بدا الأمر في البداية كأنه انتصار رمزي لكل قرّاء الماركسية في ألمانيا. في الثامن من نيسان (أبريل) 2025، قضت المحكمة الإدارية في هامبورغ لمصلحة جمعية «المدرسة المسائية الماركسية – منتدى السياسة والثقافة» ضد جهاز حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانيّة).
فقد حظرت المحكمة على الجهاز الاستمرار في تصنيف الجمعية كتنظيم «يساري متطرف» بعدما كانت قد ذُكرت في تقرير للجهاز في 2021، وهو ما كلّفها أيضاً صفة مؤسسة لـ «المنفعة العامة».
لكن ما بدا انتصاراً قد يتحول اليوم إلى سلاح في يد السلطات الألمانية في ظلّ ما تشهده البلاد من تضييق لمساحات الحرية الفكرية والأكاديمية وتجريم الفكر النقدي تحت ذريعة حماية «النظام الديموقراطي»، إذ إنّ حيثيات الحكم المكتوبة، التي كشف عنها الشهر الماضي، ذهبت أبعد من مجرد رفع التصنيف، وتساءلت بشكل جوهري عن مدى توافق الماركسية ذاتها مع الدستور الألماني، لتخلص إلى الزعم بأنّ «الأنشطة المتعلقة بنظريات كارل ماركس تقف من حيث المبدأ في تعارض مع النظام الديموقراطي الحرّ».
تأسست «المدرسة المسائية الماركسية» في عام 1981، واشتهرت بتنظيم حلقات قراءة معمّقة في المجلد الأول من «رأس المال»، إضافة إلى نشر الكتب وتنظيم الندوات غالباً في جامعة هامبورغ.
ورغم أن المحكمة أقرت في نيسان الماضي بأنّ صلة الجمعية بالحزب الشيوعي الألماني لم تعد حاسمة (عضو واحد فقط من أصل 26 ينتمون إلى المدرسة فاعل في الحزب)، وأن منتسبيها يفتقرون إلى «الموقف النضالي الفعال» اللازم لقلب النظام، إلا أنها رأت أن مجرّد الارتكاز على ماركس يكفي لاعتبار المشروع «غير متوافق» مع الدستور.
وقالت المحكمة في الحيثيات إنّ نظرية ماركس تقوم على قلب النظام الاقتصادي والاجتماعي، وليس على مجرد إصلاحه، وإن الحديث عن «ديكتاتورية البروليتاريا» يعبّر عن إقصاء شرائح اجتماعية من المشاركة السياسية، ما يعني نزعةً لا ديموقراطية وفقاً لتفسير المحكمة. واعتبر قانونيون هذا الحكم سابقة خطيرة، إذ يعني أن «أي جمعية ثقافية قد تُعنى بقراءة ماركس يمكن أن تُعدّ بحدّ ذاتها موضع شبهة دستورية، ما يفتح الباب لملاحقة أي نشاط ماركسي أكاديمي أو فكريّ آخر»، فيما تساءل آخرون عما إذا كانت الرأسمالية بحد ذاتها قد أصبحت جزءاً من الدستور الألماني لا يمكن المساس به.
من جهتهم، قال منتسبو المدرسة إن المحكمة أساءت قراءة ماركس، إذ عاملت نصوصه كأنها كُتبت اليوم من دون سياقها التاريخي، متجاهلة أن ماركس نفسه دعا إلى تكييف وسائل التغيير بحسب الظروف. وأكد بيان للمدرسة بأنّها ليست تنظيماً ثورياً، بل فضاء تعليمي نقدي، وأنها تتعامل مع الماركسية أساساً كأداة تحليل للرأسمالية.
العارفون بدواخل المدرسة قالوا إن منتسبيها يفكرون الآن في استئناف الحكم، لكنهم سيبدؤون أولاً بفعل ما أجادوا فعله منذ أربعة عقود: تنظيم ندوة نقاش مسائية جديدة حول ما إذا كانت الراديكالية الفكرية تهديداً للديموقراطية لمجرد كونها راديكالية، وهل ستصبح قراءة ماركس جريمة يعاقب عليها دستور (ساكسونيا) الجديد – نسبة إلى دستور ولاية ساكسونيا الألمانية المتعسف (1831)؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الأخبار" اللبنانية – 25 آب 2025