اكتسب مصطلح "الانتهازية تعريفاً عاماً يتمثل في: (اغتنام الفرص عندما تتاح، بغض النظر عن المبادئ)..

كما أن الانتهازية هو مصطلح يحدد ميلاً أيديولوجياً واتجاهاً رجعياً داخل أي حركة ومنظماتها، وهي بمثابة خيانة للمبادئ من أجل تحقيق مكاسب قصيرة الأجل.

إن تغيير الموقف السياسي (للأفراد أو الجماعات)، واستغلال ظروف معينة لتحقيق مكاسب ذاتية ضيقة، يقلل من قيمة المبادئ التي لا يمكن المساومة عليها، وتحويلها (أي المبادئ) إلى تكتيكات يمكن أن تتغير حسب نزوات الافراد أو الجماعات. والأخطر من كل ذلك عندما تتنازل الانتهازية عن المبادئ، أو أن لا تلتزم بالمبادئ عن عمد. إن الذين ينخرطون في الانتهازية يرون بوضوح الخطوط التي يتجاوزونها ويتلاعبون بها عن وعي من أجل اجنداتهم الخاصة.

إن الخداع متأصل في المنظور الانتهازي، التظاهر بشيء وفعل شيء آخر، والتظاهر بالتوافق مع الجماعة في حين يتحين الفرص لتحقيق مكاسب خاصة. فالانتهازي هو الشبح الحقيقي الذي يجلس عند الباب الآخر، هو الشخص الذي يتظاهر بأنه معك ولكنه في الواقع جزء منهم، هو الذي لديه خط واحد في العلن وآخر في الخفاء.

وكثيراً ما يحول الانتهازيون القضايا الشخصية إلى سياسية، ويقللون من أهمية التناقضات السياسية ليعتبروها خلافات شخصية.

وعموماً ولكي يتم تنفيذ الخطط الانتهازية يتطلب الأمر وجود أشخاص متشابهين في التفكير، لينتج تكتلاً يقوض التماسك التنظيمي والانضباط والوحدة الإيديولوجية.

لينين والمبادئ التي اتبعها في عمله النظري والعملي:

  1. الشخصية العلمية والنهج الطبقي

يمكن العثور على تعريف أكثر دقة ووضوح للانتهازية عند لينين، حينما يقول: (غالبا ما يُنظر إلى هذه الكلمة بشكل خاطئ على أنها "مجرد مصطلح إساءة)، ولا يتم بذل أي محاولة لفهم معناها. ويقول: (إن الانتهازي لا يخون حزبه، ولا يتصرف كخائن، ولا يهجره، بل يواصل خدمته بإخلاص وحماس. ولكن صفته النموذجية والمميزة هي أنه يستسلم لمزاج اللحظة.. هو قصير النظر سياسياً.. إن الانتهازية تعني التضحية بالمصالح الدائمة والأساسية للحزب من أجل مصالح آنية وعابرة وثانوية).

كما ان لينين رفض استخدام النقد كوسيلة للاتهامات العاطفية، أو وسيلة للشتائم. وكان لينين يعتقد أن (تلوين الحقيقة أمر غير أخلاقي). وأصر على أن (الماركسيين ... لا يعتبرون النقد الصحيح إلا من وجهة نظر طبقة معينة).. وكان لينين نفسه ينتقد دائماً كل شيء من وجهة نظر طبقية، أي الطبقة العاملة، وكان يهدف دائماً إلى اكتشاف وكشف التناقضات الحقيقية من أجل فرزها وحلها. وأولى اهتماماً خاصاً للأنماط النموذجية لسلوك الانتهازيين، وخاصة إحجامهم عن إعلان مواقفهم بوضوح، فالانتهازي، بطبيعته، يتجنب اتخاذ موقف واضح وحاسم، ويسعى دائماً إلى مسار وسط، ويتلوى مثل الأفعى بين وجهتي نظر متعارضتين ويحاول "الموافقة" على كليهما وتقليص اختلافاته في الرأي إلى تعديلات تافهة.

كما كان لينين يرى أن القضايا الأساسية لا يتم حلها دائماً عن طريق التصويت، ولكن في بعض الأحيان يتم ذلك في عملية النضال نفسها، فهو لم يكن خائفاً من أن يكون في الأقلية، فأن الحياة والنضال سيثبتان من هو على حق. مؤكدا أنه (لا ينبغي لنا أن نخاف من أن نبقى في الأقلية).

  1. التحديد والموضوعية

لم يكن لينين يوجه انتقادات للانتهازية نظرياً، بل كان يكافح ضد مظاهرها الملموسة.. وكان لينين يؤيد المباشرة وبساطة التعبير، ووجوب إخبار الناس بالحقيقة المرة ببساطة ووضوح وبطريقة مباشرة، فكان مثلاً يطلق على كاوتسكي تعبير (المنشق كاوتسكي)، على الرغم من مزاياه الواضحة للحركة.

وكان لينين يدين أي محاولة لتجاهل التحليل الطبقي للظرف الموضوعي. إن انتقادات لينين لبليخانوف ومارتوف وتروتسكي وبوخارين، والعديد من رفاقه الذين انشق بعضهم عن مواقف البروليتاريا، لا تترك لنا أي شك في أن لينين لم يتردد قط في استخدام انتقاداته في ظل ظروف محددة وتجاه أشخاص محددين "بوضوح وشفافية".

  1. الاتجاه الإيجابي والنهج البناء

لم يكن انتقاد لينين يهدف قط إلى إلحاق الهزيمة العلنية بخصمه الإيديولوجي أو منافسه السياسي، بل كان يسعى دائماً إلى تطوير الحركة وتعزيز المنظمة. (قبل أن نتمكن من التوحد، ومن أجل أن نتمكن من التوحد، يجب علينا أولاً وقبل كل شيء رسم خطوط فاصلة ثابتة ومحددة). إن مهمة نقد لينين ليست تشخيص وإدانة الأمراض فحسب، بل علاجها: (إن الحزب السياسي لن يستحق أي يحترم إذا لم يجرؤ على تسمية مرضه باسم حقيقي، وتشخيصه بلا رحمة، والبحث عن وسائل علاجه).

  1. الاستمرارية، التصلب، الالتصاق والدعاية

إن تاريخ حزب لينين بأكمله هو تاريخ النضال ضد الاتجاهات الإيديولوجية المعادية للمصالح الأساسية للطبقة العاملة.

فتقييم لينين للانتهازية باعتبارها العدو الرئيسي للحركة العمالية لم يحتفظ بطابعه الحالي فحسب، بل أصبح أكثر أهمية حيث اتخذت البرجوازية الحديثة الانتهازية التي كانت في السابق وسيلة بسيطة للمصالحة وحولتها إلى سلاحها المتحكم الذي يتجلى في الردة العلنية ومراجعة النظرية. يحدد لينين الموقف الثابت في النضال ضد الانتهازية بتأكيده: (إن النضال ضد الإمبريالية هو خدعة وخداع ما لم يكن مرتبطاً بشكل لا ينفصم بالنضال ضد الانتهازية). في أغلب الأحيان وفي كل الأوقات يقترح الانتهازيون الامتناع عن النقد بحجة الاهتمام بوحدة صفوف الحزب.

في هذا الصدد أشار لينين إلى ان (الوحدة شيء عظيم وشعار عظيم.

ولكن ما تحتاج إليه قضية العمال هي وحدة الماركسيين، وليس الوحدة بين الماركسيين ومعارضي الماركسية ومشوهيها).

ويقول (لا يمكن إلا للأوغاد أو البسطاء أن يعتقدوا أن البروليتاريا يجب أن تفوز أولاً بالأغلبية في الانتخابات التي تُجرى تحت نير البرجوازية، وتحت نير عبودية الأجر، ويجب أن تفوز بالسلطة بعد ذلك. هذا هو قمة الغباء أو النفاق؛ إنه استبدال الصراع الطبقي والثورة بالانتخابات، في ظل النظام القديم ومع السلطة القديمة).

  1. مخاطبة جماهير البروليتاريا

لقد أكد لينين أن البلاشفة هزموا المناشفة أولاً وقبل كل شيء لأنهم تمكنوا من كسب أغلبية البروليتاريا الواعية.. (إن الجماهير العاملة لديها حدس دقيق يمكنها من التمييز بين الشيوعيين الصادقين والمخلصين وأولئك الذين يثيرون اشمئزاز الناس).6. النقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء لقد ذكر لينين: (لا شيء يستطيع أن يدمرنا سوى أخطائنا).. كل الأحزاب الثورية التي هلكت حتى الآن، هلكت لأنها أصبحت مغرورة، لأنها فشلت في رؤية مصدر قوتها وخافت من مناقشة نقاط ضعفها، والتعلم على كيفية التغلب عليها. وأخيراً، يجب على الشيوعيين المعاصرين المسلحين بتجربة بناء الاشتراكية وأفولها.. وتجارب أحزابهم، نجاحاتهم واخفاقاتهم.. أن يتوصلوا إلى الاستنتاجات اللازمة لتجنب تكرار الهزائم لتي ولدتها الانتهازية على كل الأصعدة، وعلى عموم الحركة الشيوعية العالمية.

عرض مقالات: