يكشف الكاتب المغربي محمد عبيدة في كتابه "فخر الدين الرازي وصناعة التفسير الكبير" عن البنية المعرفية التي انطلق منها فخر الدين الرازي (544- 606 هجرية)، في مشروعه الشهير: "التفسير الكبير"، كما رصد الأسس والمبادئ التي شكلت الخلفية الفكرية للرازي خلال عمله الموسوعي الشديد الأهمية. يرى الكاتب أنه لا يمكن فهم الرازي، أحد أبرز أعلام الفكر الفلسفي والأشعري في تراث الإسلام والحضارة الإسلامية، إلا بوضعه ضمن الشبكة المعرفية الواسعة التي أحاطت به من علم الكلام، وفلسفة ابن سينا والمعتزلة والبلاغة العربية، الأمر الذي يمكن القارئ من معرفة الكيفية التي جعلت الرازي يصل إلى ما أطلق عليه المؤلف "الأشعرية الجديدة"، أي رؤيته الفلسفية والكلامية التي اتخذ عبرها منهجا جديدا له في تفسير النص القرآني. كذلك يكشف الكاتب عن علاقة الرازي بالعلوم الأخرى، منطلقا من باب "انبناء العلوم على مسلمات مبرهنة في علوم أخرى"، بمعنى أن الرازي لم يكتف بالعلوم المرتبطة بالتفسير فقط، بل جاب علوما أخرى أعطت ذلك الغنى والاتساع في مشروعه التفسيري.

يقول عبيدة: "إن هذه الدراسة تسعى إلى إبراز الأسس والمبادئ المعرفية للتفسير القرآني عند فخر الدين الرازي. وبناء على هذا المسعى، فإن للدراسة هدفين هما: تحديد هذه الأسس والكشف عن أطرها المعرفية، من خلال البحث في المصادر التي استند إليها الرازي لتشكيل نسقه المعرفي، والنظر في التفاعلات المعرفية التي نتجت مع هذا النسق في السياقات الإسلامية، ثم قراءة هذه الأسس في ضوء الوضع المعرفي الراهن، وخاصة في مجالات المعارف النصية والبلاغية، للكشف عن إمكاناتها المعرفية، بغية وصلها بالحاضر، وتجديد النظر فيها.

وعلى هذا الأساس عادت الدراسة إلى السياق المعرفي الذي نشأ فيه الفخر الرازي، لرصد تفاعله مع التيار الاعتزالي، والفلسفة السينوية (ابن سينا)، والأشعرية الكلاسيكية، وهو ما أنتج أشعرية جديدة كانت لها سماتها المعرفية والمنهجية. مع محاولة الكشف عن الصلات التي أقامها الرازي بين هذه الأسس- ذات الأصل الكلامي والفلسفي- وبين علم التفسير، وهي صلات قائمة على مبدأ انبناء العلوم على مسلمات مبرهنة في علوم أخرى. كما عملت الدراسة على تحديد هذه المسلمات الكلامية التي انبنى عليها علم التفسير عند الرازي، وإبراز دورها في إنتاج الإشكالات والقضايا الكلامية، وفي طرائق عرض المعرفة التفسيرية نفسها".

يقدم الكتاب فرصة للتعرف على أبعاد جديدة في مشروع "التفسير الكبير" تتجاوز حدود التفسير المعتاد والكلاسيكي للنص القرآني، نحو قراءة أكثر رحابة وذات صلة بالمعرفة والبلاغة والفلسفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجلة "المجلة" – 14 أيلول 2025

عرض مقالات: