الخلاصة الاولى: إن نجاح أي تكتيك مرهون بتحقيق التوازن المطلوب بين الهدف المطلوب تحقيقه والامكانيات المتاحة لإنجاز ذلك الهدف. والخلاصة من هذا التحديد بسيطة وواضحة وهي أنه اذا لم يراع تحقيق التوازن بين الهدف المطلوب والامكانيات المتاحة، وإذا لم تؤخذ كل هذه المبادئ/القواعد العامة في الاعتبار عند تطبيق أي نشاط تكتيكي – او استراتيجي -، فإن الفشل يكون في انتظار مثل هذا النشاط في الاغلبية الساحقة من الاحوال.
الخلاصة الثانية: التكتيكات ينبغي أن تتبع الاستراتيجية وتشتق منها. ولكن لا ينبغي ان يستخلص من هذا التأكيد استنتاج خاطئ يجعل من تلك التكتيكات تؤدي دورا سلبيا أو ذيليا للإستراتيجية، بل إنها - أي التكتيكات - تمارس تأثيرها على الاستراتيجية وتحدد نجاحها أو فشلها. ويكمن السبب في ذلك في حقيقة ان العام لا يتشكل ولا يوجد في فراغ أو بمعزل عن الخاص وإنما هو يكمن فيه ويرتبط به إرتباطا وثيقا، بل إنه في الحقيقة يتكون من مجموع الجزيئات والمتفاعلة مع بعضها البعض.
الخلاصة الثالثة: لا يكفي فقط صياغة استراتيجية واضحة وانتاج تكتيكات صحيحة ومعللة من الناحية العلمية، بل لابد من التأكيد على أهمية وجود قيادة سياسية كفؤة، تمتلك خطاً سياسياً واضحاً ووعياً طبقياً سليماً، ومنخرطة في العمل السياسي بين الجماهير، وتمتلك الجرأة على الانتقال المرن من تكتيك الى آخر إنطلاقا من الأطروحة اللينينية التي تؤكد على: "التحليل الملموس للوضع الملموس" ، وبالتالي إنتاج تكتيكات جديدة واعتماد تحالفات جديدة والبحث عن قوى جديدة، وعدم التمسك بنظام "الوصفات الجاهزة" التي عادة ما تكون خارج الزمان الملموس والظرف المحدد.
الخلاصة الرابعة: وكما أن النضال من اجل تغيير اجتماعي حقيقي تقوده احتياجات القطاعات الاكثر تعرضا للقهر والاستغلال في المجتمع هو فقط الذي يستطيع انهاء القهر والاستغلال، فإن وضوح الخط السياسي والاهداف الاستراتيجية للحركة المناهضة للنظام المهيمن غير كافية لوحدها إذا لم يتم التوليف السليم لطائفة من التكتيكات ووسائل النضال، وتوظيف الانتصارات التكتيكية حتى البسيطة منها لخدمة الهدف الاستراتيجي. ولا يكفي الاقرار بتنوع وثراء اشكال النضال، بل الاهم هو تحقيق التوازن المطلوب بينها في الوقت المحدد واللحظة التاريخية الملموسة.
الخلاصة الخامسة: إن النصر لا يتحقق بإختيار التكتيكات ذاتها فقط ولكن بكيفية التوظيف الاستراتيجي لها أساسا.
الخلاصة السادسة: في الوقت الذي لا يمكن انكار القوة الهائلة لعفوية الجماهير وتعاظم روحها الثورية، حيث في مثل هذه اللحظات التاريخية يظهر الى السطح بإندفاع، انزعاج وغضب الجماهير المستغَلة اللذان تراكما وظلا خافتين عشرات السنين، فإن مثل هذا الاندفاع لوحده، وعلى اهميته، لن يكون كافيا لتحقيق الهدف. فمن الضروري لتحقيق الهدف الاستراتيجي، القيام بعمل تحضيري طويل الامد لقوى المجتمع، وبدون هذا العمل، وبدون ادراك الجماهير لضرورة النضال ضد الاضطهاد الاجتماعي ومن اجل العدالة والمساواة، لا يمكن تحقيق النصر الاستراتيجي. وهنا تكمن اهمية ودور التنظيم في إكساب النشاط العفوي للجماهير طابعا منظما، وتأطيره وتحويله الى قوة مادية هائلة من خلال صياغة تكتيكات مناسبة، وبلورة شعارات ملموسة تصب جميعها في تحقيق الهدف الاستراتيجي للمرحلة التاريخية المعنية.
الخلاصة السابعة: إن اختيار الشكل النضالي المناسب في مراحل وظروف معينة هو عامل حاسم في تقرير نتيجة معركة محددة بالكسب أو الخسارة، وربما يؤدي إلى الانتصار النهائي في معارك سياسية فاصلة أو الى هزيمة ماحقة على الصعيد الاستراتيجي. وعليه فإن قرار استخدام هذا الشكل النضالي أو ذاك إنما يعكس ويحدد مستوى نضوج وعي وكفاءة المركز القيادي صاحب هذا القرار وقدرته على تحضير منظماته، في استيعاب هذا الشكل النضالي أو ذاك، ومدى قدراتها الفعلية على مختلف الصُعد: التنظيمية، والسياسية، والفكرية، والعسكرية …. الخ لوضع هذا الشكل النضالي موضع التطبيق. وبمقابل ذلك من الخطأ أن يحصر الحزب السياسي نفسه في شكل نضالي واحد ووحيد، ويتجاهل كلياً تحضير منظماته ورفاقه لأية انعطافة سياسية قد تجبره على تغيير استراتيجيته وتكتيكاته واشكال نضاله في اللحظة الملموسة، وفي التاريخ كثير من الامثلة التي تؤكد ذلك.
الخلاصة الثامنة: أهمية وضرورة حفاظ الحزب الثوري على استقلاله السياسي والفكري والتنظيمي خلال التحالفات السياسية التي يعقدها مع الاطراف الأخرى، وأن أية قيود توضع للحد من هذه الاستقلالية في صيغة التحالف تؤدي إلى الإخلال بميزان القوى وتساهم في عزل الحزب عن الطبقة العاملة والجماهير الشعبية وتضعف فاعليته في النضال الطبقي والاجتماعي والوطني. إن التحالف مع الطبقات والفئات الأخرى وقواها السياسية لا يمكن أن يلغي الوجه الآخر للتحالف، أي الكفاح، أي أن لا يخضع هذا الكفاح لموضوعة التضامن فقط، بل يجب الربط جدليا بين الكفاح والتضامن. لقد أوضحت العديد من التجارب ومن بينها تجربة الحزب الشسوعي العراقي أن ضمان نجاح سياسة التحالف يعتمد على تثقيف الجماهير وتعبئتها وزجها في النضالات المستقلة لتحقيق برنامج التحالف وتطويره وتعميقه. ومن هنا يتعين على الحزب الشيوعي أن يطور نشاطه المستقل بين الجماهير وتعبئتها وتحريكها في النضالات اليومية من اجل حقوقها الديمقراطية والدفاع عن مكاسبها وتطويرها، انطلاقا من أن الحريات الديمقراطية تكتسب بالنضال اليومي المتواصل ودون كلل، ولا يمكن أن تكون هبة من القوى المسيطرة التي تفرض سيطرتها على الجماهير وتقنن حرياتها وحقوقها الديمقراطية.
الخلاصة التاسعة: ان احد المبادئ الاولية لأي حزب ثوري يتمثل بالربط الدائم لأي تحالف سياسي، مهما كان مؤقتا ومحدودا، بالامكانية الملموسة والفعلية لتطور ميزان القوى العام بشكل اكيد في اتجاه التقدم. وان هناك مبدأ من المبادئ الاساسية هو السهر الدائم على ابعاد خطر تضبيب الرؤية لدى الجماهير والقوى الديمقراطية بخصوص الخط الذي يفصل بوضوح بين التقدم والرجعية، وتفادي انتشار أي وهم حول امكانية التفاهم بينهما مهما كانت صغيرة او ظرفية.
ومن هنا فان ان السياسة المستقلة لـ (حشع)، كحزب ثوري، تقاس بنوعية واتساع وعمق علاقته بالجماهير بالاساس. هذه السياسة المستقلة هي اذن، بجوهرها ذاته، وحدوية وإلا فانها لن تعبر الا عن مصالح حرفوية لجهاز حزبي او لـ "طائفة سياسية".
ان المقياس الرئيسي للطابع الطبقي لخطنا السياسي ولاستقلاله الحقيقي هو اذن ارتباطه الوثيق بالحركة الجماهيرية والديمقراطية والتقدمية في وحدتها وصراعها.
الخلاصة العاشرة والأخيرة: كثيرا ما يجري ترديد القول بان الجماهير هي التي تصنع التاريخ. لكن يجب ان نكون واضحين هنا: فالقول بأن الجماهير هي التي تصنع التاريخ يمكن ان يؤاتي تماما الشعبوي. اما الماركسي فهو يحرص دائما على الاشارة بأن الجماهير يمكن ان تصنع التاريخ اما تلقائيا، أي باعتبارها موضوعا لهذا التاريخ، او ان تصنعه بوعي وتكون بهذا فاعلا نشيطا وثوريا لهذا التاريخ. في الحالة الاولى يتضاءل دور "الطليعة"، وفي الحالة الثانية يكبر دورها.
واستنادا الى التجربة التاريخية الملموسة، فان الطابع الطبقي للحزب الثوري يقاس بمدى قدرته على الدفع الصبور، يوما بعد يوم، للنشاط الواعي والمنظم والواسع للناس حول ابسط مصالحهم الحقيقية والمادية والانسانية اليومية، واكتشاف طرق واشكال توحيد هذه الانشغالات في خضم حركة الحياة، والتوجه الشامل لهذه القوة الديمقراطية والتقدمية الضخمة ضد المجتمع القديم واسسه والقوى السياسية التي تمثله.
استنادا الى تحديد دقيق لطبيعة المرحلة التي تمر بها بلادنا وتناقضها الرئيسي الناظم لها والتناقضات الثانوية المرتبطة به والمتفاعلة معه في وحدة جدلية، ازعم ان (حشع) يعتبر ان المهمة العاجلة الاساسية من بين كل المهام، هي توجيه النضالات اليومية في اشكالها المتعددة من اجل ابراز التناقضات الحالية في مجتمعنا وتفاعلاتها المتبادلة. وهي ايضا في نفس الوقت – تتمثل في خوض معركة واسعة وحازمة من اجل تشديد التناقض الرئيسي الناظم للمرحلة الراهنة وحله باتجاه تفكيك النظام المحاصصي/الطوائفي لصالح المشروع الوطني/المدني/الديمقراطي عبر توسطات مختلفة وتحالفات متعددة.
بالمقابل، يجب تعميق التناقضات داخل الجبهة الايديولوجية للقوى المهيمنة والكشف عن مناوراتها ومشاريعها، واجبارها على التخلي عن خياراتها المدمرة من خلال النضالات اليومية وتطوير الحركة الاحتجاجية وترقيتها ورفدها باشكال جديدة ومتنوعة الثراء.