اعتبر إبن خلدون في مقدمته (عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، دار القلم، بيروت، 1986) الريع بمثابة “كسب” وميّزه عن “الرزق” الذي يتطلب جهدا. حيث يقول في الباب الخامس وفي الصفحة 380:” ان الكسب هو قيمة الاعمال البشرية.. ثم أعلم أن الكسب هو بالسعي نحو الاقتناء والقصد الى التحصيل أما الرزق فلا بدّ له من سعي وعمل ولولا العمل لم تحصل قيمتها وان الكسب الذي يستفيده البشر إنما هو قيم أعمالهم “. ويقول في الفصل الرابع “ إن ابتغاء الاموال من الدفائن والكنوز ليس بمعاش طبيعي. وهكذا فرّق بين “الكسب” و “الرزق” .

والريع ( (Rent اصطلاحا هو دخل مضمون لمدة طويلة من الزمن.

وكمفهوم اقتصادي عام يعني الريع إيرادا دون سعي أو عمل. اما بالمفهوم الاقتصادي الكلاسيكي فإن الريع هو التصريف الاقتصادي لحق او لاحتكار الملكية او استثمار مورد اقتصادي معين. وبما ان الثروة هي نتاج اجتماعي فإن حجبها عن المجتمع بستار حقوقي من الملكية الخاصة يمكّن مالكها من التحكم بتصريفها اقتصاديا، فلا تعود لأداء وظيفتها الاجتماعية إلا بعد اداء جزية او أتاوة Royalty معينة يتحملها المستثمر بشكل مباشر، والمجتمع في نهاية المطاف تجاه المالك أو “واضع اليد عليها”.

وفي النظرية الاقتصادية، الريع هو الدخل المتأتي عن عامل طبيعي بسبب الخصائص الفنية لهذا العامل. ويعرفه بعضهم بأنه: كل دخل دوري غير ناتج عن العمل، أو الدفعات المنتظمة المتأتية عن الملكية العقارية. والريع بمفهومه الواسع ينصرف الى كافة اشكال الدخول الراجعة الى هبات الطبيعة، كالمناجم والمعادن والنفط.

وفي ضوء ذلك يمكن القول ان الريع مفهوم متعدد الجوانب وتطور عبر الزمن ولكنه بقي محافظاً على جوهره مع تعدد أشكال ظهوره بأنه الدخل غير الناتج من العمل.

وباعتباره مقولة اقتصادية – اجتماعية، فإن الريع هو الشكل الذي يتخذه المنتوج الفائض والذي تتجسد فيه العلاقة بين طبقة المالكين من جهة، وبين طبقة المستثمرين والعاملين من جهة، وبين طبقة المستثمرين والعاملين والمجتمع، من جهة اخرى. 

ورغم ان الريع ظاهرة عامة تعرفها جميع الاقتصادات، بهذه الدرجة او تلك، إلا ان الخلاف بينها ينحصر اساسا في مدى الاهمية النسبية التي يمثلها الريع بالمقارنة مع بقية مصادر الدخل الاخرى (1). فمثلا ظاهرة الريع لا تمثل عادة في الاقتصادات الحديثة سوى نسبة ضئيلة من الناتج القومي، فضلا عن أنها كثيرا ما تكون مؤقتة، وهذا عكس الحال بالنسبة الى الدول النفطية.

من جانبه، يرى ماركس الريع فى علاقته المباشرة بالملكية الخاصة للتربة من خلال احتكار طبقة اجتماعية معينة للأرض، ويعرّف الريع بأنه ذلك الجزء من فائض القيمة الذى يحصل عليه مالك الأرض، ولكنه دخل غير مكتسب، فمالك الأرض لا يسهم في عملية العمل الاجتماعى ولا يبيع قوة عمله، وهو يحصل على الريع بوصفه “المالك القانونى للأرض” التى تستخدم فى إطار الإنتاج الرأسمالى استخداما ينتج عنه فائض قيمة.

ونظرا لعدم شمول علاقة الريع بمفهومها الكلاسيكي لجميع الظواهر التي تحدد العلاقة الاساسية السائدة في مجتمعات البلدان النامية نتيجة لتعايش انماط وعلاقات انتاجية عديدة، والدور الخاص الذي تلعبه الدولة، فقد اضاف بعض الاقتصاديين الى مقولة الريع التقليدية صفة “المركزي” لتميزها عن الريع الاقطاعي التقليدي (2). ان صفة “المركزي” هنا تشير الى دور ووظيفة ومكانة الدولة وجهاز الادارة العامة، وبشكل عام، العلاقات السياسية، في الحياة الاقتصادية، وفي طابع الريع، كعلاقة اساسية في هذه المجتمعات، بطابع خاص متميز.

وتشمل مقولة “الريع المركزي” جميع المداخيل الطفيلية غير الناجمة عن نشاط انتاجي، وهي:

  1. القسم الاعظم من المداخيل الحكومية في الدول التي تعتمد بشكل اساسي على تصدير سلع لا تتحد اسعارها بفعل عمل قانون القيمة على نطاق الاقتصاد الوطني، وانما تتحدد بفعل عمل قانون القيمة على المستوى العالمي. والفرق بين قيمة السلع على المستوى العالمي وقيمتها على المستوى الوطني يشكل ريعاً. غير ان هذا الريع لا يظهر إلا في شروط محددة. فمثلا بعد سنوات السبعينيات من القرن الماضي، ونتيجة تحولات شهدتها النسق الرأسمالي العالمي بـ “مراكزه” و”اطرافه” انفصل الريع الى حد كبير عن الربح الرأسمالي لينتقل الى ملكية الدول المصدرة للمواد الاولية والخامات وفي مقدمتها النفط. غير ان من المفيد الاشارة هنا ان انفصال الريع عن الربح الرأسمالي قد لا يتعدى التمايز الحقوقي الشكلي، بينما يبقى من الناحية الاقتصادية الفعلية ملتصقاً بالربح الرأسمالي ومندمجاً به وخاضعاً لآلياته على النطاق العالمي.
  2. الاموال التي تحصل عليها بعض الدول الفقيرة من الدول الغنية تحت مسميات مختلفة مثل القروض والاعانات والمساعدات والهبات وغيرها.
  3. القسم الاكبر من ارباح المقاولات التي ينفذها رأس المال الاجنبي والمحلي وذلك لأن هذه المقاولات لا تعقد وفق قوانين السوق والمنافسة وإنما على أساس “التواطؤ الرضائي” مع الجهاز الاداري – السياسي. ولهذا لا يمكن اعتبار “الأرباح” التي تحققها ارباحاً رأسمالية، وانما ريوع مشتركة يتقاسمها رأس المال مع اجهزة السلطة الشريكة له في اكثر الاحوال.
  4. المداخيل الضخمة المتحصلة للرأسمالية والوسطاء وغيرهم من المتعاملين بالمضاربات سواء في القطاعات العقارية او النقدية – المالية كالذهب والعملات الاجنبية والأسهم وغيرها من اشكال الثروة غير المنتجة.
  5. من الاشكال السابقة جميعها يتولد نوع آخر من “الريع المركزي” هو “التصريف الاقتصادي لاحتكار حق اتخاذ القرار” وهو ما تحصل علية الفئات القائمة على التسيير الاداري للمصالح التي تولد وتخدم اشكال “الريع المركزي” المشار إليها سابقاً وتؤمن تجديد انتاجها المستمر والموسع.

من الناحية المنهجية نحتاج للتمييز بين مفهوم “الدولة الريعية” ومفهوم “الاقتصاد الريعي”. وهو ما سنعالجه في موضوع لاحق.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش

(1) لمزيد من التفاصيل قارن: حازم الببلاوي، الدولة الريعية في الوطن العربي، في: الامة والدولة والاندماج في الوطن العربي، ج 1 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1989)، ص 279 – 280.

(2) انظر على سبيل المثال: د.عارف دليلة، بحث في الاقتصاد السياسي للتخلف والتقدم والنظام الاقتصادي العالمي (بيروت: دار الطليعة، 1982)، ص 120 ولاحقا.

عرض مقالات: