من الشائع تحديد مكانة التقاليد الماركسية الغربية في أوروبا الغربية، ومن الشائع أيضا القول بأن التقليد الماركسي ظل ضعيفا سياسيا ونظريا في الولايات المتحدة قبل ستينيات القرن العشرين- ولم يكن ذلك بدون أسباب طبعا. مع ذلك، كانت هناك تيارات ماركسية غير تقليدية خارج الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة، انجذب الكثير منها إلى “الحرية الفكرية” النسبية التي قدمها تروتسكي حسب رأي الباحث أندرو هارتمان (حوار معه 2018 حول ماركس في الولايات المتحدة). وشاركه في هذا الرأي الباحث بول بوهل الذي يضيف في كتابه “الماركسية في الولايات المتحدة: تاريخ اليسار الاميركي 2013): «كما هو الحال في أوروبا، تحول الكثيرون إلى قضايا علم الجمال، وانخرطوا في نقد للثقافة مستنير بالماركسية». كما كانت هناك أيضا محاولات لقراءة غير دوغمائية لماركس نفسه قبل الستينات. مثالنا كتاب “من هيغل الى ماركس” للفيلسوف سيدني هوك، الذي يجمع بين الماركسية الهيغلية والبراغماتية. في هذا الكتاب الصادر عام 1936 تتبع هوك التطور الفكري لماركس، وفي مقدمته للطبعة الثانية عام 1962، ركز على مفهوم الإغتراب عند ماركس، الذي ينص على أن «الرجال ليسوا أحرارا في خلق أو إعادة تحديد طبيعتهم الخاصة» عندما يتعين عليهم «العمل من أجل العيش بدلاً من تحقيق الذات». ويتابع، «الإنسان غير المغرّب هو الإنسان المبدع ، أي انسان يعمل في عمل مهم أو ذي مغزى». لكنه يدعي أن هذا لا يتعلق حصريا باقتصاديات السوق الرأسمالية. وهو يصر على أن ماركس كان سيرفض «الصورة الكاريكاتورية الفظيعة والرهيبة لمثله الاجتماعية» في المجتمعات الشيوعية القائمة. ووفقا لرأي الباحث أنغو ألبه فان فكر هوك يتضمن العديد من العناصر التي تميز الماركسية الغربية: عودة إلى أعمال ماركس المبكرة، إحساس بالإرث الهيغلي والإمكانيات الإنسانية النقدية الموجودة فيه، ومعارضة الستالينية.
في عام 1986 نشر المؤرخ الأميركي مايكل ديننغ مقالته الشهيرة التي حملت عنوان “الظروف الأمريكية الخاصة”، ومنذ ذلك التاريخ يمكن للمرء أن يجادل في أن منظومة الدراسات الأمريكية تبدو هنا باعتبارها “ماركسية بديلة” نشأت، كما يدعي ديننغ، باعتبارها «استمرارا واستجابة لاكتشاف واختراع الثقافة الأمريكية في الثلاثينيات». وكانت طموحات هذه المنظومة «متعددة التخصصات» و«شمولية»، لكنها ظلت ملتزمة برفض الستالينية والإيمان بـ «تفرد التجربة الأمريكية». اما المؤرخ ليو ماركس فيقول بالرغم من أن الجيل الأول من المثقفين الأمريكيين كانوا نتاجا لـ «الجو المشحون سياسيا في الثلاثينيات»، وكانت اغلبيتهم من المناهضين للرأسمالية، إلا انهم استندوا في نقدهم على «إعادة تأكيد مبادئ التنوير والمساواة في الثورة الأمريكية» بدلاً من المادية التاريخية (الآلة في الحديقة: التكنولوجيا والمثل الرعوي في أمريكا 2000). إحدى نتائج ذلك، التي لا تزال شائعة في الدراسات الأدبية والثقافية غير الماركسية حتى يومنا هذا، هي «الاقتراض العشوائي للمصطلحات» من المفكرين الماركسيين (الغربيين) الذي ينزعها من «سياقها» النظري.
ورغم سعي الدراسات الأمريكية الى ابقاء مسافة كبيرة بينها وبين الماركسية، إلا إن الأخيرة لم تبق محصورة في قارة أوربا. في عام 1983، لاحظ بيري أندرسون في كتابه “في مسارات المادية التاريخية” وخلال تسليطه الضوء على التاريخ الماركسي، أن مركز السجالات الماركسية قد تحول إلى العالم الأنجلو- أمريكي. ولكن من مثالب أندرسون عدم تطرقه الى التأثير الذي أحدثته مدرسة فرانكفورت على الماركسية الأمريكية.
مع بداية الستينات والسبعينات من القرن الماضي برزت العودة إلى نصوص ماركس بنكهة هي أشبه بنكهة الماركسية الغربية لجهة رفضها الماركسية - اللينينية التقليدية، وتختلف عنها في عدم النظر إلى ماركس (الإنساني الشاب)، بل الى مشروع نقد الاقتصاد السياسي الذي بدأه ماركس (الإقتصادي الناضج). وعلى أساس ذلك، بذلت محاولات لتحرير ماركس من التفسيرات العديدة له التي، كما يقول مايكل هاينريخ مستشهدا بجملة ماركس الشهيرة، «تجثم مثل كابوس على أدمغة الأحياء». ومن بين القضايا التي نوقشت دور إنجلز، فهم ماركس الخاص للمنهج، وموضوع نقده للاقتصاد السياسي. ومن الهام ان نذكر هنا ان سبب تأخر المحاولات الأميركية عن مثيلتها في المانيا يكمن في ان ما يعرف بالمؤلفات (الكاملة) MECW التي تضم 50 مجلدا لم تبدأ في النشر باللغة الإنجليزية إلا في منتصف السبعينيات. ولكن بعد ذلك وخصوصا في العقود الأخيرة، بدأ نقاش متطور يركز في الغالب على العلاقة بين (رأس المال) لماركس ومنطق هيغل ودور النقد كشكل ضروري لظهور القيمة.