة ضد الانقلابيين. عاد سراً إلى البلاد قبيل انقلاب عام 1968. عمل في المنابر الاعلامية للحزب الشيوعي العراقي، مجلة الثقافة الجديدة وصحيفة الفكر الجديد وصحيفة طريق الشعب، حيث اصبح رئيس تحريرها منذ عام 1973 وحتى اغلاقها في عام 1979. ونظراً للملاحقة المستمرة وتصاعد شراسة الحكم البعثي، اضطر إلى مغادرة البلاد في أيار عام 1979 بعد العديد من المناورات لتضليل عملاء الأجهزة الأمنية. وانتقل إلى سوريا ثم التحق بصفوف الأنصار. وبعد تشديد الحكم عملياته في كردستان العراق، اضطر إلى مغادرة البلاد واللجوء إلى بريطانيا، إلى أن تراكمت عليه مظاهر المرض ليرحل عنا في هذا اليوم.
تعرفت على الفقيد الصافي في خضم انتفاضة الشعب العراقي عام 1956 للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي. وكان آنذاك، إضافة إلى نشاطه في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، المسؤول الأول عن اتحاد الطلبة العراقي العام بعد أن تم اعتقال غالبية كوادر الاتحاد من قبل دائرة التحقيقات الجنائية قبلئذ. وكان هو المسؤول الوحيد فهو اللجنة العليا والمسؤول عن العلاقات الخارجية وحامل اختام الاتحاد الرسمية. واستمرت علاقته "الاتحادية" بي حتى اندلاع ثورة تموز عام 1958، حيث سلّم المسؤولية إلى الفقيد مهدي عبد الكريم، السكرتير السابق للاتحاد، بعد اطلاق سراحه بعد ثورة تموز. في يوم الثورة كان الفقيد عبد الرزاق الصافي يتنقل بين بيت الشهيد حمزة سلمان، الذي اعتقل ليلة الثورة من قبل التحقيقات الجنائية، وبين بيوت الرفاق لحثهم على دعم الثورة، وطرق بيتنا بوقت مبكر لإبلاغي بالحدث. بعد ذهابه للدراسة الحزبية في بلغاريا وذهابي للدراسة الحزبية في موسكو، ثم اعتقالي في طهران بعد انقلاب شباط (7سنوات في السجن) انقطعت الصلة بيننا حتى رجوعي للعراق في عام 1971 حيث كان الفقيد أول من زارنا في بيتنا وطلب "شربت النارنج" من الوالدة احتفالاَ بالحدث، وهو الذي أعتاد أن يتناوله على الدوام في البيت في عهود مختلفة. واستمرت العلاقة لحين ابلاغه لي في نهاية عام 1978 بقرار الحزب بضرورة مغادرتي العراق بعد اعتقالي مرتين عام 1978 من قبل الاجهزة الأمنية للبعث. والتقينا من جديد في سوريا حيث استقبلني من جديد بعد اطلاق سراحي من السجن الايراني مرة أخرى عام 1981.
سار الفقيد، شأنه في ذلك شأن أجيال الشيوعيين العراقيين، في طريق نير ولكنه وعر حافل بالأحداث الحلوة والمرة، وفقد من فقد طوابير من أعز رفاقه، ولكنه واصل السير على نفس الدرب رغم الصعاب والتعقيدات والحرمانات والسجون ايماناً منه بعدالة القضية. لفقيدنا الغالي آيات من الود والذكريات العطرة لوفائه وتواضعه وتمسكه الدائم بالحزب الشيوعي العراقي وتراثه النير. وليرقد بسلام في مثواه الأخير، ولرفاقه ومحبيه ومعارفه آيات من الصبر والسلوان.

عرض مقالات: