صدرت عن دار الطليعة الجديدة، في دمشق، طبعة جديدة من كتاب فريدريك إنجلس «ضد دوهرنغ، ثورة السيد أوجين دوهرنغ في العلوم»، تقع في 495 صفحة من القطع المتوسط، استقت كامل النص العربي الصادر عن دار التقدّم في موسكو عام 1984 بعد تنقيحه في عدة مواضع تلافياً لبعض الهفوات والنواقص، وتوخياً لمزيد من الدقة العلمية والأدبية التي تميز بها نص إنجلس الأصلي بالألمانية.
نُشر الكتاب لأول مرة عام 1878، وما زال حتى يومنا أفضل عرض منهجي للماركسية بوصفها علماً ثلاثي الأركان «الفلسفة المادية الديالكتيكية والفهم المادي للتاريخ، والاقتصاد السياسي، والاشتراكية العلمية».
والكتاب ثمرة نضوج الماركسية في فترة من التطور السريع للرأسمالية وبدء دخولها طورها الاحتكاري بعد أزمة 1873 الاقتصادية العالمية وكذلك بعد كومونة باريس 1871 ودروسها التي من أهمها أن تحقق الثورة البروليتارية بنجاح أمر مستحيل دون حزب بروليتاري جماهيري قوي يستند إلى مبادئ الشيوعية العلمية.
إن الشكل الانتقادي للعمل كجدال يرد فيه إنجلس على حجج «دوهرنغ» المعروضة في اقتباسات، قد أملته الحاجة للرد على آراء هذا المفكر البرجوازي الصغير الذي تهجم على أقسام الماركسية الثلاثة مدعياً تكوين نظام شامل جديد للفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية، رغم أن آراءه لم تكن سوى خليط من المادية المبتذلة والمثالية والاقتصادية المبتذلة والاشتراكية الزائفة «الاشتراكوية». ولم يكن الحزب آنذاك قد تضلع تماماً بمبادئ الاشتراكية العلمية بعد، وكانت الطبقة العاملة متأثرة بألوان الاشتراكية الطوباوية ما قبل الماركسية، فكان لا بد من الدفاع عن تعاليم ماركس وتطويرها وتبسيطها.
في هذه الطبعة سيجد القارئ ما يساعده على فهم أفضل للسياق، وخاصة أمام غنى الأمثلة والتفاصيل من علوم ومجالات متعددة: الفلسفة، رياضيات التفاضل والتكامل، الميكانيك وعلم الفلك، الفيزياء والثرموديناميك، البيولوجيا والداروينية، الطب والباثولوجيا، الاجتماع والاقتصاد والسياسية، والعلوم العسكرية، والأخلاق والتشريعات والفن وغيرها... والتي من النادر أن يلم بها فرد واحد، لكن إنجلس كان «موسوعة تمشي على قدمين» كما وصفه ماركس، «ومن المستحيل فهم الماركسية أو تقديم وصف كامل لها دون الإلمام بجميع أطروحات إنجلس» كما أكد لينين.
نُشر هذا الكتاب بمختلف لغات العالم خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وقد نُشر بشكل كبير إلى جانب بقية الكتب الماركسية أثناء وجود الاتحاد السوفييتي.
وتضيف دار الطليعة الجديدة اليوم طبعة جديدة «نقدية» من الكتاب إلى المكتبة العربية؛ بمعنى أنها تتميز بعدد واف من الملحوظات والحواشي الإضافية التي تساعد القارئ،
في القرن الحادي والعشرين اليوم، من استيعاب عصري لبعض التفاصيل العلمية والتاريخية والفلسفية التي تركها لنا إنجلس من القرن التاسع عشر، مع ربطها بأبرز التطورات ذات الصلة التي استجدت خلال فترة ما بعد إنجلس وحتى يومنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“قاسيون” – 1 أيار 2023