تقول السردية السائدة أن التاريخ أثبت خطأ نظرية ماركس عن الطبقة العاملة. تستند هذه السردية على ما يسمى بأطروحة «حفاري القبور».

وفقًا للكثير من الباحثين في العلاقات الصناعية وعلم الاجتماع فأن تنبؤات ماركس حول أن البروليتاريا سوف تتحدى وتطيح بالرأسمالية لمجرد موقعها في نظام الإنتاج لم تكن صحيحة.

من الصحيح أن ماركس وأنجلز كتبا في البيان الشيوعي: «أن البرجوازية تنتج قبل كل شيء حفاري قبرها، فهلاكها وانتصار البروليتاريا كلاهما امر محتوم لا مناص منه». لكن قراءة أوسع لمجمل العمل توضح أن هذا كان طرحا بلاغيا يهدف إلى تحريض الطبقة العاملة على العمل، وليس تنبؤا علميا.

البيان عبارة عن كتيب سياسي والغرض الواضح منه هو تثقيف وتحريض الطبقة العاملة. أن مجرد صدور هذا البيان بحد ذاته دليل على أن تطور الوعي الطبقي الثوري ليس حتميا. إذا كان الأمر كذلك، لما صدر هذا البيان السياسي أصلاً!

تظهر عبارة «حفاري القبور» في البيان الشيوعي في الجزء الذي يقدم رسما تخطيطيا للتاريخ بدءا من روما القديمة وحتى القرن التاسع عشر في عشر صفحات! في حين أن المناقشة الكاملة للرأسمالية والثورة الرأسمالية «الحتمية» الوشيكة تم طرحها في ست صفحات فقط.

غياب أطروحة حفاري القبور في كتابات ماركس اللاحقة

تكاد تكون هذه الأطروحة غائبة تماما عن كتابات ماركس العلمية اللاحقة. في المجلدات الثلاثة من (رأس المال)، ناقشها ماركس فقط في قسم من ثلاث صفحات من المجلد الأول، وأعاد صياغة الطرح السابق الذكر في البيان الشيوعي.

وفي كتابات ماركس الأخرى، بما في ذلك (الثامن عشر من برومير)، أضفى أهمية بالغة وبعمق على تشظي الطبقات وتأكيده على العمليات السياسية والأيديولوجية المعقدة اللازمة لتطور الطبقات إلى حركات اجتماعية واعية طبقيا.

أكدت كتاباته اللاحقة على العوائق التي تحول دون تكوين بروليتاريا متحدة وواعية طبقيا، بما في ذلك تشظي الطبقة العاملة على أساس المهارة والسلطة، والتضليل المتعمد للعلاقات الطبقية من قبل المؤسسات الرأسمالية، والاعتماد المادي على الأجر، وارتفاع مستويات المعيشة.

ماهي إذن نظرية ماركس عن الطبقة العاملة؟

إذا لم تكن أطروحة حفاري القبور محورية في نظرية ماركس عن الطبقة العاملة، فما هو جوهر نظريته عن الطبقة العاملة؟

إن تسمية البروليتاريا بالطبقة الثورية، حفاري قبور الرأسمالية، لم يكن، كما لاحظ هال دريبر، «وصفا للأحداث الجارية»، بل بالأحرى تصنيفا للبروليتاريا على أنها «طبقة لها القدرة التاريخية على صنع ثورة». بينما ركزت الثورة البرجوازية السلطة في أيدي طبقة الأقلية، فإن الثورة البروليتارية ستنقل السلطة إلى طبقة تمثل الأغلبية.

رأى ماركس أن الرأسمالية تقوم على بنية طبقية تتكون من طبقة رأسمالية صغيرة وطبقة عاملة كبيرة تضم الغالبية العظمى من السكان. فبدلاً من رؤية عملية عالمية للتكيف تؤدي إلى طبقة عاملة متجانسة وغير ماهرة، كما ينسب عموما إلى ماركس، جادل بأن الرأسمالية ستتطلب تقسيما معقدا للعمل بما في ذلك العمال غير المهرة والعمال المهرة وتسلسل هرمي من المديرين لغرض تنسيق وإدارة العمل.

في الغروندريسه، كتب أنه حتى في ظل تقسيم العمل، سيبقى هناك «تسلسل هرمي لقوى العمل، يتوافق مع سلم للأجور... إلى جانب التدرجات في التسلسل الهرمي، يظهر الفصل البسيط بين العمال المهرة وغير المهرة».

في (رأس المال)، المجلد الثالث، وضع ماركس نظرية كيف أن تقسيم العمل التفصيلي يتطلب تسلسلا إداريا معقدا: «يتطلب جيشا صناعيا من العمال تحت قيادة الرأسمالي، مثل الجيش الحقيقي، الضباط (المديرين) وضباط الصف (رؤساء العمال والمشرفين)، الذين يقودون العمل باسم رأس المال».

طور عالم الاجتماع إريك أولين رايت نموذجا لبنية طبقية تميز تسعة أجزاء بناء على مستوى المهارة (خبير، ماهر، غير ماهر) والسلطة (مدير، مشرف، بلا سلطة) وكما يوضح الجدول:

بناء على هذا النموذج، تشمل الطبقة الرأسمالية الأشخاص العاملين لحسابهم الخاص الذين يوظفون عشرة موظفين أو أكثر. تتكون فئة الخبراء والمديرين بأكملها من العمال ذوي الدخل المرتفع. فئة «أصحاب الأجور العالية» هي جزء من الطبقة الرأسمالية الموسعة بسبب روابطها الكثيفة مع الطبقة الرأسمالية، بما في ذلك تقاسم السلطة على العمال المأجورين، والمشاركة في صنع السياسات التنظيمية، وحصة مالية جيدة في النظام الرأسمالي. تتكون شظايا الطبقة المتبقية من العمال بالأجر بالساعة. بالنظر إلى أنه من المرجح أن المشرفين (المهرة وغير المهرة) قد تمت ترقيتهم من وظائف العمال (المهرة وغير المهرة)، فإن هذه المجموعات الأربع من المواقع لها علاقة وثيقة بسوق العمل. على هذا النحو، فهم يشكلون الطبقة العاملة.

بناءً على التعريف السابق، تبلغ الطبقة العاملة كنسبة مئوية من إجمالي القوى العاملة 76٪ في السويد، و71٪ في المملكة المتحدة، و67٪ في الولايات المتحدة، و66٪ في كندا. تختلف اليابان نوعاً ما، حيث يعمل 23٪ من سكانها بالكامل في العمل الحر و53٪ في الطبقة العاملة.

تم تأكيد تنبؤ ماركس بأن الرأسمالية ستولد طبقة عاملة موسعة، تشكل غالبية السكان وليس لها ملكية في وسائل الإنتاج. ومع ذلك، فإنها لا تزال متباينة داخليا على أساس المهارة والسلطة والهوية والتوجه السياسي. هذه هي القضية المركزية للتحليل الطبقي والسياسة الطبقية.

الوعي الطبقي

كتابات ماركس عن وعي ومفهوم الطبقة متناثرة، لكنه جادل باستمرار بأنه فقط من خلال النضال النشط - أي الحركة العمالية النشطة والتنظيم الحزبي - ينتشر وعي الطبقة العاملة.

كتب ماركس وانجلز في كتاب (الأيديولوجيا الألمانية): «من أجل إنتاج هذا الوعي الشيوعي على نطاق واسع ، ومن أجل نجاح القضية نفسها، فإن تغيير الناس على نطاق واسع ضروري، وهو تغيير لا يمكن إلا أن يأخذ مكان في حركة عملية، أي الثورة».

جادل ماركس في (بؤس الفلسفة) بأن المصالح المشتركة ليست كافية لتنمية الوعي الطبقي:

«لقد حولت الظروف الاقتصادية لأول مرة جماهير الشعب في البلاد إلى عمال. لقد أدى الجمع بين رأس المال إلى خلق حالة مشتركة ومصالح مشتركة لهذه الكتلة. وبالتالي، فإن هذه الكتلة هي بالفعل طبقة ضد رأس المال، ولكنها ليست لذاتها بعد. في النضال، الذي لم نلاحظ منه سوى بضع مراحل، تتحد هذه الكتلة وتشكل نفسها كطبقة لذاتها».

أخيرا، في الجزء الأول من رأس المال، أكد ماركس كيف أن مزيجا من الأيديولوجية المهيمنة يعاد إنتاجه خارج الإنتاج الرأسمالي جنبا إلى جنب مع الاعتماد المادي على الأجر يعمل على إعاقة تحقيق وعي الطبقة العاملة:

«يؤدي تقدم الإنتاج الرأسمالي إلى تطوير طبقة عاملة تنظر من خلال التعليم والتقاليد والعادات إلى متطلبات هذا النمط من الإنتاج كقوانين طبيعية بديهية... في المسار العادي للأشياء، يمكن أن يُترك العامل لـ «قوانين الإنتاج الطبيعية»، أي أنه من الممكن أن يركن على اعتماده على رأس المال، الذي ينبع من ظروف الإنتاج نفسها، وهو مكفول إلى الأبد من خلالهم».

تقترح نظرية ماركس عن صنمية السلع أن المؤسسات الرأسمالية تخفي (عن عمد) آليات عمل اقتصاد السوق والمصدر الحقيقي للربح (أي جهد العمال).

خاتمة

باختصار، جادل ماركس باستمرار بأن النضال الطبقي النشط فقط (التنظيم النقابي والتنظيم الحزبي) يمكن أن يغير وعي العمال. في غياب مثل هذا النشاط، فإن ظروف العمل المشتركة التي تعيشها الغالبية العظمى من الطبقة العاملة لن تكون كافية لضمان تطوير وعي الطبقة العاملة الثوري.

كما جادل بأن مؤسسات المجتمع تقدم الرأسمالية على أنها طبيعية وحتمية، وأن العمال يعتمدون على الأجور من أجل لقمة العيش وأن مستويات المعيشة في ظل الرأسمالية تزداد، حتى بالنسبة للطبقة العاملة (ولكن بمعدل أبطأ بكثير من نمو الإنتاجية وتراكم رأس المال).

ــــــــــــــــــ

* محاضر متخصص في علم الاجتماع والاقتصاد السياسي في جامعة لوبورو بلندن.

عرض مقالات: