" لنعزز صفوف الحزب ونعمل على توحيد قوى الشعب الوطنية لإحلال الأمن والاستقرار واستكمال السيادة الوطنية وبناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد "

شهدت بلادنا في الفترة منذ انعقاد المؤتمر الوطني السابع لحزبنا( 25- 28 آب 2001 ) احداثا وتطورات غير عادية . وكان ابرز تلك الاحداث غزو العراق ربيع 2003 ، وانهيار النظام الدكتاتوري ، وانتهاء حقبة حفلت بالحروب الداخلية والخارجية، بالموت والخراب، بحملات الابادة وكوارث الانفال وحلبجة والمقابر الجماعية والاعدامات والارهاب الشامل والتهجير ومصادرة حقوق الانسان، وبالتخلف والنكوص في سائر الميادين وعلى المستويات كافة.
وجاء يوم انهيار الدكتاتورية التاسع من نيسان 2003 ليجسد ، من جانبه ، تعقيدات وتناقضات الوضع الجديد. فقد كان، من جانب، يوم تخليص الشعب من نير الدكتاتورية العاتية، وفي الوقت ذاته كان يوم ايذان بقيام واقع الاحتلال.
ومهما يكن من امر فقد انفتحت امام البلاد بعد الخلاص من حكم الاستبداد آفاق جديدة وامكانية ارساء اسس العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد، والسير قدما على طريق بنائه.

الازمة الشاملة عشية التغيير
اتسم التطور لغاية التاسع من نيسان 2003 ، في ظل تسلط النظام الدكتاتوري وازدياد ازمة حكمه استعصاء، وبفعل التاثيرات المدمرة للحصار الدولي على الشعب والبلاد، بتفاقم الازمة العامة المخيمة على البلاد، واشتداد مأساة الشعب ومحنة الوطن. كما اتسم بتعمق العزلة الداخلية للنظام ورفض غالبية الشعب الساحقة له، واتساع المعارضة الجماهيرية لنهجه الارهابي، وبقاء روح التحدي والمقاومة متقدة رغم الامعان في العسف والبطش والقمع.
وكان جوهر الازمة العامة في البلاد يتجلى في احتكار السلطة والاستبداد بها وتسخير اجهزة الدولة ومؤسساتها لتحقيق ذلك، بما في ذلك حزب السلطة، وحرمان الشعب من حقوقه وحرياته الاساسية، وفي تردي احواله المعيشية، وافتقاده الامن والاستقرار، والحروب الثلاثة وما خلفتها من دمار وخراب وخسائر بشرية لا تعوض، وتشوه حياته الروحية وقيمه الاجتماعية والاخلاقية وعسكرة كل مفاصل حياته، وفي عزلة البلاد عربيا واقليما ودوليا.
ومثلت طبيعة النظام المنهار وممارساته محور واساس المحنة العميقة التي عانى منها شعبنا، وشكلت عاملا رئيسيا في جميع الازمات والكوارث التي تعرض لها، بجميع قومياته وفئاته الاجتماعية ومكوناته الدينية والمذهبية وقواه واحزابه السياسية.
وكانت السلطة القائمة آنذاك، كما اوضح المؤتمر السابع ومن قبله المؤتمر السادس للحزب ( 1997) " دكتاتورية فردية استبدادية مطلقة ذات طبيعة شوفينية، تعتمد اساليب فاشية وممارسات طائفية في الحكم، وتتسم بنزعة عدوانية توسعية ازاء الاشقاء والجيران " كما كانت " تعبر عن مصالح البرجوازية الطفيلية اساسا".
واستشرت الازمة في سائر الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاخلاقية.
وتجلت بأوضح اشكالها في التدهور المتواصل لاحوال المواطنين المعيشية والصحية والعلاقات الاسرية، وفي مجال الخدمات. وهو ما نجم عن اصرار الحكام على نهجهم الاقتصادي، الذي وضع اقتصاد البلاد وثرواتها في خدمة مصالحهم ونظامهم اولا وقبل كل شيء، واستمرار العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضت على شعبنا، وتقليص الاستفادة من الحصيلة الايجابية للقرار 986، عبر شتى اساليب التلاعب والغش والنهب التي اعتمدها النظام، الى جانب اساليب المماطلة والعرقلة والكبح التي لجأ اليها ممثلو الادارة الامريكية والحكومة البريطانية، فضلا عن البطء في عمل موظفي الامم المتحدة وبيروقراطيتها .
وظلت الغالبية العظمى من الشعب تعاني شظف العيش وارتفاع الاسعار وتفاقم البطالة وشحة او ندرة، الخدمات والكثير من المواد الغذائية، كما تعاني من ايقاف الدعم للعديد من السلع والخدمات، مقابل بقاء المداخيل على مستواها المتدني، بما فيها رواتب الاغلبية الساحقة لموظفي الدولة، في حين تبتلع الرسوم والضرائب والاتاوات المتنوعة بما في ذلك بعض مكرمات "القائد الضرورة". فضلا عما ادى اليه استشراء الفساد وظاهرة الرشوة في اجهزة الدولة ومؤسساتها، من استنزاف لمداخيل المواطنين، التي هي شحيحة بالاساس. وفي المقابل اتاحت قرارات السلطة واجراءاتها لمنتسبي العائلة الحاكمة وحاشيتها وتجار الحصار والطفيليين، الاستحواذ على ثروات طائلة، ما ادى الى المزيد من تعميق التفاوت والاستقطاب الاجتماعيين في البلاد، وتكريس هيمنة البرجوازية الطفيلية على مقدرات البلاد ومصالح المجتمع.
كذلك خـلف نهج النظام من جهة، والعواقب الثقيلة للحصار الدولي من جهة ثانية، آثارا سلبية عميقة في واقع المجتمع، وتشويهات في حياته وبنيته ومثله، وافضى الى تحلل في النسيج الاجتماعي والأسري، وتصدع في منظومة القيم الاجتماعية والاخلاقية، وانتعاش في الروابط والانتماءات التقليدية.
وتدهورت، على نحو كبير، احوال الطبقة العاملة وعموم الكادحين من شغيلة اليد والفكر، وتلاشى دور الفئات الوسطى، التي كانت تشكل مكونا اساسيا من مكونات المجتمع. وبرغم ان ايا من طبقات المجتمع وفئاته، باستثناء القلة المرتبطة بالنظام، لم تنج من عواقب سياساته ومن آثار الحصار الذي فرض على شعبنا ووطننا، فان النساء والشبيبة والطلبة والمثقفين كانوا من اكبر ضحايا الوضع القائم انذاك .وكان النظام المقبور قد عمد الى تحويل العمال الى موظفين مصادرا بذلك العديد من حقوقهم.
واقترن تواصل حملة النظام على الثقافة والمثقفين باستمرار الاهمال المريع لقطاع التربية والتعليم وتسييسه وعسكرته، وما احدثه ذلك من تراجع كبير في مستويات الدراسة، وتسرب التلاميذ والطلاب من المدارس، وانتشار الامية.
واستمر ايضا التراجع في الاوضاع الصحية واستفحال ازمة السكن، وتردي احوال البيئة واشتداد تلوثها، وهو ما اسهم فيه استخدام النظام الاسلحة الكيمياوية في كردستان وجنوب العراق، واقدامه، لدوافع امنية، على تجفيف الاهوار.
وفي اجواء الازمة العامة، ونتيجة لاستمرار اجواء العسف والقمع، وتواصل الضائقة المعيشية والمعاناة الحياتية اليومية، وانتشار البطالة، تواصلت الهجرة الى خارج الوطن بحثا عن ملاذ آمن وكريم، وخاصة من جانب الشباب والاكاديميين والخريجين والفنيين .
والى جانب تعمق مظاهر الازمة العامة، تواصلت مظاهر الرفض للسلطة ومعارضتها والنشاط ضدها، بشكل مباشر وغير مباشر، وانخرطت في ذلك اوساط واسعة من المدنيين والعسكريين. وبات واضحا ان القضاء على مظاهر المعارضة والمقاومة ونشاطهما مستحيل، وهو ما اشر مدى تعمق الهوة التي تفصل غالبية الشعب الساحقة عن النظام، وبلوغ افتراقها عنه نقطة لا رجعة عنها.
لقد شكل الارهاب دائما الوسيلة الاساسية للنظام في صراعه من اجل البقاء، اضافة الى اعتماده التضليل والخداع والمناورة ورشوة " فئات" من المجتمع. لكن ذلك لم يمنع تواصل التصدع في جدار الرهبة من السلطة وعبور حاجز الخوف. وتجلى ذلك، لاسيما في السنوات الاخيرة من حكم الطاغية، في تفكك اجهزة السلطة وتطلع قطاعات من منتسبيها الى الخلاص من التبعية للجلادين.

العقوبات الدولية وموقفنا منها
كان حزبنا بين قلة من القوى المعارضة للنظام الدكتاتوري، التي طالبت برفع الحصار الاقتصادي عن الشعب. ووضع الحزب هذا المطلب في صلب شعاره المركزي الذي تبناه المؤتمر الوطني الخامس (تشرين الثاني 1993) وفي المؤتمرين اللاحقين، السادس والسابع.
ولم يكن هذا الموقف يعني، بأي حال من الاحوال، القبول بفك عزلة النظام السياسية والدبلوماسية، او تمكينه من التحكم بعائدات النفط وبناء ترسانته العسكرية من جديد.
كذلك طالب حزبنا بتعديل قراري مجلس الامن الرقم 712 والرقم 706، بما يؤمن زيادة كميات النفط المصدرة، وجعل الحصة المقررة لصندوق التعويضات ونفقات مبعوثي الامم المتحدة الى العراق خارج الكمية المطلوبة، واستثناء كردستان العراق، وهي خارج سلطة الدكتاتورية، من العقوبات الاقتصادية، وضمان التوزيع العادل للمواد المطلوبة على جميع ابناء الشعب، وتحت رقابة الامم المتحدة.
وقد اخذ بعض هذه المطالب طريقه الى القرار 986، الذي رأى حزبنا آنذاك انه " رغم كونه يبيح بيع كمية اكبر من النفط، ويوفر مقداراً اكبر من الدولارات" فإنه لا يلبي كل مطالبنا، ولا يضمن تلبية كامل الاحتياجات الملحة لشعبنا، " ولكنه يمكن ان يكون خطوة على هذا الطريق". ذلك ان حزبنا كان يدعو الى " اطلاق تصدير النفط والغاء تجميد الارصدة العراقية في الخارج، من اجل تأمين الموارد الكافية، ليس لتوفير الغذاء والدواء للشعب فحسب، بل ومن اجل المساعدة في اعادة الدورة الاقتصادية، على ان يتم كل ذلك بأشراف ورقابة الامم المتحدة". كما انتقد حزبنا تشدد واضعي القرار 986، وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، في فرض اقتطاع الحد الاعلى البالغ 30% لاغراض دفع التعويضات وسد النفقات المتعلقة بتنفيذ القرار. وانتقد ايضا فرض تصدير معظم النفط عبر الاراضي والموانىء التركية، ورأى في ذلك اجحافاً بحق شعبنا الذي يعاني الجوع والمرض. وفي الوقت نفسه اعتبر قرار مجلس الامن رقم 986 وتطويره اللاحق في القرارين 1153 و 1984، وبعض الاجراءات الاخرى، خطوات نحو التخفيف من معاناة شعبنا.
وبعد المباشرة بتنفيذ القرار 986 في كانون الاول 1996، واصل النظام مناوراته للتحكم بالتنفيذ، وللتلاعب والغش في المواد الموزعة، واستخدام الحصة التموينية كسلاح ضد فئات واسعة من ابناء الشعب. وفي الوقت نفسه وضعت الولايات المتحدة وبريطانيا العراقيل في طريق التنفيذ، وتلكأت الاجهزة البيروقراطية للامم المتحدة في القيام بواجباتها في هذا الشأن، الامر الذي افضى بدوره الى تأخير وصول الاغذية والادوية الى المحتاجين اليها من ابناء شعبنا.
لقد بينت نتائج تطبيق العقوبات الدولية ان شعبنا كان ضحيتها الاولى، وانه دفع جراء فرضها ثمنا باهظا في معاناته وفي الاضرار التي لحقت باقتصاده، وفي ما نجم عنها من آثار على المجتمع ونسيجه. بينما اتاحت للحكام الذين بذلوا كل جهد لمفاقمة عواقبها بالنسبة للجماهير، فرصا لم يكونوا يحلمون بها ليس فقط للافلات من العقاب، بل ولارهاق شعبنا وتكبيله بالمزيد من القيود، وشل حركته ونضاله ضد نظامهم.
وعلى الرغم من مطالبة حزبنا بالتطبيق السليم للقرار 986، فانه لم يكن يرى في القرار الحل الناجع، حتى وان طبق على افضل وجه. ولذا طالب بالرفع الكامل الفوري وغير المشروط للحصار الاقتصادي الذي فرض على شعبنا مع تشديده، في الوقت عينه، على الحكام الدكتاتوريين. 

التغيير ضرورة وطنية
كان حزبنا على قناعة تامة بان لا مخرج من الأزمة الشاملة التي تطحن شعبنا ووطننا، ولا نهاية للمصائب والمآسي، ولا انطلاق لعملية الأعمار في العراق، ولا استقرار للمنطقة، من دون تحقيق التغيير الداخلي والخلاص من نظام صدام حسين الدكتاتوري. وكان الحزب يرى ان هذا النظام استنفد، منذ زمن بعيد، كل مبررات وجوده، وانحسرت قاعدته الاجتماعية، وتحوّل إلى العائق الأكبر أمام خروج شعبنا من أزمته، وبات مشروعه الوحيد يكمن في التشبث بالسلطة بأي ثمن. كما كنّا ندرك الطبيعة القمعية الاستثنائية لنظام صدام حسين، وتضخم أجهزة السلطة التي أقامها، وقهرها للمجتمع وتجريدها اياه من جميع أشكال التنظيم والتعبير الحر المستقل، وقمعها، على مدى ثلاثة، عقود للأحزاب والقوى المعارضة والمخالفة للنظام بالرأي . إضافة إلى الخراب الهائل الذي الحقه النظام بالبلاد في الحروب المدمرة الثلاث التي أشعلها والحصار الشامل الذي تسبب في فرضه على شعبنا لأكثر من 12 سنة ، وما نجم عن ذلك كله من سقوط ملايين الضحايا، وخاصة من الشباب والاطفال.
كما تسبب النظام ، في نهجه وممارساته ، بتدمير اقتصاد البلاد وتبديد ثرواتها وعسكرة المجتمع، وقدم خدمات كبيرة للامبريالية طمعا في دعم دولها له في صراعه مع الشعب ومن اجل البقاء في السلطة. ومارس سياسة الارهاب الشامل والقتل الجماعي، واستخدم الاسلحة الكيماوية وانتهج سياسة عنصرية شوفينية بحق الشعب الكردي وابناء القوميات والمكونات الاخرى، من التركمان والاشوريين والكلدان والسريان والايزيديين والصابئة وفي ظل صمت اقليمي ودولي. 
واقترنت الازمة الداخلية المتفاقمة، بعزلة خانقة للبلاد عن محيطها العربي والاقليمي، كما عن العالم. وكان النظام، بسبب من طبيعته وعموم نهجه وتوجهاته، يفاقم هذا المأزق، وقد تحول هو نفسه باستمرار الى عقبة كأداء امام أي مسعى للخروج من النفق المظلم الذي ادخل فيه شعبنا ووطنا. 
ورغم اللوحة الشائكة، المعقدة، والتداخلات الاقليمية والدولية، تبنى الحزب مشروع التغيير الجذري، وهو المشروع الوطني الديمقراطي المستند الى كفاح شعبنا وقواه واحزابه الوطنية والديمقراطية،والذي يمكن ان يحظى بدعم شرعي ونزيه من الرأي العام العالمي والقوى والمؤسسات الدولية .
لقد واصل شعبنا نضاله ضد طغمة صدام حسين رغم القمع الدموي، وتفنن السلطة الارهابية في اساليب الترويع والتصفيات الجسدية، وفي حملات التضليل والتشويه والديماغوجيا، وفي محاولاتها ترميم قاعدة نظامها واجهزته القمعية وبناء الجديد منها.
وفي مقابل ذلك تواصلت مقاومة جماهير شعبنا واخذت اشكالا واعتمدت اساليب متعددة، عنفية وغير عنفية، ومنها الانتفاضات والهبات الجماهيرية، ومظاهر الرفض السلبي. وامتد السخط والتذمر والاحتجاج الى فئات وشرائح واسعة داخل مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، ومنظمات حزب السلطة.
لكن اتساع الرفض الجماهيري للنهج الدموي للنظام لم يقترن بنمو مناسب في النشاط الكفاحي المنظم ضده . وهو ما نجم عن عوامل مختلفة ، كان في مقدمتها تعثر الجهود لتوحيد عمل الاحزاب والقوى المناهضة للدكتاتورية. وارتبط التعثر، في جانب اساسي منه، بالاستقطاب الذي نِشأ في اوساط المعارضة ، خاصة غداة اقرار لكونغرس الامريكي " قانون تحرير العراق" واعلان واشنطن، في وقت لاحق، نيتها احداث تغيير في العراق . وتجلى الاستقطاب في مراهنة اغلب اطراف المعارضة على العامل الخارجي في اسقاط الدكتاتورية، وعلى خططه للتغيير في العراق عن طريق الحرب. في حين رأت اطراف اخرى، بينها حزبنا الشيوعي العراقي، ضرورة الاعتماد في ذلك على جماهير الشعب، وعلى وحدة قواه واحزابه الوطنية، وعلى المساندة الدولية النزيهة والمشروعة، رافضة الحرب والتدخل الاجنبي وسيلة لتحقيق التغيير المنشود . ومع اقتراب شبح الحرب شدد الحزب على تزايد الحاجة الى استنفاد الوسائل الاخرى، وبضمنها عقد مؤتمر دولي حول القضية العراقية وتفعيل قرار مجلس الامن رقم 688 الداعي الى حماية حقوق الانسان في العراق، رافضا ما يمكن ان ينجم عن الحرب من احتلال وحكم عسكري لبلادنا . ورأى ان البديل للنظام الدكتانوري يجب ان يكون حكومة عراقية ائتلافية . 

الحزب ومؤتمر لندن للمعارضة
وشدد حزبنا الشيوعي على تحقيق وحدة عمل المعارضة العراقية واعتبر ان هذه الوحدة ينبغي ان تكون مجسدة لاستقلالية القرار العراقي المعارض، ومبنية على اساس برنامج وطني ديمقراطي يعبر عن المصالح العليا للشعب، ومعتمدة حركة الجماهير ونهوض القوات المسلحة وجامعة اياها في تيار جارف ، تتصدره قيادة سياسية- ميدانية ملتصقة بالناس وهمومهم وحاجاتهم الفعلية، وتستند في الوقت نفسه الى دعم دولي شرعي ، رسمي وشعبي .
ولم يجد حزبنا في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية ، ما يلبي ذلك ، فضلا عن انه جاء في وقت كانت تقرع فيه طبول الحرب ، لذا فانه لم يشارك في ذلك المؤتمر وما تلاه من مؤتمرات واجتماعات اخرى اعتبرت مواصلة له ..

موقفنا من خيار الحرب
بعد الاعتداءات الارهابية الذي شهدتها الولايات المتحدة يوم 11 ايلول 2001، انطلقت التهيئة للحملة العسكرية وسط اجواء "الحرب ضد الارهاب" التي اعلنتها الادارة الامريكية ، ونفذت اولى حلقاتها بشن الحرب في افغانستان.
وقد أدان حزبنا وقتها، بشدة ، اعتداءات 11 ايلول، وبيّن دوافع ظاهرة الإرهاب نفسها وجذورها وسبل مواجهتها. لكنه رفض اللجوء الى القوة والتدخل العسكري خارج اطار الامم المتحدة، ومن منطلقات يغلب فيها الغموض والالتباس والعشوائية، والخلط بين الارهاب والمقاومة المشروعة، وعدم التمييز بين ارهاب كل من الدول والجماعات والافراد .. الخ. 
وأكد الحزب في الوقت نفسه ضرورة ان يتم ، تحت اشراف الامم المتحدة ، اعتماد تعريف واضح ودقيق للارهاب، وان يـميّزعنه حق الشعوب المشروع في النضال ضد الاحتلال، ومن اجل تقرير المصير والاختيار الحر لانظمتها الاجتماعية - السياسية ، وفي الكفاح ضد الانظمة الدكتاتورية والفاشية.
لقد أطلقت أحداث 11 أيلول العنان لليمين المحافظ المتطرف في الولايات المتحدة، لتنفيذ مخططات الهيمنة على العالم. فراح يفتش عن المواقع الرخوة فيه، وكان العراق بين اضعفها. فهو بلد تحكمه طغمة دكتاتورية ملطخة الايدي بدماء الشعب، ويواجه نهجها الارهابي في الداخل والحربي العدواني ضد الجيران، ادانة واسعة، . وفي الوقت نفسه ثبت انتاجها وحتى استخدامها اسلحة الدمار الشامل ، وظلت تتصرف بطريقة توحي باستمرار امتلاكها هذه الاسلحة، ورفض التخلي عنها. حتى غدت السياسة الرسمية الامريكية تعدها احدى قوى "محور الشر" التي يجب التخلص منها باسرع ما يمكن . وقدم السلوك المريب من جانب النظام الدكتاتوري، الذريعة التي كانت الولايات المتحدة تبحث عنها لتبرير شن الحرب على بلادنا، ومهد السبيل لاقدامها عليها. اضافة الى سعيها لتامين مصالحها ،ولاسيما الاستراتيجية .
ان حزبنا يرفض خيار الحرب باعتبارها الخيارالاسوأ والاشد تدميرا وتخريبا. منطلقا من الاعتبارات التالية: 
- ان رفضه لها مبدأي – اخلاقي، ينطلق من واقع ما سيتعرض له شعبنا من اهوال في حرب شاملة ، تستخدم فيها الاسلحة الحديثة كبيرة التدمير ، ومن خسائر في الارواح قبل الممتلكات . فهي ستكون كارثة بكل معنى الكلمة على صعيد الحاضر، كما ستمتد آثارها الى المستقبل.
- انه يرفضها لانها ستأتي كذلك بالاحتلال والحكم العسكري ، ولن تجلب الديمقراطية.
- ان رفضه لها كوسيلة للتغيير لا يعني التخلي ، ولو للحظة ، عن الايمان بضرورة التغيير ذاته ، والخلاص من النظام الدكتاتوري واقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.
- كما ان رفضه الحرب كخيار ، لا يعني وقوفه متفرجا على ما يحدث ، وقد سعى بالفعل لطرح خيارات افضل لانجاز عملية التغيير والخلاص من النظام ، وهي تتركز في العمل على تأمين تبني مشروعه الوطني الديمقراطي . 
لكن الحزب اكد في الوقت عينه ان رفض خيار الحرب لا يعني ان الشعب سيترحم على النظام الدكتاتوري في حال اسقاطه، او ان الحزب سيتردد في مواصلة النضال ضد الدكتاتورية، حتى تخليص شعبنا منها. 
وكما سبقت الاشارة كان حزبنا، وهو يرفض الحرب ويحذر من مخاطرها، يشدّد على اعتماد وسائل واساليب مغايرة، داعياً، مع أطراف سياسية أخرى، إلى جمع جهود الاحزاب والقوى الوطنية العراقية، والسعي للحصول على اسناد خارجي، يستند الى الشرعية الدولية ، لتلك الجهود المشتركة من اجل اسقاط النظام والخلاص النهائي منه.
وفي هذا السياق عمل الحزب لاقامة تحالف وطني واسع، ولاستنهاض الجيش وعامة القوات المسلحة، كي ينجز العراقيون عملية التغيير بأيديهم، وكي يمكن بالتالي استبعاد الحرب وويلاتها، ثم عواقبها التي يعاني شعبنا اليوم منها الكثير.
وعلى طريق تحقيق هذه الاهداف طرح الحزب مشروعه الوطني- الديمقراطي آنف الذكر كخيار امثل لحل الأزمة العميقة الشاملة التي كانت تخنق شعبنا وبلادنا. غير ان هذا المشروع لم يحظ ، للأسف ، بالتجاوب المرتجى من طرف القوى السياسية الاخرى المناهضة للدكتاتورية ، التي كان معظمها فاقدا الامل في امكان تحقيق التغيير بالاعتماد على القوى الداخلية اساساً .
وفي غضون ذلك أكّد الحزب، تكراراً، أن أسلوب تغيير النظام، وطبيعة القوى التي ستنهض بمهمة التغيير، سيكونان مقررين في تشكيل البديل الذي سيقوم في البلاد، وتحديد طبيعة وطريقة تعامله مع قضايا الشعب الملحة. 
وفيما راح احتمال اندلاع الحرب يزداد رجاحة ، كنا قد عقدنا العزم على ان نكون مع شعبنا والى جانب جماهيره ومطالبها وان نستعد لتداعيات خيار الحرب واستحقاقاته. 
و كنا ندرك، في الوقت نفسه، ان الخلاص من النظام الدكتاتوري هو واحد من اهم سبل تفادي الحرب. لذلك ، وانطلاقا من الحرص على شعبنا ووطننا ، دعونا الدكتاتور قبل اندلاع الحرب، مع كثيرين غيرنا، الى التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد ، رغم توقعنا ان يرفض ذلك بالنظرالى ما عهدناه فيه من غطرسة، ومن استعداد للتضحية بكل شيء من اجل البقاء في كرسي الحكم. كما دعونا الى عقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة حول القضية العراقية. ثم عدنا بعد اندلاع الحرب وحددنا المهمة المزدوجة المتمثلة في ضرورة ايقافها من جهة ، والخلاص من النظام الدكتاتوري من جهة اخرى . ودعمنا ثانية فكرة تنحي صدام كوسيلة لوقف الغزو ، ولإطلاق عملية التغيير في بلادنا وتجنيب شعبنا وبلادنا العواقب الخطيرة للحرب .
الا ان الدكتاتور ، وكما كان متوقعا ، صم آذانه مرة اخرى ازاء تلك الدعوات المخلصة لتجنيب الشعب ويلات الحرب ، وفضل ان يعرض الشعب والبلاد الى ما تعرضا اليه من خسائر كبيرة، ومن دمار وخراب واسعين ، ومعاناة معيشية وصحية وحياتية شديدة شملت ملايين المواطنين .
ومثلما اصر رأس النظام على عنجهيته ونهجه ، اصرت الادارة الامريكية على اعتماد الحرب خيارا وحيدا ، باسم تغيير النظام تارة، وباسم تدمير اسلحته المحظورة تارة اخرى ، او باسم هذا وذاك وغيرهما من الاهداف المعلنة . وشهد فجر الخميس العشرين من اذار 2003 قيام القوات الامريكية بشن الهجوم الصاروخي الامريكي الاول ، معلنة بدء الحرب .
بعد ما يقارب الثلاثة اسابيع من بدء الحرب تهاوت اشرس دكتاتورية في تاريخ العراق الحديث منذ الحرب العالمية الثانية . وبانهيارها تحققت ارادة الغالبية الساحقة من ابناء شعبنا ، من العرب والكرد والتركمان والكلدان والاشوريين والسريان والارمن وكذلك من الطوائف الايزيدية والمندائية والشبك وغيرها، وهم الضحية الاساسية لقمعها وظلمها وممارساتها المنافية لابسط حقوق الانسان . ولاشك ان العزلة الداخلية الشديدة والعميقة التي كانت تحيق بها ، تفسر جانبا هاما من انهيارها السريع، ولاسيما في بغداد .
وكنا، ونحن ندرك طبيعة النظام وواقع حاله ، لا نتوقع له ان يصمد طويلا امام القوات الامريكية والبريطانية الغازية، والمدعومة باحدث وسائل التكنولوجيا العسكرية ، ولا ان تسفر الحرب ، التي رفضناها باعتبارها اسوأ الخيارات لاسقاط النظام ، الا عن الحاق المزيد من الاذى بالعراقيين والعراق ، وعن تسليم مفاتيح السلطة في البلاد الى القوى الاجنبية وبما يخدم مخططاتها الاقليمية والعالمية .
وفي مجرى الحرب، لم تكن جماهير شعبنا الواسعة متحمسة للحرب والاحتلال ، لذلك لم تستقبل الجيوش الغازية بالورود والاحضان ، لكنها، من جانب آخر، لم تقف الى جانب الطاغية ولم تدافع عنه ، بل تركته وزمرته يواجهون مصيرهم الذي لم يشك احد في انه سيكون الهزيمة والسقوط . وقد عاقب شعبنا بموقفه هذا الدكتاتور ونظامه على ما اقترفه بحقه من انتهاكات وآثام وجرائم. 
لقد كان طبيعيا ألا تأسف جماهير الشعب على سقوط الطاغية وحكمه، وألا تذرف الدموع على رحيله. غير ان ابتهاجها بسقوطه ونظامه ، لم يعن ولا يعني بحال انها كانت مسرورة بالغزو والاحتلال .

في مواجهة الواقع الجديد
جاءت نتائج الحرب والانهيار السريع لماكنة النظام العسكرية ، ولمؤسسات الدولة كلها، لتؤكد إفلاس الدكتاتورية وزيف ادعاءاتها وخواء مؤسساتها وانفضاض الشعب عنها وطموحه للخلاص منها. وفي سابقة تاريخية لها دلالات كبيرة في العراق وفي المنطقة، آثر الشعب أن يتخذ موقفاً مترقبا إزاء صراع بين قوة اجنبية يعرفها تمام المعرفة، وبين نظام مقيت يضمر له اشد الكراهية متطلعا الى الخلاص منه. وجاء يوم انهيار الدكتاتورية في 9 نيسان 2003 ليجسد تعقيدات وتناقضات الوضع الجديد. فقد كان، من جانب ، يوم تخليص الشعب من نير الدكتاتورية العاتية، وفي الوقت ذاته يوم ايذان بواقع الاحتلال البغيض.
ان الحرب ، وقد ادت الى انهيار النظام ، جاءت ايضا بالاضطراب وانعدام الاستقرار . فقد تنكر المحتل للالتزامات التي تفرضها المعاهدات الدولية ، مثل معاهدة جنيف حول مسؤولية قوات الاحتلال ازاء المناطق المحتلة . وادى التخلي كليا عن تلك الالتزامات، في النهاية، الى انفلات الامن وشيوع الفوضى ،وانتشار حوادث سلب الممتلكات العامة ونهبها واشعال الحرائق فيها.
كذلك لم يرافق انهيار النظام ظهور البديل الديمقراطي الذي كان شعبنا يتطلع اليه ، وانما نشأ على انقاضه فراغ سياسي وامني خطير، مازالت جماهير الشعب تعاني الامرين منه ومن تفاقمه. 
وفي حينه نهضت أمام البلاد مجموعة مهام ملحة متداخلة ، يكمن جوهرها في خلق شروط إنهاء الاحتلال ووضع العراق على طريق التطور الوطني الديمقراطي .
وارتباطا بذلك، ولأجل مواجهة الأوضاع الجديدة، دعا حزبنا سائر القوى الوطنية العراقية للمبادرة الى عقد مؤتمر وطني عام ، تشارك فيه أطياف الشعب العراقي السياسية والقومية والدينية كافة ، وتنبثق عنه الحكومة الوطنية العراقية المؤقتة واسعة التمثيل وذات الصلاحيات، لتتولى تحقيق مهمات إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية ، وإعداد مشروع الدستور ومشروع القانون الانتخابي، ومباشرة الحوار مع الطرف الأمريكي لإنهاء الاحتلال. فهي حكومة كاملة الصلاحية ، تكون بديلا للنظام الكتاتوري المقبور ولسلطة الاحتلال في الآن نفسه.
غير ان فكرة عقد المؤتمر الواسع وتشكيل الحكومة الموقتة، التي كان واضحاً أنها تحظى بتأييد داخلي وعربي ودولي ، اصطدمت بعراقيل جمّة حالت دون تحقيقها.
وكان في مقدمة تلك العراقيل تبدل موقف الولايات المتحدة وبريطانيا من عقد المؤتمر المذكور ومن تشكيل الحكومة المؤقتة، وسعي الدولتين، بدلا من ذلك، إلى استصدار قرار جديد من مجلس الأمن . وبالفعل وبعد مساومات مع الدول الأعضاء في المجلس ، صدر القرار 1483 (ايار 2003) ، الذي كرس سلطة الاحتلال في العراق وشرّع وجودها.
وتجلى المعرقل الثاني في سلوك الأطراف السياسية العراقية ذاتها. فبعضها سعى إلى الانفراد في تمثيل العراقيين، وبعض آخر غلـب مصالحه الحزبية الضيقة على مصالح الشعب العامة، فيما لم يتخلص بعض ثالث من نزعة الهيمنة والزعامة. وأدى هذا وذاك وعوامل أخرى، منها غياب الارادة المستقلة لدى بعض الاطراف السياسية، إلى الحيلولة دون إقامة التحالف الواسع للقوى السياسية العراقية، الذي يمكنه الضغط على الطرف الامريكي وكسب تأييد الامم المتحدة . الامر الدي افسح في المجال للمحتل كي يمسك بالسلطة تحت غطاء من الشرعية الدولية ، يتمثل في قرار مجلس الامن الدولي آنف الذكر.

تشكيل مجلس الحكم ومشاركة حزبنا في العملية السياسية
في مسعى لإخراج البلاد من المأزق الذي انتهت اليه، عبر صيغة توفق بين الاستعداد لتنفيذ القرار 1483 ورغبة أغلبية العراقيين في تشكيل الحكومة الوطنية الموقتة، جرت مفاوضات مكثفة بين سلطة الاحتلال والأطراف السياسية العراقية، بوساطة نشيطة من جانب الدبلوماسي المغدور السيد سيرجيو فييرا دي ميلو ،الممثل الشخصي للامين العام للأمم المتحدة ، انتهت في منتصف تموز 2003 الى تشكيل " مجلس الحكم الانتقالي ".
وكانت صيغة "مجلس الحكم" قد تبلورت في هذه الأثناء، كبديل لصيغة "المجلس السياسي" عديم الصلاحيات وذي الطابع الاستشاري البحت،التي قوبلت بالرفض الواسع من أوساط شعبنا وقواه السياسية. وعبرت الصيغة الجديدة، في الجوهر، عن حل وسط بين مشروع "المجلس السياسي" الذي أرادت أمريكا ان تفرضه ، وبين مطلب تشكيل الحكومة الوطنية المؤقتة واسعة التمثيل وذات الصلاحيات ،الذي دعت له غالبية القوى الوطنية العراقية. 
وجاء قبول الجانب الأمريكي المحتل، نهاية المطاف، بصيغة جهاز حكم عراقي ذي صلاحيات محدودة ، ليشير إلى إمكانات كامنة للحصول على المزيد من هذه الصلاحيات، في مجرى عمل "مجلس الحكم" وصراعه الطبيعي مع "سلطة الائتلاف المؤقتة". لذا اعتبر حزبنا هذا المجلس "ميدان صراع" اكثر منه صيغة سلطة محددة ثابتة ونهائية.
وقد اتخذ الحزب قراره بقبول عضوية مجلس الحكم، منطلقا من الاعتبارات التالية:
* موافقة غالبية الاحزاب والقوى السياسية الأخرى والجماعات القومية والدينية والطوائف في البلاد على الانضمام إلى المجلس. وإذا كان بعضها قد غاب في النهاية عن عضويته ، فلأنه استبعد بالضد من رغبته. وبذلك ضم المجلس معظم القوى التي يمكن لحزبنا التحالف معها لتحقيق مشروعه الوطني الديمقراطي.
* الرغبة العامة التي امكن تلمسها لدى منظمات حزبنا وفي أوساط جماهير أصدقائه ومناصريه، في ان يعتمد الحزب التعامل الايجابي في المرحلة الحساسة والمعقدة التي تلت التاسع من نيسان ، وألا يوفر أي ذريعة لمن يريدون الإيقاع به وعزله وحتى اضطهاده من جديد.
* ان القبول بـ "مجلس الحكم" في صيغته المطروحة، وبالمشاركة فيه، لا يعنيان بحال اعتباره بديلاً عن الحكومة الوطنية الائتلافية الموقتة المرتجاة. فهو خطوة في اتجاه إقامة هذه الحكومة ، وجزء من التهيئة لإخراجها إلى حيز الواقع على أساس برنامج وطني ديمقراطي ، يرسم طريق خلاص البلاد مما هي فيه وانطلاقها نحو إقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.
* ان المجلس مثل ركناً أساسياً في العملية السياسية ، التي يتمثل هدفها النهائي في تحقيق استقلال البلاد ووضعها على طريق التطور الديمقراطي. ويمكن لحزبنا أن يلعب دوراً مؤثراً أكبر من داخلها لدفعها في الاتجاه المطلوب ، بالتلازم مع العمل خارج إطار المجلس لتعبئة جماهير الشعب، كقوة فاعلة وضاغطة، للحفاظ على المسار السليم للعملية. فالمجلس بهذا المعنى ميدان صراع ،لأن قوى وأطرافا متعددة تتجاذب العملية السياسية داخله كما تتجاذبها خارجه.
لقد نظر حزبنا الى المجلس باعتباره شكلاً لمواجهة الاحتلال وإنهائه، فرضته وقائع التطور السياسي في البلاد ، خاصة منها الخلل الجليّ في ميزان قوى الشعب وقوى الاحتلال ، وانخرطت فيه القوى المفترض اسهامها في إنقاذ الوطن من الحال التي انتهى إليها في ظل النظام الدكتاتوري وبسبب نهجه وممارسته، وهي القوى ذاتها التي كان حزبنا تحالف معها بصورة أو بأخرى في مواجهة الدكتاتورية ومن اجل الاطاحة بها.
إلا ان المجلس بقدر ما كان ميدانا للعمل من اجل قضايا الشعب والوطن، كان أيضا محدود الإطار بسبب من محدودية صلاحياته وطبيعة تشكيلته، في مقابل احتفاظ سلطة الاحتلال بالصلاحيات الكاملة وفقا لقرار مجلس الامن الدولي رقم 1483 . وبرغم ذلك وبغض النظر عن محدودية صلاحيات المجلس ونواقصه الذاتية، وضعف مبادرته وبطء تحركه، ومحدودية علاقاته الجماهيرية، وغياب ممثلي بعض القوى الاخرى عنه، وتكريسه مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية التي كانت قد وجدت طريقها الى المعارضة العراقية للنطام الدكتاتوري منذ انعقاد اجتماع فينا وصلاح الدين للمؤتمر الوطني العراقي الموحد ، وهو المبدأ الذي رفضه حزبنا على الدوام واعتبره مضرا بالوحدة الوطنية في كل الظروف والاحوال ،بالرغم من كل ذلك فقد اتخذ مجلس الحكم في فترة وجوده عديدا من القرارات الجيدة. واذا كان عجز عن اتخاذ المزيد، فبسبب من ضعف كفاءة بعض اعضائه ، فضلا عن العوائق الكثيرة التي وضعتها سلطة الاحتلال امام تنفيذ قراراته تحت ذرائع شتى، ابرزها "شحة الموارد المالية" !
واصل المجلس العمل فيما البلاد تعاني ازمات خانقة في مختلف الميادين، وترزح تحت وطأة الخراب الذي خلفته حروب النظام الدكتاتوري وسياساته الارهابية والهوجاء على كل صعيد، الى جانب العقوبات الدولية التي دامت 12 سنة، وما خلفته الحرب الاخيرة.
واسفر ذلك كله عن وضع بالغ الصعوبة والتعقيد، لم يمكن في ظله احراز تقدم نوعي في ضمان الامن والاستقرار، وتلبية الحاجات الملحة للشعب، وتأمين مستلزمات اعادة بناء الدولة واعمار البلاد.
وظل الملف الامني يطرح نفسه بحدة متزايدة، وأجمعت القوى السياسية في الرأي ان بقاءه بيد قوات التحالف يعرقل معالجة المشكلات القائمة، وان الوسائل العسكرية والاساليب الامنية تعجز، بحد ذاتها، عن تحقيق الامن والاستقرار، ولا بد إلى جانبها من وسائل اخرى في شكل اجراءات اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها، تشكل بمجموعها تدابير متكاملة.
لقد انخرط حزبنا في العملية السياسية بالصورة المشار اليها، دون أن يعتبر مجلس الحكم ميدان الصراع الوحيد او الأساس. بل رأى فيه جبهة مكملة للجبهات الاخرى في النضال من اجل مصالح الشعب والبلاد : جبهة النضال الجماهيري التي اسهمنا فيها بنشاط ولم تتقلص نسبيا الا بفعل الاعمال الإرهابية ، وجبهة العلاقات في الداخل والخارج ، وجبهة الأعلام بأشكاله المتنوعة – التقليدية والمحدثة ، وجبهة العمل الفكري على الصعيد الداخلي- وفي اتجاه الخارج- أيضا لكسب التضامن مع شعبنا.
لقد اكد حزبنا دائما انه ساهم في العملية السياسية متطلعا وعاملا ، مع بقية القوى الوطنية ، من اجل استعادة الاستقلال والسيادة الكاملين، وانهاء الاحتلال ، واقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد، الآمن والمستقر 

موقفنا من القرارين 1483 و1511
بين حزبنا ان القرار 1483 ، الذي اتخذه مجلس الامن بالاجماع ، اضفى الشرعية على الاحتلال و"سلطة الاحتلال"، وان المجلس لم يستشر الشعب العراقي بأية صورة، ولم يستمع الى رأي ممثليه في ايّ من الشؤون التي يعالجها القرار.
لكن القرار جاء ، من جانب آخر، بتعديل ايجابي في شأن تعويض المتضررين من غزو الكويت، حيث خفض نسبة المستقطع لهذا الغرض من عائداتنا النفطية من 25 في المئة الى 5 في المئة فقط . ومع ذلك اوضح حزبنا في حينه ، ان استفادة الاقتصاد العراقي من هذا التعديل تبقى غير اكيدة وغير محسوسة، اذا لم تتخذ تدابير لتأجيل تسديد العراق الديون المترتبة عليه وفوائدها . واكد في الوقت نفسه ان القرار 1483 ليس كلمة نهائية، وان من الواجب السعي الى تعديله بما ينسجم مع مطامح شعبنا ومطالبه المشروعة، وذلك من مهمات الاحزاب والقوى الوطنية العراقية قبل غيرها، التي يجدر بها ان تبادر الى طرح الامر وان تسعى الى كسب الدعم الدولي له. 
أما القرار 1511 الصادر عن مجلس الامن في تشرين الاول 2003 ، فقد اكد الحزب انه جاء بفقرات ايجابية نسبة الى القرار 1483 . غير ان اعداده وصياغة نصوصه جرت في غياب ممثلي شعبنا العراقي ، تماماً كما كان الحال عند اصدار القرار 1483 ، الذي يمكن اعتبار القرار الجديد امتداداً له من نواح عديدة ، وليس نفياً. 
وقد نص القرار 1511 على تشكيل قوة متعددة الجنسيات تحت قيادة موحدة . واشارت الفقرة 15 منه الى ان مجلس الامن سينظر في مهام القوة المذكورة واحتياجاتها خلال فترة لا تزيد على سنة واحدة من صدور القرار، فيما يترك امر بقائها مفتوحاً ويربطه باتمام العملية السياسية . علماً ان نص الفقرة يسمح بالاستنتاج ان هذه القوة يمكن ان تبقى حتى بعد تشكيل "الحكومة العراقية الممثلة للشعب والمعترف بها".
وتجلت الجوانب الايجابية للقرار في تأكيده الطابع المؤقت للاحتلال ، ودعوته سلطة الاحتلال الى اعادة مسؤوليات وسلطات الحكم الى الشعب العراقي ، وابرازه دور مجلس الحكم في العملية السياسية ، واعترافه بالمجلس ووزرائه ، وتأكيده ان الاجهزة التي تشكلها الادارة المؤقتة العراقية هي التي ستدير شؤون العراق بالتدريج . ورسم القرار دوراً للامم المتحدة اكثر فاعلية في العملية السياسية-وهو ما رأى حزبنا ضرورة تعزيزه- لا سيما بالارتباط مع المباشرة بتنفيذ اتفاق 15 تشرين الثاني 2003 بشأن نقل السلطة. 
كذلك حدد القرار موقفاً واضحاً في رفضه العمليات الارهابية و"المقاومة "المزعومة ، ودعا الدول الاعضاء الى منع تسلل الارهابيين الى العراق والحيلولة دون حصولهم على الاسلحة والتمويل.

نقل السلطة
ارتباطا بجهود مجلس الحكم وسعي الاطراف السياسية المكوّنة له الى تأكيد ارادتها المستقلة ، وبالتغير في الموقف الأمريكي ازاء معالجة الوضع القائم في العراق نتيجة انعكاس الاحداث فيه على الرأي العام ومؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة ، وبفعل تحول الموضوع العراقي ،في حينه، الى قضية اميركية داخلية وجزء من حملة التحضير للانتخابات الرئاسية ، وبتأثير تزايد الضغط العالمي والعربي والإسلامي في اتجاه إنهاء الاحتلال، وصدور القرار 1511 عن مجلس الأمن ، نشأ وضع جديد عجّل في البحث عن سبيل لانهاء سلطة الاحتلال ، ونقل الحكم الى أيدي العراقيين.
وبناءً على ذلك جرى التوقيع في 15 تشرين الثاني 2003 على اتفاق تسريع نقل السلطة ، ليتم ذلك في 28 حزيران 2004 . ورغم ملاحظاتنا على الاتفاق المذكور،فقد اعتبره حزبنا خطوة في الاتجاه الصحيح لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات ، تضع البلاد على طريق إنهاء الاحتلال وإقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.
وبعد المباشرة بتنفيذ الاتفاق، ثار جدل حول آلية تشكيل السلطة البديلة لسلطة الاحتلال. فقد رأى فريق في مجلس الحكم ان الانتخاب هو الآلية الواجب اعتمادها. فيما رأى الفريق الآخر وبضمنه حزبنا، ومع تمسكه هو ايضاً بمبدأ الانتخاب، إن إجراء الانتخابات في تلك الظروف غير ممكن لأسباب سياسية وأمنية وادارية وغيرها.
ورأت بعثة خاصة أرسلتها الامم المتحدة إلى العراق لحسم الجدل ، ان الأوضاع القائمة آنذاك لا تتيح،بالفعل، اجراء الانتخابات المنشودة.
و بدا واضحاً في الوقت نفسه ان طريق المؤتمرات المحلية في المحافظات والانتخابات الجزئية، الذي اقترحه الجانب الأمريكي ، لا يؤمّن من جانبه تشكيل مجلس وطني كفء وقادر على استلام السلطة وتنفيذ الاتفاقات بما ينسجم مع مصالح الشعب.
وجرت نقاشات واسعة بين اطراف العملية السياسية وسلطة الاحتلال والامم المتحدة ، اسفرت عن تغيير بعض أولويات هذه العملية . حيث تم الاتفاق على التوجه ،اولا، نحو تشكيل حكومة مؤقتة، تأخذ على عاتقها التفاوض لضمان انتقال طبيعي وسلس للسلطة ، وتتخذ الاجراءات لعقد مؤتمر وطني ينتخب مجلسا وطنيا مؤقتا ذا صلاحيات محدودة ، ويطلق التحضير لانتخاب الجمعية الوطنية الانتقالية. 
وكان نقل السلطة في الموعد المتفق بشأنه (حزيران 2004) مسألة ذات أولوية فائقة، اوجبت تامين مستلزمات تنفيذها طبقاً للجدول الزمني المنصوص عليه في اتفاق 15 تشرين الثاني 2003 .
وكان قد سبق ذلك انجاز مجلس الحكم، في 8 آذار 2004 ، واحداً من ابرز استحقاقاته أمام الشعب، وأمام الأمم المتحدة التي طالبته بجدول زمني لاستعادة السلطة، حيث توج جهوده لوضع قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية (الدستور المؤقت) بتوقيع القانون، ومباشرة البحث في الآلية الجديدة لتشكيل بديل سلطة الاحتلال. واعتبر حزبنا قانون ادارة الدولة، برغم جوانب الضعف في بعض مفرداته وفي طريقة اعداده ايجابياً في جوهره ومفاهيمه العامة، يلبي المطالب الملحة والمشروعة لاطياف مجتمعنا ومكوناته السياسية والقومية والمذهبية والثقافية. 

حول تشكيل الحكم العراقي المؤقت
تمخضت المداولات والحوارات التي شارك فيها مجلس الحكم وسلطة الاحتلال وممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالتشاور مع ممثلي الرأي العام العراقي، عن نتائج تمت صياغتها في ملحق لقانون ادارة الدولة العراقية ، ثبتت فيه الأركان الثلاثة للحكم المؤقت :
-مجلس الوزراء ورئيس الوزراء، وهما نواة الحكم الجديد وركنه الأساسي،
-هيئة الرئاسة : رئيس للجمهورية ونائبان،
-المجلس الوطني المؤقت، الذي تقرر أن ينبثق عن مؤتمر وطني. 
يضاف اليها ،بالطبع، الركن الرابع ، وهو سلطة القضاء. وكان من أهم مهمات الحكم الجديد وخصوصاً مجلس الوزراء، اتمام عملية نقل السيادة في آخر حزيران، وممارسة السلطة، وإعادة الأمن والاستقرار، والتهيؤ لأجراء الانتخابات العامة في موعد لا يتجاوز أواخر كانون الثاني 2005 .
وإسترشاداً بمواقفنا وخطنا السياسي العام، ساهم ممثلو حزبنا بشكل مباشر في الحوارات الثنائية، والمتعددة الاطراف مع الجهات المعنية بالقضية العراقية، محلية ودولية.
ولم تجر المشاورات حول تكوين الحكم المؤقت بعيداً عن تأثير توازن القوى بين المتحاورين، والأجواء العامة التي تسود البلاد، والضغوط الدولية والإقليمية.
وتمثل في الوزارة الجديدة عدد اكبر من القوى السياسية ومن ابناء المحافظات ، كما انها ضمت نسبة نساء اكبر.. وارتباطاً بذلك، كله، وانطلاقاً من قراءة حزبنا لتعقيدات الوضع وصعوباته وما كان يحمل من مخاطر وتحديات كثيرة، ورغبة منه في الاسهام في تيسير تقدم العملية السياسية، وتسهيل عملية نقل السلطة والسيادة، فقد اتخذ موقفاً ايجابياً ازاء ما جرى وما انطوت عليه التغييرات الأخيرة في بنية الحكم. لقد سعى الحزب الى إسناد كل ما هو ايجابي ، ونقد كل ما يعرقل نقل السلطة وإنهاء الاحتلال واستعادة السيادة والاستقلال وبناء المؤسسات الديمقراطية، وما يرتكب من اخطاء وما يبرز من ثغرات. وكما انطلقنا عند مشاركتنا في مجلس الحكم من النظر اليه باعتباره منبر صراع من اجل تقليص امد الاحتلال وتدشين العملية الديمقراطية، فان حزبنا نظر الى مشاركتنا في الحكم المؤقت باعتبارها اسهاما في السلطة الجديدة لانجاز مهمات الطورالاول من المرحلة الانتقالية ، وتدشين اسس العملية الديمقراطية، وصياغة الدستور الدائم، والدفاع عن المصالح الاساسية لشعبنا لاسيما الكادحون وعموم شغيلة اليد والفكر، واستكمال السيادة والاستقلال الوطنيين، ودعم الاجراءات الايجابية ، على ان يقترن ذلك بنقد اية ثغرات ومظاهر سلبية في اداء الحكم .

القرار 1546
واعتبر حزبنا القرار رقم 1546 الصادر عن مجلس الامن في 8 حزيران 2004، دعما للخطوات المتخذة على طريق انهاء الاحتلال واستعادة السيادة الوطنية الكاملة، وللعملية السياسية،. ومما له دلالته ان القرار اكد حق الشعب العراقي في تقرير مستقبله السياسي بحرية، وفي ممارسة كامل السلطة، والسيطرة على موارد البلاد المالية والطبيعية. ورغم ان القرار لم يتبن، صراحة، قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية، الا انه اقر الجدول الزمني لاستكمال هذه المرحلة، كما اعطى دورا اكبر للامم المتحدة وصولا الى انتخابات كانون الثاني 2005 . ووفقا للقرار فقد تم انهاء الاحتلال "رسميا" وتولت الحكومة العراقية المؤقتة مهامها . 
وقد عانت الحكومة المؤقتة من ظروف صعبة تمثلت في التركة الثقيلة للنظام المقبور وما ترتب على الاحتلال من نتائج واستشراء للارهاب والصراعات اللاشرعية بين بعض القوى السياسية، يضاف الى ذلك مشكلة حل الجيش والتردد في معالجة قضايا ومشاكل موظفي الدوائر المنحلة والادارة غير الموفقة لهيئة اجتثاث البعث وتردي الخدمات وضعف المبادرات لتطويرها والسكوت عن اخطاء وممارسات "قوات التحالف"،ويضاف الى ذلك ضعف كفاءة بعض وزرائها وغياب الروح الجماعية في العمل . ان ما ذكر اعلاه اثر على قدرة الحكومة المؤقتة في انجاز الكثير من المستحقات الواجبة التحقيق.

انعقاد المؤتمر الوطني وانتخاب المجلس الوطني المؤقت
ظل شعبنا العراقي منذ انهيار النظام الدكتاتوري ، يتطلع إلى منبر وطني يعتمد تقاليد العمل الديمقراطي ويعزز الصلات بين القوى السياسية والاجتماعية ويخلق علاقات جديدة مبنية على الاحترام المتبادل، ويقيم مؤسسات ديمقراطية شرعية تدافع عن مصالح الوطن العليا. 
وفي هذا السياق جاء التئام المؤتمر الوطني العراقي المؤقت في ايام 15- 18 آب 2004 وفقاً لما تم الاتفاق عليه في ملحق قانون ادارة الدولة العراقية ، خطوة هامة نحو تحقيق التطلع المذكور. حيث شارك فيه أكثر من 1300 مندوب ومندوبة ، اسسوا للركن الرابع للحكم العراقي المؤقت الى جانب مجلس الوزراء ورئاسة الدولة وسلطة القضاء.
ورغم أن المؤتمر انعقد في ظروف اتسمت بتصاعد اعمال العنف والنشاطات الارهابية والتخريبية ، وان صعوبات جديّة ظهرت خلال فترة التحضير لعقده ، فضلاً عن النواقص التي رافقت اختيار المندوبين ، فقد كان محطة ذات اهمية في العملية السياسية ، وخطوة ضرورية على طريق انجاز مهام الفترة الانتقالية. ولعل ابرز ما ميّز المؤتمر، رغم كل الصعوبات، هو المشاركة الواسعة لممثلي مكونات المجتمع العراقي القومية والدينية والمذهبية ، وتياراته السياسية التي تعبر عنها أحزاب وتجمعات وطنية وقومية وإسلامية ، ساهمت عقوداً طويلة في مقارعة الدكتاتورية وكافحت ضد سياسات التعصب والتمييز القومي والطائفي ، الامر الذي اضفى عليه بعداً وطنياً عاماً . كما انه تميز باسهام للمرأة لم يسبق لسعته مثيل.
وبجانب ذلك بيّنت طبيعة النقاشات في المؤتمر وتنوعها ، أنه تحول فضاءً رحباً يستوعب شتى الافكار والآراء والمقترحات ويؤمّن تفاعلها . وبرغم تعقيدات العملية السياسية وتنوع المشاكل وتباين المقاربات ، سادت المؤتمر الروح الديمقراطية ، وبدا جلياً ان هناك امكانية فعلية لتحقيق توافقات سياسية وصياغة برنامج وطني ديمقراطي يجتذب مختلف اطياف ومكونات الشعب العراقي. 
واكدت اعمال المؤتمر ونتائجه ، ان مبدأ التوافق في الظروف الملموسة ، مبدأ هام لتجميع طاقات أوسع مكونات الشعب العراقي وقواه الفاعلة ، ولوضع البرنامج آنف الذكر موضع التنفيذ.
لكن حزبنا اكد كذلك ضرورة تأشير النواقص والثغرات التي رافقت الإعداد لعقد المؤتمر، بأمل تلافيها لاحقا، خصوصا عند التحضير للانتخابات الوطنية العامة المباشرة في كانون الثاني 2005 . وذكر منها:
ان عملية انتخاب مندوبي المحافظات الى المؤتمر شهدت انتهاكات للتعليمات والضوابط المقرة ، وان هيئات مشرفة وبعض أعضاء الهيئة العليا ومؤسسات سياسية ودينية وغيرها ساهمت في ذلك . في حين ان بعض المحافظات لم تشهد انتخابات اصلا، وتم اختيار المندوبين بالتوافق. 
ان بعض الاطراف السياسية والاجتماعية قاطعت المؤتمر، وبعض التنظيمات لم ترغب في المشاركة في أعماله، مما عرقل المساعي المخلصة التي بذلت من اجل تجميع كل القوى العراقية للمساهمة في هذا الجزء المهم من العملية السياسية.
وفي مقابل ذلك توّج المؤتمر اعماله بانتخاب مجلس وطني مؤقت من 100 عضو، تمثلت فيه أطياف المجتمع العراقي المختلفة.
باشر المجلس عمله وهو يدرك انه ليس بالمؤسسة ذات الصلاحية التشريعية الكاملة، ولكنه أيضا ليس مجرد جهاز استشاري ، وان نشاطه وعمله يعتمدان الى حد كبير على جدية أعضائه وهمّتهم ونشاطهم وتنسيق جهودهم.
ويمكن القول، عموما،ً أن انعقاد المؤتمر ونجاح أعماله، وانتخاب مجلس وطني مؤقت واسع التمثيل السياسي والاجتماعي، لأول مرة في تأريخ العراق المعاصر، شكلا خطوة كبيرة في اتجاه بناء المؤسسات الديمقراطية، والسعي لاقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.

انتخابات كانون الثاني 2005
باستكمال تشكيل الحكم العراقي المؤقت بدأت مرحلة الاعداد لاجراء الانتخابات العامة لاختيار جمعية وطنية تأسيسية انتقالية، يكون من ضمن واجباتها واولوياتها صياغة الدستور الدائم والتحضير لاستفتاء شعبي عليه ، ثم لانتخابات عامة ثانية اواخر عام 2005 ، ينبثق عنها برلمان فحكومة وطنية، الامر الذي يعني استكمال الطور الثاني والاخير من المرحلة الانتقالية. 
وكان من شأن ذلك كله أن يوفر المستلزمات المادية والمعنوية لانهاء الوجود العسكري الاجنبي واستكمال مقومات السيادة والاستقلال، واتمام بناء المؤسسات الديمقراطية الكفيلة بمنع عودة الديكتاتورية الى بلادنا.
وقد القى هذا كله على عاتق حزبنا والقوى السياسية الاخرى الساعية الى انجاز المهمة المزدوجة المذكورة اعباء كثيرة، وتطلب تعبئة قوى شعبنا، وقيام القوى الديمقراطية على وجه الخصوص وحزبنا بشكل اخص، بدور فاعل في هذه العملية الصعبة والمعقدة، ولكن الواعدة.
بحثت الأطراف المعنية ، في حينه ، مسألة اجراء الانتخابات في وقتها المحدد، باعتبار ذلك حاجة سياسية، يرتبط بها اضفاء الشرعية الكاملة على السلطة ومؤسسات الدولة العراقية. فشرعية الحكم كانت آنذاك مستمدة من قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1546، ومن كون الاطراف الوطنية المشاركة فيه تمثل شرائح واسعة من الشعب وتحظى بالاعتراف العام . وكان المطلوب ترسيخ هذه الشرعية عبر حصول الحكم على ثقة الشعب في انتخابات حرة نزيهة وتحت إشراف الأمم المتحدة.
وكان موقف حزبنا واضحاً لجهة الرغبة بان يشارك في الانتخابات كل العراقيين ، داخل الوطن وخارجه ، على تنوع مذاهبهم الفكرية والسياسية ومواقفهم إزاء الوضع القائم ، وعلى اختلاف قومياتهم ، من النساء والرجال . وكنا نرى ان التحجج ـ على اساس موقف مسبق ـ بعدم امكان ان تكون الانتخابات حرة ونزيهة ، سيسهم في توفير المبررات لإبقاء التدخل الأجنبي فترة أطول ، بدعوى عدم توفر الأمن ، والخوف من الفوضى وتأثيراتها على المنطقة والعالم.
وحرص حزبنا ، باعتباره طرفا مشاركا في العملية السياسية ، على إنجاح عملية الانتخابات . فنشط ممثلوه في اللجان والهيئات التي هيأت لهذه الانتخابات واعدت وثائقها، فيما ساهمت صحافته ومكاتب علاقاته في الترويج لفكرة الانتخابات وضرورتها . وعمل الحزب على حشد المواطنين وتأمين مشاركتهم في العملية الانتخابية ، الى جانب تهيئة منظمات الحزب ورفاقه وأصدقائه للانخراط في العملية وتأمين حضور للحزب في البرلمان الجديد ـ الجمعية الوطنية الانتقالية. رغم تفهم حزبنا للطروحات التي كانت تؤشر لصعوبة اجراء انتخابات سليمة ومشاركة اوسع القوى فيها جراء الظروف السياسية والامنية المعقدة .
ومن تلك المنطلقات وبالاستناد اليها ، سعى الحزب للدخول في ائتلافات وتحالفات مع القوى والاحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية الاخرى . وعندما لم يتحقق ذلك، خلافا لما كانت عليه التوافقات في لقاء دوكان وما سبقه ، خاض الانتخابات في قائمة " اتحاد الشعب "مع عناصر ديمقراطية مستقلة وممثلين عن بعض الطوائف والاقليات.
كنا نؤكد باستمرار أننا نريد انتخابات حرة، نزيهة، تعكس حقا إرادة العراقيين وتطلعهم إلى حياة مستقرة آمنة، والى بناء دولة القانون والعدل واحترام حقوق الإنسان، واننا نريد تأسيس تجربة تقدم نموذجا متقدما عصريا، يليق بشعب وادي الرافدين وتراثه الحضاري الثري . واكدنا ضرورة التنافس على أساس البرامج السياسية وما يميز كلاً من القوائم والمرشحين . وكنا نريد للتجربة أن تكون بعيدة عن كل ما يمكن ان يثلم صدقيتها ، منطلقين في ذلك من قناعة راسخة بأن إجراء انتخابات بمساهمة واسعة من أبناء الشعب العراقي ، وتتمتع بالمزايا التي اشرنا إليها ، سيكون ردا حاسما على قوى الشر والعدوان والجريمة والإرهاب ، وسيدفع المزيد من العراقيين للمساهمة في العملية السياسية والمشاركة في رسم مستقبل بلدهم ، وسيمكننا من التقدم على طريق البناء الحقيقي لمعالم الديمقراطية ومؤسساتها، وإحداث نقلة نوعية في حياة المواطن العراقي على مختلف الصُعد.
لقد كان ممكنا لانتخابات كهذه ان تكون ممارسة أولى في الطريق الصحيح، وان تمهد لإجراء انتخابات أخرى سليمة، معافاة . ومن هنا دعونا الجميع الى الحرص على تحقيق ذلك، دون اعتبار لمقعد إضافي في الجمعية الوطنية ، ودون السعي لتثبيت حقوق مكتسبة في ظروف غير مستقرة. فمن المهم أن ينتصر العراق وشعبه وإرادته ، وأن تكون الولادة سليمة.
وكنا ندرك ونحن ندخل الانتخابات، التي كان إجراؤها بحد ذاته مكسبا كبيرا ، أنها لا تجري في ظروف طبيعية ، مثالية ، بل في ظل ضعف التقاليد الديمقراطية والوعي الانتخابي وتغييب إرادة العراقيين لسنوات طوال بأساليب وطرق شتى . 
وهذا ما انعكس ، للأسف ، في الممارسة الانتخابية التي شهدت الكثير من الثغرات والنواقص والتجاوزات الجديّة والكبيرة ، في طول البلاد وعرضها ، ولجوء بعض القوائم إلى مختلف الانتهاكات الفظة ، بهدف الحصول على مقاعد إضافية في الجمعية الوطنية . هذا فضلا عن سوء ادارة العملية الانتخابية من قبل مفوضية الانتخابات. 
وبتأثير الظروف والعوامل المتداخلة المذكورة ، بما فيها رد الفعل على ممارسات النظام السابق من اضطهاد قومي وتمييز طائفي وقمع سياسي ، اعطت اغلبية المواطنين، في اللحظة التاريخية المحددة من الصراع السياسي، اصواتها للطائفة والقومية والعشيرة وللسلطة الحاكمة ، ولم تصوت على اساس مصالحها الاجتماعية ، ولا على اساس البرامج السياسية للكتل المتنافسة. 
في نيسان 2005 أقراجتماع اللجنة المركزية وثيقة تقييم للحملة الانتخابية، اوضح فيها ان النتائج التي تحققت لا تعبرعن الثقل السياسي والنوعي للحزب في المجتمع والحياة السياسية للبلاد. 

انتخابات مجالس المحافظات
جرت انتخابات مجالس المحافظات بتاريخ 30 كانون الاول 2004، و تنوعت أشكال مشاركتنا فيها، ففي بعض المحافظات اشتركنا باسم حزبنا الشيوعي وفي محافظات أخرى اشتركنا بعناوين متنوعة، طبقا لنوع وشكل تحالفنا السياسي في المحافظة المعنية. وكانت تلك الانتخابات بمثابة الايذان ببدء الدورة الاولى لمجالس المحافظات. 
لا شك أن الدور المناط بمجالس المحافظات هو دور كبير، ويمكن ملاحظة احد مؤشرات ذلك من خلال حجم التخصيصات التي وضعت لها في ميزانية عام 2007، حيث كانت لها الحصة الأكبر .
ونرى ان العمل في مجالس المحافظات والمجالس البلدية ميدان هام لما له من تماس مباشر بحياة الناس ومصالح الجماهير والمشاكل التي يواجهونها، وما يمكن لها ان تقدم من خدمات ضرورية للناس. 
وهناك الكثير مما يمكن ملاحظاته على عمل مجالس المحافظات والبلدية ، واليقين انه يمكن ان تقدم الافضل لو احسن تنظيم العمل فيها وابعدت عن الصراعات والمنافسات الحزبية والطائفية الضيقة 
ويقينا ان هناك دورا كبيرا يمكن ان تنهض به مجالس المحافظات والبلدية ، فعلينا متابعته والاهتمام به ،لاسيما نحن على اعتاب دورة انتخابية جديدة لها.

تشكيل الحكومة الانتقالية واداؤها
ومع التأكيد على أهمية انتخابات كانون الثاني (2005) باعتبارها حدثا تاريخيا ذا دلالات ومعان سياسية بالغة الأهمية، إلاّ إنها أنتجت اختلالا كبيرا في ميزان القوى جراء تعميق الاستقطاب الطائفي - القومي . وانعكس هذا الاختلال في تشكيل، ثم في أداء الحكومة بمكوناتها الثلاثة حسب قانون إدارة الدولة: مجلس الوزراء، رئاسة الجمهورية، ورئاسة الجمعية الوطنية. فلم تجتمع الجمعية الوطنية الا بعد ثلاثة اشهر، وحالت تركيبتها وغلبة مقاعد الائتلاف الموحد والتحالف الكردستاني عليها دون ادائها دورها الرقابي بالمساءلة الحقيقية للسلطة التنفيذية ، واختزل دورها واقعا في كتابة مسودة الدستور. كما لم تتشكل الوزارة إلاّ بعد استعصاء وتأخير، وعلى وفق قاعدة المحاصصة بين القائمتين الفائزتين في الانتخابات .
ومن جانبنا دعونا، مع اطراف سياسية اخرى ، وارتباطا بظروف البلاد وحاجتها ، الى تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة التمثيل ،ذات برنامج يتضمن التزامات محددة ، وهو ما لم يتحقق .
ودار بين القوى والاطراف المتنافسة ، في ضوء ما افرزته الانتخابات في بُعدها السلبي من مظاهر استقطاب طائفي وقومي ، وما عكسته من ضعف في الوعي السياسي والانتخابي ، صراع حول الرؤى والتصورات في شأن مستقبل العراق السياسي . وجرى ذلك في ظل ميزان قوى غير مستقر، نجم عن عدم مشاركة فئات واسعة في الانتخابات ، بسبب الوضع الامني المتدهور في بعض المناطق ، ولرفض بعض الاطراف السياسية المشاركة .
لم يشارك حزبنا في الوزارة الجديدة ،ولم يتخذ موقفا مسبقا منها - بالمعارضة أو بالتأييد . بل اوضح اننا سنحدد موقفنا وفقا لما تنتهج هي من سياسات ، وما تتخذ من إجراءات ، وبناء على توافق هذه السياسات والإجراءات مع مصلحة الشعب والوطن، ومصلحة العملية السياسيةوالمسيرة الديمقراطية في البلاد. فنؤيدها حين تأتي متوافقة ، ونعارضها عندما لا تكون كذلك. 
واكد الحزب ان ايدينا ستكون ممدودة للتعاون والتنسيق لما فيه خير الشعب والوطن ومصلحتهما. لكنن،ا في الوقت عينه، سنكون واضحين في نقدنا لكل موقف او اجراء يضر بتلك المصلحة ، او يخل بالتوجه نحو بناء الديمقراطية ومؤسساتها ، وسنقول لا لكل مسعى هدفه الهيمنة او الاستئثار، وكل محاولة لمصادرة الآخر ورأيه ودوره تحت أي مسمى . وسنقول نعم لاحترام التعددية الفكرية والسياسية والحق في الاختلاف والتنافس النزيه على اساس البرامج السياسية ، خدمة للشعب ولتطلعه الى حياة آمنة كريمة مستقرة، في عراق ديمقراطي فيديرالي موحد.
وعموما فان تشكيل الوزارة من القائمتين الفائزتين (الائتلاف والتحالف ) اساسا ، اوجد نقطة ضعف في مرتكزات وتوجهات الحكومة وادى الى خفض مستوى أدائها وتعزيز الفردية، واسهم في مفاقمة الاوضاع العامة واضعاف العمل الوطني الموحد الضروري لمواجهة التحديات الخطيرة. وجاءت حصيلة عمل الحكومة لتؤكد ما كنّا خشيناه وحذرنا منه . فما من مؤشر موضوعي لتقييم أدائها وإنجازها الا واظهر ضآلة ما حققت ، فضلا عن التراجع في معالجة ملفات اساسية.

الدستور والموقف منه
في اطار استحقاقات العملية السياسية شكلت عملية كتابة الدستور وإقراره من قبل الشعب في الاستفتاء العام منتصف تشرين الاول 2005 استحقاقا رئيسا. فالدستور يمثل المنهاج الذي تعتمده الدولة العراقية، وتشيّد على وفق مبادئه المؤسسات السياسية والحقوقية للعراق الجديد، وتنظم توزيع السلطات في ما بينها.
تشكلت لجنة كتابة الدستور بعد الانتخابات العامة بما يزيد على اربعة اشهر، من 55 عضواً يمثلون اللوائح الانتخابية والتيارات السياسية الممثلة في الجمعية الوطنية، وطغى على تشكيلتها الاستحقاق الانتخابي ( حجم كتلة الناخبين المصوتين للقائمة المعينة ، معبرا عنه بعدد مقاعدها في البرلمان ). وبالنظر الى أهمية وثيقة الدستور، كان هناك اجماع على إشراك ممثلين عن القوى والمناطق التي لم تجرِِ فيها انتخابات. وكان من رأينا أن تكون مشاركة ممثلي المناطق المذكورة على اساس التيارات السياسية (الإسلامية، الديمقراطية ، القومية) وليس على أساس كونهم من "العرب السنة" كما أراد الآخرون . فمثل هذا التوصيف يحمل معان طائفية يتوجب عدم تكريسها. وفي النهاية ارتفع عدد أعضاء اللجنة إلى 71 عضوا .
واثر ذلك انطلقت عملية كتابة الدستور وسط جو من التوتر وتصعيد سقف المطالب . وكان هناك عديد من النقاط التي ظلت موضع تجاذب ، ومنها الموقف من شكل الدولة العراقية ، والفيدرالية وحق تشكيل الأقاليم وصلاحياتها وتوزيع الثروات الوطنية ، وتشبث البعض بالدولة المركزية ، اضافة الى الموقف من العلاقة بين الدين والدولة.
ووصل الحال في اللجنة أواخر تموز 2005 الى طريق مسدود، الامر الذي فرض عقد لقاء للقيادات السياسية بهدف تحريك الوضع والوصول الى حالة من التوافق بين الكتل المختلفة .
ورأى الحزب في تقييمه لعملية اعداد مسودة الدستور انها اخذت الكثير من الجهد والوقت ، وجاءت حصيلة لمناقشات طويلة ومناورات سياسية ، وانها تنطوي على الكثير من القضايا والاشكالات المثيرة للجدل ، وتعكس ميزان القوى السائد عند اعدادها. لقد قيّم حزبنا مسودة الدستور ايجابيا في اطارها العام ، لكنه تحفظ على العديد من فقراتها وموادها ، خصوصاً تلك التي تخل بالطابع المدني - الديمقراطي المنشود للدستور، وتلك التي تقيد حقوق المرأة. ويمكن القول ان هناك قضايا كثيرة انفردت في التحكم بها القائمتان الرئيسيتان (الائتلاف والتحالف) ، ما يعني ان مسودة الدستور صيغت أساساً بالاستناد إلى الاستقطاب السائد في الجمعية الوطنية.
واعتبر الحزب الوثيقة محصلة توافق رؤى مختلفة ، يتوجب عدم النظر اليها كوثيقة نهائية ، خاصة وانها احتوت آليات وضوابط تتيح تعديلها في المستقبل ) المادة 126 من الدستور). فما لم يسمح توازن القوى في البداية بتحقيقه ، يمكن العمل لانجازه، لاحقا، عبر تراكم المستلزمات الضرورية ، وبما يؤمن ترسيخ مباديء واسس الدولة الديمقراطية العصرية.
هذا فضلا عن ان الاطراف المختلفة اتفقت على تسوية تقضي بالمشاركة في التصويت على الدستور واجراء التعديلات عليه،لاحقا، بعد انعقاد مجلس النواب وفقا للمادة 142 من الدستور .
صوت لصالح الدستور الدائم 78% من الناخبين ، وبذلك حظي بموافقة غالبية الشعب. وحسب قانون ادارة الدولة فانه يدخل حيز التنفيذ بعد اجراء الانتخابات العامة الثانية (التي جرت بالفعل في 15 كانون الأول 2005 ) وتشكيل مجلس النواب المنتخب للحكومة الجديدة.
لكن الحزب رغم ملاحظاته على المسودة ، رأى في اقرار الدستور محطة هامة وكبرى في العملية السياسية الجارية والمرحلة الانتقالية . كما اعتبرها لحظة تاريخية تسجل لانتقال سلمي ، بإرادة الملايين من ابناء الشعب العراقي على اختلاف منحدراتهم واتجاهاتهم السياسية والقومية والدينية ، من مرحلة الدساتير المؤقتة والمعلقة الى فضاء الدستور الدائم وما يفترض ان يقوم بجانبه من مؤسسات تكون رافعة لإقامة الدولة الديمقراطية المدنية الاتحادية.
ان شعبنا هو صانع هذه المأثرة ، فقد شارك في الاستفتاء ليس فقط بهدف ابداء الرأي حول مسودة الدستور، بل وللتعبير عن العزم على المساهمة في العملية السياسية ، التي انضم اليها، رغم الصعوبات المعروفة ، ابناء شعبنا في المناطق التي لم يتسنَ لها المشاركة في الانتخابات السابقة . وذلك مؤشر على تلمس الطريق السليم الى ترسيخ الممارسة الديمقراطية والأخذ بها وسيلة لإبداء الرأي ، بل وحتى للمعارضة.
لقد قدم التوجه الى صناديق الاقتراع يوم 15 تشرين الاول 2005 البديل المقبول والمرتجى عن النهج المدمر القائم على الإرهاب والقتل والتفخيخ ، وشل الحياة العامة و تدمير مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ، التي ما زالت تحبو، بأمل ان يقوى عودها وتقف على ارجلها ، لتسهم في اعادة الأمن والاستقرار وفي تطبيع الأوضاع والسعي الجاد لمعالجة الملفات الساخنة التي تمس حياة المواطن اليومية في الصميم.
وعبر حزبنا عن التطلع الى ان يكون الدستور الدائم اداة اضافية لتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخها ، وتجاوز حالة الاستقطاب القومي - الطائفي في المجتمع ، واعلاء شأن المواطنة والتعامل مع المواطنين العراقيين على قدم المساواة بغض النظر عن انتماءاتهم ومشاربهم .
وبعد اقرار الدستور دعا الحزب الى دراسته واستيعابه والدفاع عن ايجابياته العديدة ، الى جانب مواصلة العمل لتعديل الفقرات التي تشكل خللا في طبيعته الديمقراطية المدنية. فعن هذا الطريق نراكم عناصر ومستلزمات التصدي للتفسيرات الضيقة لمواده ، ونزود المواطن بأدوات معرفة حقوقه كما نص عليها الدستور. وستكون العبرة في تطبيقه والقوانين التي ستصدر بالاستناد اليه . كذلك دعا حزبنا الى جعل اقرار الدستور الدائم نقلة هامة في ترسيخ الحياة الدستورية البرلمانية ، وخطوة على طريق تعميق الممارسة الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات والعدل والقانون واحترام حقوق الإنسان .

انتخابات كانون الاول 2005
حظيت انتخابات كانون الاول 2005 باهتمام كبير من لدن حزبنا ، الذي اكد انها ، بجانب كونها استحقاقا قانونيا - سياسيا - معنويا ، كانت ممارسة سياسية لتداول السلطة سلميا ، وركنا اساسيا في الممارسة الديمقراطية. فهي ليست كل الديمقراطية ، لكنها تتكامل مع اركانها الاخرى.
وكانت منظمات الحزب قد شرعت بالاعداد المبكر لخوض الانتخابات البرلمانية الثانية ، مستندة الى خلاصة تجربة الحزب في الانتخابات الاولى ( كانون الثاني 2005 ) . وكان لا بد من جهود كثيفة لتجاوز النواقص والاخطاء التي شخصتها وثيقة التقييم المقرة في اجتماع اللجنة المركزية في نيسان 2005 ، ولمواجهة ما نتج عن الانتخابات الاولى من استقطاب طائفي - قومي ، ترك بصماته على مجمل العملية السياسية وعلى تشكيل الحكومة واداء الجمعية الوطنية.
وفي مجرى الاستعداد للانتخابات كان على حزبنا أن يبلور آلية المشاركة فيها. وكانت امامه ثلاثة خيارات :
- المشاركة بقائمة منفردة كما في انتخابات كانون الثاني 2005 ؛
- المشاركة بقائمة تحالفية للقوى الديمقراطية ؛ 
- المشاركة ضمن تحالف انتخابي واسع.
وعلى أساس تحليل ملموس لتوازن القوى السائد في حينه، وانطلاقا من :
* طبيعة الصراع الدائر؛
* الحاجة لانقاذ الوطن عبر مشروع وطني ديمقراطي ؛
* لقاءالمشتركات بين قوى وطنية وديمقراطية وليبرالية ؛
* ضرورة مواجهة الاستقطاب الطائفي – القومي الذي اتضحت معالمه في صياغة التحالفات والقوائم الانتخابية ؛
* تقديراتنا الموضوعية لقوى اليسار الديمقراطي وامكانياتها ؛ 
وبعد المشاورة الواسعة في عموم الحزب وإستفتاء كادره ، تقررأن نتوجه الى التحالف الانتخابي الواسع. وقد تجسد هذا التحالف في " القائمة العراقية- الوطنية " وما ضمت من قوى واوساط هي، عموما، ديمقراطية وليبرالية. 
وكان مدخل البحث عما هو مناسب في الظروف الملموسة آنذاك مشروعنا للبديل الوطني الديمقراطي ، الذي يهدف الى اعلاء شأن المواطنة العراقية ، وتعزيز الوحدة الوطنية ، وتحقيق المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الجنس والقومية والدين والطائفة والمذهب والمعتقد والفكر والموقع الاجتماعي والاقتصادي . هذا المشروع الذي يجسد طموح الشعب الى اقامة النظام الديمقراطي ودولة القانون والمؤسسات.
وعند اعلان مساهمتنا في "القائمة العراقية الوطنية " ، وانطلاقا من تجربة الحزب السابقة في التحالفات المؤقتة والاطول مدى ، اكدنا ان أي تحالف لا يمكن ان يلغي الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي للحزب ، ولا حريته في التحرك واتخاذ المواقف التي تنسجم مع منطلقاته ومبادئه وفي الدعوة لها حاضرا ومستقبلا. 
ورأى حزبنا ان الانتخابات الثانية جرت ، هي ايضا ، في ظروف غير طبيعية ، وفي ظل ضعف الوعي والتقاليد الديمقراطية ، والتركة الثقيلة للاستبداد المديد ، والتركة الاخرى للاحتلال وتأثيراته ، والازمة المحتدمة التي تتمثل عناوينها في اضطراب الوضع الامني ، وتوتر العلاقات السياسية ، وضعف التنسيق او انعدامه بين اركان الحكومة بمعناها الواسع ، والاداء الحكومي الضعيف ، والاحتقان السياسي - الاجتماعي ، وتردي ظروف المعيشة والخدمات العامة ، واشتداد الاستقطاب الطائفي- القومي ، وتعزز دور الميليشيات ، وغير ذلك مما ترك بصماته على مجرى العملية الانتخابية ونتائجها. 
الا ان اجراء الانتخابات ، والاسهام الواسع فيها مرة اخرى ، شكلا تحدياً كبيراً للقوى المعادية لشعبنا وللديمقراطية والامن والاستقرار، وتمسكاً بالعملية السياسية، وادراكاً لضرورة انجاز آخر محطاتها والعبور الى مجلس منتخب وحكومة جديدة تمتد ولايتها اربع سنوات. واكتسبت الانتخابات اهميتها ، ايضا ، من المهام الكبيرة التي تنتظر مجلس النواب ، وفي مقدمتها ما له علاقة بالدستور والتعديلات المحتمل ادخالها عليه ، وتشريع القوانين التي ترسم بمجموعها معالم عراق اليوم والغد. 
لكن المؤسف إن الانتخابات سجلت منذ مرحلة التحضير لها ، وخلال الحملة الانتخابية ، وفي يوم الصمت الإعلامي ، وحتى في يوم الاقتراع ذاته ، ثم عند فرز الأصوات ، تورط بعض القوائم في الكثير مما هو محرم وغير مشروع ومخالف للتعليمات والانظمة الانتخابية - بما فيها الانظمة التي وضعتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات - ولقانون ادارة الدولة ، الى جانب الكثير من التجاوزات والانتهاكات الفظة المسيئة ، التي وصلت حد ازهاق ارواح مرشحين ونشطاء سياسيين، بينهم العديد من رفاقنا ، وخروج اجهزة الدولة ولاسيما الامنية عن الحياد المفترض فيها.
وفي المراحل المختلفة من العملية الانتخابية قدم العديد من القوائم والكيانات ، ومنها القائمة العراقية الوطنية ، 1985 شكوىً الى المفوضية العليا للانتخابات ، التي لم تتخذ إجراءً فاعلاً في شأنها ، بل وبعكس المتوقع اعلنت عن نتائج جزئية غير مصدقة ، ثم اضطرت لاحقا الى تعديل أرقامها !
وكان موقف الحكومة وأجهزتها هو الآخر مخيباً للآمال ، حيث اختارت السكوت ولم تتحرك للتحقيق في الاعتداءات التي استهدفت مقرات احزاب وتنظيمات معروفة ، منها حزبنا الشيوعي ، ولم تلاحق القتلة ومن يقف وراءهم ، تمهيدا لاحالتهم الى العدالة . وقد اشّرهذا، وغيره، نكوص الحكومة عن أداء واجبها بتوفيرالحماية والأمن للعملية الانتخابية ، والسهرعلى إنجاحها ، وهو ما اثار بجانب ضعف اداء المفوضية وعزوفها عن اتخاذ الاجراءات الكفيلة بضمان سلامة الانتخابات ونزاهتها وشفافيتها - موجة واسعة من الاستياء والاحتجاج من جانب المواطنين والكثير من الاطراف المتنافسة في الانتخابات ، ومنها القائمة العراقية الوطنية.
وعلى خلفية ذلك كله تنادت القوى والكيانات التي اعتبرت نفسها متضررة ، لتشكيل "مرام" وهي حركة متنوعة الاطراف والاهداف ، استهدفت التعبيرعن الاحتجاج ، والمطالبة بتدقيق نتائج الانتخابات ، والنظر في الشكاوي والطعون المقدمة في شأنها . وعند فحص الطعون لم يتصف اداء المفوضية ، مرة اخرى ، بالحياد والكفاءة ، ولذا طالبت "مرام" باستقدام فريق تحقيق وتدقيق دولي ، وهو ما حصل فعلا . واكد التقرير الذي قدمه الفريق، في ما بعد، صحة ما ذهب اليه المحتجون . وارتباطا بذلك اضطرت المفوضية الى التجاوب مع بعض الشكاوي ، فألغت 227 صندوقا ، اي ما يعادل حوالي مئة الف صوت . ورغم اننا ،كحزب، لسنا طرفا في " مرام " فقد اوضحنا انها ادت مهمتها في حدود ما قامت به بعد اعلان نتائح الانتخابات.
وأشّر تقريرا الفريق الدولي والمفوضية، رغم كل ما فيهما من نواقص، الخلل الذي رافق العملية الانتخابية وحقيقة وقوع التجاوزات والانتهاكات. وتضمن تقرير الفريق الدولي ،ايضا، توصيات هامة، سيتوجب الاخذ بها مستقبلا عند اجراء انتخابات تتصف بالشفافية والنزاهة. 
لقد شهدت الانتخابات الثانية ، شأن الاولى ، انتهاكات جدية وتزويراًً مفضوحاً وواسعاً في الداخل وفي الخارج . ولم يجر التصويت بمعزل عن حمى التعبئة الطائفية والقومية ، وتغليب الولاءات التقليدية على الولاء للوطن ، ولا عن التدخلات الخارجية متعددة المصادر والمقاصد. وقد ادى هذا وذاك الى استبعاد التصويت على اساس البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومع ذلك ، وبفعل جملة من العوامل الموضوعية والذاتية ، جاءت الانتخابات ببرلمان (مجلس نواب) جديد مختلف عن سابقه ويتسم تركيبه بتوازن نسبي ، حيث لم تتمكن ايّ قائمة من احراز الاكثرية المطلقة فيه ، الامر الذي يفسح، موضوعيا، لنشوء تكتلات وائتلافات مفتوحة ، وشهدت الفترة الاخيرة بوادر اولية لمثل هذه التكتلات. 
وبغض النظر عن كل شيء، وانطلاقا من الشعور بالمسؤولية الوطنية، دعا حزبنا الى التعامل الايجابي مع نتائج الانتخابات، دون ان يعني ذلك تزكية كاملة لها او التغاضي عما شابها واثقلها من ممارسات مسيئة لها كممارسة ديمقراطية.

الحكومة الجديدة
ارتباطاً بما افرزته الانتخابات وما رافقها واعقبها من تداعيات ، وما يواجهه شعبنا ووطننا من مهام، و اخذاً بالاعتبار تجربة الحكومة السابقة ، تبنى حزبنا الدعوة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية ، حكومة واسعة التمثيل تضم ممثلي القوى السياسية الفاعلة في مجلس النواب وغيرها ، على ان يتم تشكيلها وفق برنامج سياسي متفق عليه ، وعلى ان تشارك الاطراف المساهمة فيها في رسم السياسات وصنع القرار، بعيدا عن المحاصصة الطائفية والقومية ، وعن منطق الاغلبية الفائزة المقررة ، ولكن من دون تجاهل للاستحقاق الانتخابي. 
ورأى حزبنا ان تشكيل الحكومة على اساس من الحوار والتوافق الوطني واعلاء قيم المواطنة والوحدة الوطنية ، من شأنه ان يشيع الامل والتفاؤل ويعزز اجواء الثقة ويدفع العملية السياسية قدما الى الامام . واعتبر الحزب ذلك البداية السليمة لاي جهد وطني حقيقي ، لانقاذ الوطن من ازماته واعادة الامن والاستقرار الى ربوعه. 
وبعد فترة الجمود التي اعقبت جريمة تفجير المرقد الشريف في سامراء في 22 شباط 2006 ، دخلت الاحزاب والكتل البرلمانية في جولات مفاوضات على مدى اربعة اشهر، تبلورت خلالها مجموعة من المواقف والاجراءات . فقد جرى الاقرار باهمية وضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية والابتعاد عن المحاصصة الطائفية ، وتهيئة الظروف لمساهمة القوى والكتل المشاركة في الحكومة كافة ، مساهمة حقيقية وليست شكلية . وفي ضوء ذلك تم وضع برنامج مشترك للحكومة الجديدة ، كما جرى الاتفاق على وضع آليات ملموسة لترجمة معنى المشاركة الفاعلة في صنع القرارعبر تشكيل المجلس السياسي للامن الوطني . وفي السياق نفسه تم الاتفاق على هيكلية لجنة الامن والدفاع في مجلس الوزراء وآلية اتخاذ القرارات فيه ، كما تم وضع مباديء واسس نظامه الداخلي . 
لقد كان ذلك كله بمثابة خطوات في الاتجاه الصحيح نحو تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ، وكان مفترضاً ان تتحول هذه الخطوات لاحقا الى اجراءات تترجم وتجسد التوافق السياسي في توزيع المسؤوليات. غير انه برزت، بشكل حاد، رغبة بعض الاطراف في الحصول على حصة من المواقع السيادية غير قابلة للتنازل ، الامر الذي ادى للعودة الى نهج المحاصصة الطائفية – القومية ، بل والتخلي عمليا حتى عما طالب به البعض من تقيّد بالاستحقاق الانتخابي . وجرى حرمان " القائمة العراقية الوطنية" من فرصة الحصول على موقع " سيادي " رغم موقفها الايجابي في كل مراحل المفاوضات . 
وبعد انتظار طويل ومفاوضات عسيرة ، حبست الجماهير خلالها الانفاس تطلعا لولادة الحكومة الجديدة (بمعناها الواسع )، جاءت هذه دون مستوى الآمال والطموح ، ولم ترقَ الى مستوى حكومة وحدة وطنية ، وحملت ثغرات جديّة القت وتلقي بظلالها على عمل الدولة ومؤسساتها، وعلى اداء وعمل تلك الهيئات نفسها 
ولم يكن الطريق نحو تحقيق حكومة وحدة وطنية حقيقية سهلا في ظل ما أفرزته الانتخابات الاولى والثانية من استقطاب طائفي - قومي ، واستمراء البعض هذا الاستقطاب طمعا في تحقيق اكبر قدر من المكاسب ، دون ادراك للمخاطر الناجمة عن ذلك . 
وجرى هذا والبلد يكاد يحترق في دوامة المعضلات والاستعصاءات التي تطوقه من كل جانب ، والشلل الذي اصاب الدولة واجهزتها بسبب بقاء الحكومة الانتقالية حكومة تصريف اعمال لفترة تقرب من اربعة اشهر، رافقها تذمر واستياء من جانب المواطنين.
اننا نرى في تشكيلة الوزارة الحالية خليطا من استحقاق وطني واستحقاق انتخابي ، من المحاصصة الطائفية – القومية. والنزوع الى تجاوزها ، وصولا الى تحقيق حكومة الوحدة الوطنية الحقيقية . وان تشكيلها، على هذا النحو، يشير الى امكانية تجاوز الطائفية عند اسناد المسؤوليات في مؤسسات الدولة ،وهو ما لم يتحقق بعد بسبب اعتماد نهج المحاصصة الطائفية والاستئثار بالقرار . ولوحظ مؤخرا تطور ايجابي في الخطاب السياسي تجسد في مشروع المصالحة ومحتوى واتجاهات خطة امن بغداد( خطة فرض القانون). 
عملت هذه الحكومة وتعمل في اجواء غير طبيعية وصعبة ، ووسط تركة ثقيلة ، وارهاب منظم، وفي ظل سلبيات الحكومة السابقة ، اضافة الى الفساد الاداري والمالي ، والمحاولات المحمومة لافساد جهودها . 
وبرغم مضي فترة غير قصيرة على تشكيل الحكومة فان من الصعب الحديث عن تحقيقها اشياء ملموسة ، ولا سيما من تلك التي تمس حياة المواطن مباشرة . وهي تبقى مطالبة، قبل كل شيء، باعادة اجواء الثقة بين اطرافها ، والعمل كفريق عمل وطني واحد وفقا للبرنامج المتفق عليه بين الكتل السياسية . كما ان عليها اتخاذ تدابير وخلق اجواء يتلمس فيها المواطن توجهاً جاداً لمعالجة ما يعانيه وينوء تحته من اعباء ، وبما يؤشر استعادة الثقة بين الدولة والمواطن . ومن اجل ذلك يتوجب ان تتعامل الدولة ووزاراتها ومؤسساتها باعتبارها ملكاً لكل العراقيين . كما يتوجب ان تعمل بجد على تطبيق برنامجها كاملا وفي كل المجالات ، والسعي بشكل خاص الى وقف التدهور الامني ، ووضع حد للقتل والتهجير بسبب الهوية المذهبية ، واعادة الامن والاستقرار الى جميع ربوع البلاد .
ونرى ان الوضع الراهن يحتاج الى تفعيل كل الاليات التي جرى الاتفاق عليها لجهة مشاركة اطراف العملية السياسية في اتخاذ القرارات حول القضايا الاساسية وتحمل مسؤولياتها في تنفيذها والابتعاد عن النظرة الحزبية والطائفية الضيقة في اسناد المسؤوليات واعتماد الكفاءة والنزاهة والوطنية في ذلك . ويتوجب الامر اعادة النظر في دور وعمل المجلس السياسي للامن الوطني بما فيها اعادة النظر في عمله وتركيبته واليات التعامل مع قراراته وتوصياته وان تجد طريقها الى التنفيذ والتطبيق الملموس .
واذا كان من الصعب توقع نجاح ملموس خلال الفترة القريبة القادمة لجملة من الاسباب والعوامل الموضوعية والذاتية ، غير انه يتعين على الحكومة ان تضع اقدامها في بداية الطريق الصحيح لاتخاذ اجراءات ملموسة لتنفيذ مشروع المصالحة وفرض الامن والاستقراروضمان نجاح خطة فرض القانون وحل المليشيات ونزع فتيل الاحتقان الطائفي وانعاش الاقتصاد الوطني، إذ ان المهم بالنسبة للناس هو ان تشيع الامل في نفوسهم، من جديد، بالقدرة على معالجة المهمات الكبرى المعلقة
هذا وكان حزبنا قد حدد موقفه من الحكومة الحالية بتأكيد دعمه لها في اجراءاتها ومواقفها التي تخدم الناس وتلبي حاجاتهم وتستجيب لمطالبهم ، الى جانب تأشير وانتقاد اوجه القصور ومواطن الخلل في عملها وادائها 

مجلس النواب
بدأ مجلس النواب أعماله متعثرا بعد تأخر زاد على اربعة ، رغم انه ظل البلد – وما زال حتى الان- بأمس الحاجة الى برلمان حيوي وفعال، يسهر على احترام الدستور والتزامه، ويكون عاملاً اساسياً في تنفيذ الاستحقاقات الكبيرة، المتمثلة في انجاز المصالحة الوطنية، ومواجهة نزعات التعصب الطائفي والعرقي، وتأمين الوحدة الوطنية وصيانتها، والعمل بكل الوسائل القانونية والشرعية على استعادة الامن والاستقرار في ربوع الوطن. وقد شددنا في هذا الخصوص على وجوب استبعاد الأمثلة السلبية في الطرح، التي صبت الزيت على نار الصراعات والفتن الطائفية المفتعلة، واسهمت في تأجيج اجواء الانفلات الامني والنشاط الارهابي.
واكدنا ان على المجلس ايجاد اجواء عمل تتسم بحيوية النقاش وطابعه البناء، رغم الاختلاف البيّن في وجهات النظر، والانصراف الى البحث في امور تهم المواطنين والبلاد حاضراً ومستقبلاً. كما ينبغي ان تختفي مظاهر التوتر والتشنج، وان يصار الى احداث نقلة في الخطاب السياسي نحو الروح الايجابية، وانتظام الجلسات وتضاؤل الغيابات.
ومن الضروري الى جانب ذلك، النهوض بعمل المجلس. وهذا يتطلب تحسين ادارة عمله، وانتظام عمل رئاسته، وتقيدها بالنظام الداخلي للمجلس، وسعيها الى إشاعة الأجواء الطبيعية البعيدة عن التوترات، وخلق روح الانسجام بين اعضاء المجلس، فضلاً عن التحضير الجيد للجلسات، وتوزيع جدول عمل كل منها مسبقاً على الأعضاء.
ومن الواضح ان المجلس يستطيع ، اذا ما طور كل ما هو ايجابي في ممارساته واستبعد ما هو سلبي ، حتى وان تطلب الامر تعديل نظامه الداخلي، تجسيد دوره الدستوري في العلاقة مع مؤسسات الدولة الأخرى، واحتلال موقعه بجدارة كمؤسسة تشريعية ورقابية ترسي أسس صرح العراق الجديد، الديمقراطي الفدرالي العصري.

موقفنا من القائمة العراقية
كما سبقت الاشارة فان القائمة العراقية الوطنية هي تحالف انتخابي التزمت الاطراف المشاركة فيه ببرنامج يعارض الاستقطاب الطائفي وياخذ بمبدأ المواطنة ويدعو الى اقامة النظام الديمقراطي ودولة القانون والمؤسسات وينبذ العنف والارهاب .
وفي مجرى العمل برزت العديد من الصعوبات ذات الصلة بتنظيم عمل القائمة وبنائها على اساس مؤسساتي ينتظم فيه التشاور وبلورة مواقف قائمة من الاطراف المساهمة فيها ، كما تباينت الرؤى حول العملية السياسية وافاقها وسبل تقويمها واصلاحها . ان حزبنا اكد في اكثر من مناسبة حرصه على تطوير عمل القائمة وتفعيل عملية صنع القرار فيها جماعيا وتطوير ادائها ، وان استمرار عملنا ومشاركتنا في القائمة مرهون بتحقيق كل هذا وفي الاساس مدى الالتزام ببرنامجها المتفق عليه .

الاوضاع الاقتصادية - الاجتماعية
يعيش الاقتصاد العراقي أزمة عميقة وشاملة تمتد ، لجملة من الاسباب، جذورها إلى السياسات الاقتصادية للنظام المباد، وظهرت تجلياتها بوضوح إبان الحرب العراقية- الإيرانية ، ثم استفحلت واتسعت مدياتها واتخذت بعداً كارثياً غداة حرب الكويت وتداعياتها ، خاصة منها الحصار الاقتصادي المنهك. 
وكان المؤتمر السابع لحزبنا ( 2001 ) قد خلص في التقرير السياسي الصادر عنه الى ان نهج النظام الدكتاتوري وخططه واجراءاته في المجال الاقتصادي ، ومجمل سياسته الهادفة اولا وقبل كل شيء الى حماية سلطته وادامتها ، الى جانب العواقب الثقيلة للحصار الدولي ، كل ذلك خلف آثاراً سلبية عميقة في واقع المجتمع العراقي ، وتشويهات في حياته وبنيته ومثله ، وافضى الى تحلل في النسيج الاجتماعي والاسري ، وتصدع في منظومة القيم الاجتماعية والاخلاقية ، وانتعاش للوشائج التقليدية السلبية. وبات من الصعب العثور على دور للفئات الوسطى ، التي كان لها، حتى الامس القريب، موقع ودور فاعلين في الحياة العامة للبلاد. 
وخلال السنتين اللتين اعقبتا المؤتمر السابع وسبقتا سقوط النظام المذكور، ظلت العقوبات الدولية المفروضة على البلاد منذ 1990 من قبل الامم المتحدة تعمق التشوه في البنية احادية الجانب للاقتصاد العراقي ، وتلقي بثقلها على المسيرة الاقتصادية والتنموية . وادى ذلك الى المزيد من تخلف مؤشرات الاداء الاقتصادي الاجمالية والقطاعية ، وارتفاع مؤشرات التضخم النقدي والكساد الاقتصادي ، وشيوع حالات الفقر، وتفشي ظاهرة البطالة في الاقتصاد، وعبء المديونية والاستدانة الخارجية ومظاهر الفساد الاقتصادي والمالي والاداري وغير ذلك ، وبالتالي تكريس الطابع الريعي، غير الانتاجي، للاقتصاد العراقي .
واكتسبت الأزمة ملامح جديدة بعد سقوط النظام في 9 نيسان 2003 ، واحتلال البلاد وتكريس ذلك دولياً في قرار مجلس الامن الدولي رقم 1483، وما اعقب ذلك من آثار سلبية جرّاء السياسات الاقتصادية لسلطة الاحتلال. 
وفي الظروف الجديدة ، ومع اشتداد أزمة القطاعات الإنتاجية وانحسار دور الدولة الاقتصادي والتنظيمي ، نما قطاع واسع من أنشطة اقتصاد الظل غير المحكوم بضوابط وتشريعات محددة ، مستوعبا قسماً من العاطلين عن العمل والمهمشين اقتصادياً. 
وتتسم نشاطات هذا القطاع ، التي يغلب عليها الطابع الخدمي البدائي ، بضعف الإنتاجية وقلة القيم التي تخلقها وتردي ظروف العمل وكثافة استغلال العاملين وانتشار عمالة الأطفال فيها . ويحتل التهريب والتزوير وغيرها من النشاطات غير المشروعة، دوراً غير قليل في تحريك هذا القطاع. 
وهكذا وبعد ما يزيد على ثلاثة عقود من سيطرة النظام القمعي الدموي على مقاليد الحكم في بلادنا ثم انهياره بسرعة قياسية ، وبعد 23 عامًا من الحروب والحصار الاقتصادي ، تحول العراق من دولة تتمتع بالعديد من مقومات القوة الاقتصادية ذات الموارد الطبيعية الهائلة والإمكانات البشرية المؤهلة ، إلى كيان ذي وضع كارثي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والإنسانية. 
وقد طرحت غداة الاحتلال تساؤلات عدة بخصوص مستقبل العراق الاقتصادي، ومدى قدرته على مواجهة المشكلات التي تهدده ، لا سيما في ظل تصاعد الجدل بشأن عمليات إعادة إعمار بنيته التحتية المدمرة، وتكاليفها ، والدور الذي سيلعبه النفط العراقي في إعادة الإعمار هذه .
المعالم الأساسية للسياسة الاقتصادية المنتهجة خلال فترة النظام الدكتاتوري
انطوت مسيرة التنمية الاقتصادية في العراق ابان العهد الدكتاتوري على مكامن خلل عديدة وخطيرة، تمثل أهمها في اهمال القطاعات الانتاجية لصالح الاعتماد احادي الجانب على مصدر وحيد للدخل ، هو إيرادات القطاع النفطي. وقد اعتبر اقتصادنا سريع العطب لأنه يعتمد على هذا المصدر، الذي ترسم استراتيجيات انتاجه وتصديره وتسويقه في الخارج ، وبذلك فهو يخضع لفعل عوامل خارجية اساسا . من جانب آخر ، وبما أن عائدات هذا القطاع تشكل اهم جزء في الدخل القومي وفي ميزانية الدولة ، فإن خيارات البلاد الاقنصادية تظل على الدوام محكومة بحجم هذه العوائد ، وتتأثر بأي تغيرات سلبية تطرأ عليها.
ويمكن تلخيص أهم النتائج الفعلية للسياسات الاقتصادية التي اتبعت في العهد المذكور ، خصوصا خلال " الحقبة النفطية " الممتدة من سنة 1973 حتى بداية ثمانينات القرن الماضي ، بما يلي :
* ان التراكم الهائل للعوائد النفطية وارتفاع معدلات الاستثمار لم يواكبهما تغيير يعتد به في هيكل الاقتصاد، بل ظلا يتسمان بالسمات التقليدية ذاتها : غلبة الإنتاج الأولي ، هيمنة القطاع الإستخراجي ، وضعف الصناعات التحويلية. فبرغم تأميم ملكية الشركات النفطية الأجنبية في عام 1972، والذي كان خطوة مهمة سياسياً، لم يتغير في العوائد النفطية شيء سوى الزيادة التي طرأت عليها ، وتحسن القدرة الحكومية - غير الذكية - على إخفاء آثارها السلبية ، من خلال التوسع الكبير والسريع في الإستيرادات . وتزايدت خطورة إهمال العمل باستراتيجية تنويع مصادر الدخل القومي ، بوعي او من دونه ، والاستمرار في سياسة الاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية في تمويل الاستهلاك والاستثمار والتشغيل الحكومي وتمويل الاستيراد.
* وارتبط تنفيذ الاستثمارات الضخمة بتزايد نشاط الشركات متعدية الجنسية ، التي نفذت الجزء الاعظم منها، ما أدى الى تعظيم التبعية الى الخارج وإكسابها أشكالاً جديدة غير مألوفة في حينه و بالغة الخطورة.
* من جانب ثانٍ حدثت تغيرات هامة في البنية الطبقية للمجتمع ، ونشأ أساس طبقي جديد استند اليه النظام الحاكم في حينه. كما نشأت تحالفات جديدة نتيجة لصعود فئات جديدة ، في مقدمتها البرجوازية البيروقراطية وبعدها البرجوازية الطفيلية .
* وحدثت تغيرات اساسية في أنماط الاستهلاك ، حيث زاد الميل للاستهلاك الترفي ، وامتد ليطول بشكل متفاوت عموم الطبقات والفئات الاجتماعية . غير أن النتيجة أو الاثر الأهم لـ " الفورة النفطية " في سبعينات القرن الماضي تمثلت في تنامي نزعات الزعامة الاقليمية المستندة الى حجم العوائد النفطية ، ومحاولة توظيفها في معادلات تتجاوز الحدود ، خصوصا بعد الثورة الايرانية عام 1979.
وحين قرر النظام الدكتاتوري شن الحرب على إيران سنة 1980 ، كانت خيوط الكارثة الاقتصادية قد بدأت بالظهور .
ثم جاءت الحرب لتظهر هشاشة القاعدة التي أستند إليها الاقتصاد العراقي . حيث دمرت خلال الأشهر الأولى للقتال طاقات التصدير النفطي ، وترتب على ذلك تلاشي أهم مصدر للإيرادات ، وانخفاض الدخل الحقيقي للبلاد من نحو 26 مليار دولار في عام 1980 الى نحو 10 مليارات في العام التالي ، الأمر الذي ادى الى استنزاف الاحتياطات المالية من العملة الصعبة ، وازدياد الاقتراض من الخارج ، وتعمق المشاكل البنيوية التي كان الاقتصاد العراقي يعاني منها . وقاد ذلك كله الى توقف الانفاق التنموي نهائياً في عام 1982. 
لكن الأثر الابرز خلال هذه الفترة كان تعاظم عسكرة الاقتصاد العراقي ، التي كانت قد بدأت منذ أواسط السبعينات بشكل واضح .
وعندما توقف دوي المدافع رسميا في آب 1988 ، كان الاقتصاد العراقي يعاني من أزمة خطيرة تمثل أبرز معالمها الأساسية في :
- الهياكل الارتكازية والانتاجية المدمرة ؛ 
- ضآلة الموارد اللازمة للنمو؛ 
- المستويات العالية للدين الخارجي؛
- المعدلات المرتفعة لخدمة الدين ، التي تستنفد الكثير من موارد البلاد الشحيحة أصلا؛ 
- التوجه المتزايد نحو استيراد المواد الغذائية ؛
- تعطل الجزء الاساسي من قوة العمل التي جندت في القوات المسلحة ؛
- التضخم المفرط ؛ 
- استمرار انخفاض عوائد البترول ؛
- السياسات الاقتصادية الجديدة للحكومة وأساساً ما سمى بـ " الخصخصة ".
تضافرت هذه العوامل لتفاقم الأزمة الاقتصادية ، التي حاول النظام حلها بجراحة قيصرية خارج الحدود ، عن طريق غزو الكويت ، الذي ترتبت عليه لاحقا نتائج كارثية . فلا جدال في أن الازمة التي أحاطت بالاقتصاد العراقي كانت عاملاً حاسماً، إن لم تكن العامل الأهم، في إتخاذ قرار غزو الكويت واحتلالها وضمها .
وحلت كارثة حرب الخليج الثانية بعد سبعة أشهر من الغزو، فيما كان يطبق نظام صارم للعقوبات بحق العراق طبقاً لقرارات مجلس الامن الدولي . واسفر ذلك كله في النهاية عن دمار مادي مباشر قدر حجمه بـ 250 الى 300 مليار دولار، فضلا عن الخسائر غير المباشرة.
كان للحرب التي شنتها " قوات التحالف الدولي " بهدف معلن يتمثل في اجبار النظام الصدامي على الانسحاب من الكويت ، كما كان لنظام العقوبات الدولية الصارم الذي فرض على البلاد غداة غزو الكويت ، عواقب مدمرة لاقتصادنا ومجتمعنا . 
فقد ساهمت العقوبات في تعميق الأزمة الاقتصادية الداخلية وتعظيم أضرارها، حيث تراجع انتاج النفط الى حوالي سبع ما كان عليه قبل الغزو. وترتب على ذلك هبوط مريع في الناتج المحلي الاجمالي وتراجع في معدل دخل الفرد الواحد من السكان الى اقل من عشر مثيله سنة 1980 . كما كان للعقوبات أثر بالغ في شل الاقتصاد العراقي وأنشطته الانتاجية، شديدة الاعتماد على المواد الأولية والسلع الوسيطة المستوردة ، نتيجة ً لتقلص الاستيرادات بنسبة 90 في المئة 
وفي الوقت الذي تعطل فيه معظم معامل وورش البلاد ، وتعرض القطاع الزراعي والانتاج الوطني عموماً إلى الإنهيار، انتعشت السوق السوداء وعمليات التهريب وغيرها من النشاطات غير الشرعية ، التي اتسعت لتصبح المتحكم الرئيس في مفاتيح الاقتصاد الوطني . وسيطر على هذه الأنشطة، في غالب الأحوال، أفراد ومجموعات وثيقو الصلة برؤوس وأركان النظام المباد من جهة ، وباوساط الجريمة المنظمة، بحيث اكتسب جزء كبير من الاقتصاد العراقي ملامح إقتصاد "مافيوي". وصاحب ذلك كله مزيد من الضعف في دور الدولة وأجهزتها ، خصوصاً في مجال توفير الخدمات العامة ، وهو ما تجلى في التردي المريع في خدمات التعليم والصحة ، وفي المنافع العامة كالماء والكهرباء والنقل.
ولم تتسبب هذه التطورات، مجتمعة، في مجرد زيادة التدهور في مستوى معيشة أغلب فئات وشرائح المجتمع ومفاقمة معاناتها ، وإنما أحدثت تحولات ذات طابع بنيوي على المستويين الاقتصادي- الاجتماعي والاجتماعي- السياسي ، طاولت التركيبة الطبقية للمجتمع وبناء الدولة ومؤسساتها. 
فمن جانب تعمق الاستقطاب الاجتماعي واتسعت الهوة بين فئات محدودة اجتمعت في يدها مفاتيح السلطة السياسية والاقتصادية جميعا ، وبين الأقسام الواسعة من المجتمع التي حدث تدهور متسارع في مواقعها، خاصة منها تلك التي يضمها مصطلح " الطبقة الوسطى" الحديثة من موظفين مدنيين وعسكريين وأصحاب مهن حرة وتجار صغار، وهو ما نجم عن تقويض مداخيلها ومدخراتها بفعل التضخم المفرط ، خاصة في الفترة السابقة لتطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء ، وعن الانخفاض الشديد في موارد الدولة، وانحسار رقعة سلطتها وتدخلها ، وتفشي الرشوة والفساد في مفاصلها . حتى أصبحت معيشة اقسام المجتمع هذه مرهونة، الى حد كبير، بتدفق المؤونة الحكومية ( البطاقة التموينية) . 
ولم تخرج عواقب نظام العقوبات الشاملة عن اطار توقعات حزبنا وتقديراته ، التي جعلته يدعو مبكرا إلى رفع الحصار الاقتصادي عن الشعب العراقي وتشديد العقوبات السياسية والدبلوماسية على النظام الدكتاتوري، وهو ما تجلى في شعاره المعروف " لا للحصار ... لا للدكتاتورية".

بعض اتجاهات التحولات الطبقية - الاجتماعية في المرحلة الراهنة
تعرضت بنية المجتمع العراقي ومكوناته الطبقية إلى تبدلات متواصلة فرضتها حالة عدم الاستقرار ونهج وسياسات النظام المباد، واطلقت حراكاً اجتماعياً أفضى إلى طمس المعالم والحدود الفاصلة بين الفئات والشرائح الطبقية وأعاق عملية تبلورها. 
حيث ازيحت القوى والمجموعات الاجتماعية التي كانت تحظى بدعم النظام المباد ورعايته ، من مواقع النفوذ والتأثير السياسي والاقتصادي ، وفقدت الامتيازت التي كانت تنعم بها والمصالح التي كانت لها داخل العراق . وبالمقابل ظهرت فئات وشرائح اجتماعية جديدة تتداخل أنشطتها التجارية مع عمليات السطو والنهب التي ترافقت وانهيار النظام والدولة العراقية ، واتخذت طابعاً منظماً في الأشهر الأولى من الاحتلال .
واتخذ هذا التحول -بين ما اتخذ -طابعا طفيليا ، ذلك ان النشاطات المذكورة تتركز بصورة رئيسية في مجال التداول وليس في مجال الانتاج وخلق القيم . وتحصل الفئات المشار اليها على مداخيل وتجني أرباحاً من تلك الانشطة القائمة على الوساطة فضلاً عن الأنشطة اللاشرعية كالتهريب وفرض الاتاوات والاستحواذ على ثروات الآخرين. 
وفي معرض تحليله للتطورات الحاصلة في بنية المجتمع العراقي خلال السنوات التي سبقت عقده، أكَد المؤتمر السابع لحزبنا (2001) ان الفترة المذكورة شهدت اتخاذ اجراءات حكومية لحساب " منتسبي العائلة الحاكمة وحاشيتها وتجار الحصار والطفيليين الآخرين " ، الامر الذي ادى إلى تعميق " التفاوت والاستقطاب الاجتماعيين في البلاد " وتكريس " هيمنة البرجوازية الطفيلية على مقدرات البلاد ومصالح المجتمع " . وقد تمخضت تطورات السنوات الأخيرة عن تحول في بنية الائتلاف الطبقي السابق (ائتلاف البرجوازية البيروقراطية الطفيلية) لصالح الفئات البرجوازية الطفيلية، بعد أن ظلت البرجوازية البيروقراطية تهيمن عليه عدة عقود.
لهذا يمكن الاستنتاج أن الفئات البرجوازية الطفيلية التي نمت بعد سقوط النظام السابق هي امتداد لتلك التي كانت قد ترعرت في كنفه ، وشكلت احد مكونات الائتلاف الحاكم آنذاك . وتقوم شرائح من هذا النوع من البرجوازية بدور حلقة وصل بين أقسام من رأس المال الدولي في الخارج ، وبين عمليات تفكيك وتصفية ركائز العمليات الانتاجية ، وانتشار الفساد الاقتصادي الواسع واعمال السلب والنهب في الداخل . ومن جهة أخرى يتعين التأكيد أن الطفيلية ليست ظاهرة قاصرة على القطاع الخاص أو النشاط الخاص، بل إنها تمتد الى قطاع الدولة، ويعني هذا أن الطفيلية مرتبطة بالشرائح المختلفة للبرجوازية . وهذا التحديد ليس حكماً اخلاقياً، بل هو نابع من التأمل العميق في طبيعة الشرائح ، التي بدأت خلال السنوات الاخيرة التي سبقت سقوط النظام الدكتاتوري تحتل " مواقع ريادية " في هرمية التشكيل الاجتماعي ، والتي لا تكمن خاصيتها الأساسية في المساهمة في تحقيق التراكم الرأسمالي المطلوب ومن ثم في تحقيق تقدم المجتمع ، بل ببساطة في العيش عالة عليه ، وامتصاص ثرواته واستنزاف قواه الانتاجية . وهذا ما تؤكده تجربة السنوات الثلاث ونصف السنة الاخيرة ايضا . 
لقد تميزت عمليات النهب والسطو بسعة النطاق ، وقد ساهمت فيها اطراف متباينة الأهداف والنوايا ، بدءاً بعصابات المافيا ، مرورًا بالجماهير المعدمة اليائسة ، وانتهاءً ببعض القوى التي استطاعت تنظيم عمليات تهريب وبيع ممتلكات الدولة خارج حدود البلاد ، وتحويل أثمانها الى رساميل وضعت في خدمة أنشطتها السياسية / التجارية.
وارتباطا بحقيقة كون المنتصرين في الحروب يفرضون عادة شروطهم ، عملت سلطة الاحتلال بقيادة الحاكم المدني بول بريمر على اعادة بناء الاقتصاد العراقي من خلال اتخاذ جملة اجراءات اقتصادية ، استهدفت تكييف الاقتصاد العراقي وتحضيره لمرحلة جديدة تسمح بدمجه في الاقتصاد الراسمالي العالمي . ولهذا كنا شهود خطاب اقتصادي جديد يرفع رايات " الاصلاح الاقتصادي " والخصخصة دون قيد أو شرط. 
وانعكس احتدام الصراعات الطائفية وحالة الاستقطاب التي ترافقها على وحدة الانتماءات الطبقية ، وعلى تبلور الوعي الخاص بكل طبقة وفئة ، مؤديا الى تشظي قطاعات منها على اسس طائفية أو جهوية . الامر الذي جعل الولاء والانحياز الطائفيين من المعالم المميزة لهذه المرحلة . ويؤثر هذا التشظي سلبا كذلك في تبلور الوعي على أساس طبقي ، أي في بناء وحدة الطبقة على اساس مصالح طبقية مادية ملموسة مشتركة ، وليس على اساس الانتماء الطائفي. ومن جانب ثانٍ تتطور هذه الظاهرة لتشكل عائقاً أمام عملية تبلور الوعي بالمصالح الوطنية ، وإشاعة وترسيخ فكرة المواطنة . كما تشكل إتجاهات التطور هذه والعمليات الجارية في سياقها مكمناً رئيساً للقوى التي تكبح عملية بناء دولة ديمقراطية عصرية ، وتدفع في اتجاه دولة طوائف. 
ان للدولة في العراق دوراً مميزاً في بناء المجتمع العراقي وفي جدلية حركته . فعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود سادت دولة استبدادية ، سعت بشكل تسلطي الى الغاء الصراعات الاجتماعية والطبقية ، من أجل تأمين ظروف اكثر ملائمة للفئات التي صعدت الى السلطة على اكتاف انقلاب القصر ، لتتحول الى فئات سائدة . لذلك اعتمدت القمع والاقصاء إزاء القوى السياسية والاجتماعية الاخرى ، كي تستأثر بالوظيفة السياسية وتهيمن على القرار السياسي والاقتصادي . 
وقد أدى ذلك الى ترجيح وزن الدولة في التشكيلة الإجتماعية ، والى تفتيت مجموعات كاملة من القوى الإجتماعية . لذلك فإن فشل هذا النمط من الدولة لا يكمن في السياسات الإقتصادية المنتهجة ، ولا في النوايا الواعية أو اللاعقلانية لدى من يمسكون بمقاليد السلطة السياسية فحسب، بل وفي شكل الدولة نفسها وفي محتواها الإجتماعي وعلاقته بالمسار التاريخي لتشكل الطبقات الحاكمة . ومن هنا أهمية النضال وراهنيته من أجل فك التشابك بين المجتمع المدني ومؤسسات السلطة السياسية ، بما يتيح خلق الشروط لتطور المجتمع وتحرره من سطوة الدولة الاستبدادية وعسفها وقمعها في آن ، وبما يحول دون صعود بدائل استبدادية ايضا تحت يافطات مختلفة، فيما تحتاج البلاد الى دولة جديدة تمثل نفيا لكل اشكال الاستبداد.
ويتعين الانتباه الى بعض خصائص نمو البرجوازية البيروقراطية الحالية أو بعض شرائحها في الاقل ، ومنها اكتساب قشرتها العليا، من جديد ، ملامح الطائفية - المناطقية وكون مراكزها الوظيفية تعتمد على علاقاتها ببعض الكتل والجماعات الحزبية . ما يعني ان تماسكها الداخلي يقوم على الانتماء الى الطائفة أو على رابطة المنطقة الجغرافية ، بدلاً من رابطة الانتماء الاقتصادي .
وعندما يتكرس الطابع الطائفي-المناطقي لبناء الدولة ، ينشأ تناقض بين الدور السياسي التقليدي للدولة ، المتمثل في تأمين ديمومة النظام المسيطر دون عوائق ، وبين دورها الاقتصادي المتمثل في تأمين " الريع " لـ " الاقطاعات الطائفية - االمناطقية " الطامحة الى السلطة والثروة ، والتي بدأت تحتل مواقع السيطرة على المفاصل الاقتصادية والسياسية والامنية الاساسية. 

الصراع على الجبهة الاقتصادية:
المحتوى والتجليات
ان المعلم المميز لهذه الفترة (منذ 9 نيسان 2003 ) ، التي هي كذلك امتداد للفترة التي سبقتها، هو تفاقم التفاوت الاجتماعي ، وتعمق الفرز الطبقي والاجتماعي ، واستشراء البطالة ، وتعاظم التهميش الاجتماعي الذي بات ينذر بتوترات اجتماعية ، قد تصعب السيطرة عليها اذا ما تفجرت التناقضات المكبوتة اليوم بفعل عوامل عديدة ، بعضها يقع خارج الاقتصاد طبعاً. 
وتشير الحصيلة الملموسة الراهنة لما تراكم من آثار السياسات التي نفذها الاحتلال ، إلى أن نمطا جديدا لتوزيع الدخل يفرض نفسه الآن لمصلحة رأس المال وبالضد من مصالح العمل في محوره الرئيسي. فهذه السياسات أثّرت سلبا على دخول ومستوى معيشة الطبقات الكادحة والفئات الوسطي، وأدت في المقابل إلى تحسن واضح في دخول واستهلاك بعض الشرائح، وعلى الخصوص من يعمل في أنشطة ذات علاقة بالمشاريع التي نفذتها سلطة الاحتلال، أو المشاريع المرتبطة بقطاع التجارة الخارجية الرسمي ، أو المضاربات أو التهريب وغيرها من الأنشطة. 
ولم يكن عمق تأثير هذه السياسات أفقيا فحسب، أي على مختلف الطبقات الاجتماعية ، وإنما راح يؤثر عليها بشكل عمودي، أي داخل فئات الطبقة الواحدة . فهناك ، داخل الطبقة الواحدة ، فئات معينة تضررت ضرراً كبيرا من تلك السياسات ، في حين انتفعت شرائح اخرى محددة في الطبقة ذاتها . وتحتاج هذه الملاحظة إلى مزيد من الدراسات العيانية ، لكشف العمق الفعلي للتأثير المشار إليه .
ومقابل ذلك تجب الإشارة إلى ما يسمى محلياً بـ " الحواسم " ، وهي تلك الجماعات التي تغيرت أوضاعها الاقتصادية بسرعة قياسية ، بفضل ما نهبت من موارد الدولة ومؤسساتها المالية والاقتصادية ، وما انتزعت من المواطنين عن طريق الابتزاز والتهديد والخطف. الأمر الذي أدى إلى "حركية اجتماعية " فريدة ، وبناء تناسبات للقوى لا تعبر بالضرورة عن الحركة الطبيعية للديناميكات الاجتماعية المتعارف عليها. 
العراق ، إذن، أمام خريطة جديدة لعلاقات القوى الطبقية والاجتماعية ، هي الآن قيد التشكل تحت وقع سياسات إدارة الأزمة المعتمدة من جهة، ومن جهة ثانية سعي بعض الأطراف الداخلية والخارجية لدفع البلاد سريعا على طريق اقتصاد السوق المنفلت عبر إزالة الضوابط ، وحجب الصلاحيات عن مؤسسات الدولة ، وفتح الاقتصاد العراقي على مصراعيه ، وتهيئة الأجواء لفرض ايديولوجيا الخصخصة دون قيد أو شرط. 
بذلك تكون قد انطلقت في بلادنا عملية تغييرات اقتصادية بنيوية ، ظهرت معها تناقضات جديدة بجانب القديم منها. فثمة محاولات قوية للسماح للرأس المال الأجنبي بالتحكم في المقدرات الاقتصادية للبلاد تحت أغطية مختلفة. ذلك ان الموقع الجغرافي المتميز لبلادنا ، وتوفرها على احتياطيات هامة من المواد الأولية والخامات (الطبيعية والمعدنية) ، إضافة إلى مصادر الطاقة وفي مقدمتها النفط الخام ، كل هذا يجعل منها مصدر جذب وإغراء للعديد من القوى الرأسمالية العالمية ،لا سيما الولايات المتحدة التي تعتبر العراق جزءاً من استراتيجيتها للأمن الاقتصادي القومي لما يملكه من احتياطي كبير جدا من النفط الخام والغاز الطبيعي. 
وفي ظل الظروف الراهنة تنشأ تناقضات في مواجهة سياسة الاعتماد المفرط على آليات السوق و"التحرير الاقتصادي" وجعل التنمية مرهونة لدور القطاع الخاص. فبسبب ضعف الأخير لاسباب تاريخية معروفة ، فهو في مرحلته الراهنة ، مرهون في نموه وتطوره بحماية الدولة على ضعفها (وهي في طور التشكل واذ تتنازعها رؤى مختلفة) لا بمبادئ " الحرية الاقتصادية. ولكن بالمقابل ، يدعوا مناصرو النهج الليبرإلى الى رفض الدور الراعي للدولة ، ومعارضة التدخل الاجتماعي والتنظيمي والرقابي . 
من ناحية أخرى ، يلاحظ في السياسة المالية تناقض غريب بين "خطة " الواردات التي تطبق سياسة تحرير تشدد على ضرورة ضمان " حياد " الدولة ، و"خطة " النفقات التي تتسم بالإفراط والتوسع ، في مسعىً لتهدئة توتر الفئات المهمشة الصاعدة حديثاً في سلم النفوذ السياسي ، ومعالجة العوارض الجانبية لموجات الإنفاق والتجهيز غير المتوازنة. 
ولعلنا نتذكر المسعى الحثيث لسلطة الاحتلال والقوى المرتبطة بمشروعها الاقتصادي ، إلى تبني سياسات تستهدف خلق ارضية لتطور رأسمالي تابع ، يتيح اندماج الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الرأسمالي العالمي ومراكزه ، ويعيد إنتاج هذه العلاقة من دون عوائق . وقد عبّرت السياسات الاقتصادية لسلطة الاحتلال في حينه عن " مشروع اقتصادي " جذري ، ينطلق من المصالح الستراتيجية والايديولوجية اليمينية للمحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية ، التي تعمل في اتجاه الهيمنة على الاقتصاد العالمي . ويمكن ملاحظة هذا التوجه في مفهوم " اعادة الاعمار " الذي روجت له سلطة الاحتلال كمفهوم هندسي خالٍ من اية مضامين اجتماعية- اقتصادية ، بدلا عن مفهوم التنمية الاقتصادية. 

موقفنا من " الإصلاحات الاقتصادية"
وخصخصة الاقتصاد
أصبحت قضية الإصلاح الاقتصادي في بلادنا حاجة فعلية ، في ظروف التشوهات العديدة التي تعرض لها الاقتصاد، والتي نجمت عن جملة اسباب وعوامل داخلية وخارجية ، تتمثل في الحروب والمقاطعة الدولية والسياسات الاقتصادية المتبدلة باستمرار، وفي الظروف المعيشية المتدنية ، علاوة على التطورات الاقتصادية الدولية. ومن جانبها زادت سياسات الاحتلال من حدّة أزمة الاقتصاد العراقي وانتشار ظاهرة الفساد الإداري والمالي وتفاقمها. 
وتؤكد الأزمة الشاملة للاقتصاد والاختلالات العميقة التي خلّفتها الفترة الماضية ، ضرورة الشروع بإصلاحات اقتصادية تستند إلى استراتيجية للتنمية ، تهدف إلى إحداث تغيير في البنية الأحادية للاقتصاد العراقي ، والى تقليص اعتماده الاساسي على العوائد النفطية ، وتحديثه ، وتحقيق توزيع أكثر عدلاً للدخل والثروة ، والعناية بالفئات الاجتماعية الأكثر تضررا ً. وينبغي أن يشمل الإصلاح المطلوب الأطر والتشريعات والآليات المنظمة للنشاط الاقتصادي ، في جوانبه السياسية والحقوقية والإدارية والاقتصادية والمالية . فيما تفرض المتطلبات التمويلية الهائلة لإعادة الأعمار الاستعانة برؤوس الأموال الخارجية ، وتوفير شروط مناسبة لاجتذابها ، كي تسهم في تطوير القاعدة الإنتاجية وتحديث الاقتصاد الوطني .
وإذ لا جدال في حاجة الاقتصاد العراقي إلى إصلاح جذري، فان المشكلة تكمن في مضمون هذا الإصلاح . فما يجري الترويج له من إصلاح انما يهدف إلى اعتماد السوق محورا للنشاط الاقتصادي وآلية لممارسته وتوجيهه ، بجانب الترويج لمفهوم وممارسة الخصخصة من دون أن تسبق ذلك دراسات جدوى حقيقية . وينافح صقور الخصخصة و " الإصلاحات الاقتصادية " مؤكدين أن هذه العملية يجب أن تنطلق من تضييق دور الدولة الاقتصادي ، وإعطاء القطاع الخاص الأولوية في السياسات الاقتصادية ، واجتذاب الاستثمارات الأجنبية ومتعدية الجنسية.
وفي مواجهة الخيارات الستراتيجية الكبرى التي تواجه الإقتصاد العراقي ، تتعرض الإرادة الوطنية إلى الضغط الابتزازي من جانب صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية والدول الدائنة المنتظمة في نادي باريس التي اشترطت لخفض ديون العراق الخارجية بنسبة 80 في المئة ان يتم تطبيق "اصلاح اقتصادي" واسع ، يفرض على الحكومة العراقية – بين امور اخرى - خصخصة المنشآت المملوكة للدولة ، والعمل تدريجياً على إلغاء الدعم الحكومي بجميع أشكاله ، وإزالة القيود الضريبية والكمركية على تبادل السلع والخدمات مع الأسواق العالمية.
ويندرج هذا الضغط في سياق هجوم إيديولوجي يتمثل في إصرار المؤسسات الدولية المتخصصة (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تحديداً) والقوى المسيطرة في البلدان الرأسمالية المتطورة ، على تقديم الديمقراطية باعتبارها صنواً لاقتصاد السوق وحصيلة للتحرير الاقتصادي الليبرالي ، والتأكيد أن الديمقراطية سبب ونتيجة معاً للنمو الاقتصادي وفق المشروع الذي تطرحه هذه المؤسسات. 
ويلاحظ أن الخطاب الليبرالي الجديد روّج ويروّج لمفهوم الخصخصة دون مساءلة ، كأنه مسلمة من مسلمات هذا الفكر لا تحتاج إلى مناقشة . كذلك يجري الترويج لمفهوم اقتصاد السوق ومضامينه وآلياته التحريرية بعد حصره بالخصخصة ، بينما المعروف عن اقتصاد السوق انه نهج لتوزيع الموارد عن طريق آليتي السعر والمنافسة. 
ويقتصر النقاش في هذه القضايا ذات المساس بمستقبل البلاد ومصالح الشعب عموماً ، على حلقات ضيقة من الخبراء والاستشاريين ، في ظل غياب واضح لآراء وتصورات الفاعلين الاجتماعيين الآخرين ، بل وانعدام اي نقاش مجتمعي حقيقي وجاد حول قضية تخص المجتمع بأسره . وتتمثل خطورة هذا المدخل في كونه يفضي الى فصم الترابط الجدلي بين التنمية والديموقراطية ، الذي تحتاجه بلادنا اليوم بعد عقود من العسف والاستبداد. 
ويتبين من تجارب البلدان التي طبقت شروط صندوق النقد الدولي ، أنها واجهت ازمات اقتصادية عميقة يتجلى أهم مظاهرها في معدلات بطالة مرتفعة وافقار شامل وتهميش اجتماعي واستقطاب حاد. ومن حقنا ان نتساءل، واقتصادنا يعاني ازمة بنيوية عميقة هي جزء عضوي من الازمة الشاملة التي تمر بها بلادنا في لحظة تطورها الحاسمة اليوم : هل حقا أن الخصخصة و" الاصلاحات الاقتصادية الكبرى " المطروحة ضمن وصفة صندوق النقد الدولي وشروطها المعروفة ستؤمـّن تطوراً حقيقياً ، على عكس التجارب السابقة في مختلف بقاع العالم ؟
وفي ظروف الازمة الاقتصادية البنيوية ، والفوضى الامنية ، والاستقطاب السياسي الراهن ، لن يؤدي الرهان على الخصخصة ، في الواقع، سوى الى خلق الشروط لتبلور استقطاب اقتصادي - اجتماعي اعمق ، ونشوء مافيات اقتصادية توظف حجمها الاقتصادي لضمان مواقع في البنية السياسية . كما سيترتب على ذلك تهميش القطاع الصناعي والهبوط بقدرة الصناعات المحلية على منافسة المنتجات القادمة من الخارج ، وبالتالي تعريض صناعات وفروع صناعية الى الانهيار (والعديد منها انهار فعلا) ، اضافة الى تدهور القطاع الزراعي بفعل تقليص الدعم الحكومي ورفع الحماية عنه، مما يؤدي الى عجز المنتجات الزراعية عن منافسة مثيلاتها من المنتجات الاجنبية المستوردة ، التي بدأت فعلا تغزو الاسواق المحلية ، وتعميق الاختلال في الميزان التجاري من خلال مقص التجارة الخارجية. 
إن حزبنا إذ ينبه إلى اضرار الانسياق وراء وصفات صندوق النقد الدولي ، لا يدعو إلى انغلاق الاقتصاد العراقي بل إلى انفتاحه على الخارج ، والاستفادة من الجوانب الايجابية لعولمة الحياة الاقتصادية وفق شروط مناسبة. 
كما اننا لا نؤيد تبني " القطاع العام " دون قيد أو شرط ، بل نعتمد رؤية نقدية للاوضاع التي سادت في هذا القطاع ، وتحليلَ العوامل والاسباب الفعلية التي ادت الى ما تعاني منه مؤسساته اليوم . ويبدو ان المسالة لا تكمن اليوم في خصخصة او عدم خصخصة هذا القطاع ، بل في بلورة منهجية واضحة تتيح التغلب على آليات النهب التي تعرض ويتعرض لها هذا القطاع ، واجراء تقييم اقتصادي شامل وموضوعي لمؤسساته قبل الاقدام على أي اجراء لتغيير الملكية . وهذا يشكل مدخلا جديدا يتيح امكانية اعادة بناء القطاع العام استنادا الى معياري الكفاءة الاقتصادية والوظائف الاجتماعية التي تؤديها الدولة في الحقل الاقتصادي . والامر المطلوب بحدة في هذه الفترة هو تدعيم الرقابة المجتمعية على هذا القطاع ، واعتماد مبدأ الشفافية في تسييره ، وتنشيط دور الفاعلين الاجتماعيين المختلفين، بما يعيد الاعتبار الى الترابط الجدلي بين التنمية والديموقراطية .
وقد بينت الحياة وتجارب التاريخ عدم صواب الرؤية التي تعتبر القطاع العام شرا مطلقا والقطاع الخاص خيرا مطلقا، والعكس صحيح ايضا. ويعني ذلك ان البديل يكمن في استراتيجية تنموية متكاملة ، توظف كل القطاعات (العام والخاص والمختلط والتعاوني).
ان تجارب الخصخصة ودروسها تشير إلى الأضرار التي تترتب على الاكتفاء بقرار تتخذه السلطة. فالخصخصة عملية من حلقات مترابطة يشترط تطبيقها تسلسلاً زمنياً يستغرق سنوات . ولنا في تجارب بعض البلدان العربية أمثلة شاخصة . وعلى ذلك فإن خصخصة أي مؤسسة أو قطاع ينبغي أن تتصف بالشفافية ، وان تدر أفضل عائد على الدولة ، وان تضمن إنتاجية وكفاءة أعلى في القطاع المعني ، وأن توفر السلع والخدمات للمواطنين بأسعار ونوعية أفضل . 
ان مصلحة الاقتصاد الوطني والعاملين في مؤسسات الدولة ، والاعتبارات الاقتصادية البحت، تقضي بان تقوم الدولة بتقديم الإعانة والدعم اللازمين لإعادة تأهيل هذه المؤسسات ، وتمكينها من استئناف عملها بعد أن توكل إدارتها إلى عناصر كفوءة ونزيهة ومخلصة ، ومن ثم إمهالها فترة زمنية معقولة لتثبت جدواها الاقتصادية . وبعدئذ تدرس أحوالها ويتخذ القرار المناسب بشأن بقائها جزءا من القطاع العام ، أو خصخصتها جزئياً أو كلياً ، أو الاكتفاء بخصخصة إدارتها مع الاحتفاظ بملكيتها العامة . وينبغي أن تدرس حالة كل مؤسسة على انفراد ، مع الأخذ بعين الاعتبار تعدد أشكال الملكية وإمكانية الفصل بين الملكية والإدارة. 
ان النهوض بالاقتصاد العراقي وتأمين تجاوزه أزمته البنيوية الراهنة ، لا يمر عبر الرهان على قطاع دون غيره ، بل ان المطلوب في هذه المرحلة هو إقامة علاقات تكاملية بين القطاعين الخاص والعام ، واعتماد المنافسة في بعض المجالات ، فضلاً عن إطلاق شروط المبادرة لاقامة وتطوير مختلف أشكال الملكية : العامة والخاصة والمختلطة والتعاونية ، وبما يستجيب لحاجات الاقتصاد الوطني وتطوره المتوازن .
وقد بينت تجارب النصف الأخير من القرن العشرين فشل مشروع التنمية المستند إلى تنظيم الحياة الاقتصادية من قبل الدولة حصراً ، وكذلك المشروع الذي يعتمد على قوى السوق كلياً . وتؤكد الدروس المستخلصة من هذه التجارب أن آلية السوق وحدها لا تؤدي إلى التخصيص والاستخدام الأمثل للموارد ، بل ان منطق تعظيم الأرباح يقود إلى نمو اقتصادي غير متكافيء اجتماعياُ وإقليمياً وقطاعيا ً. فالسوق لا يرسي ذاته بنفسه ، بل يستدعي تدخل الدولة لوضع القواعد والمؤسسات المنظِمة له . ولهذا فالحاجة تتطلب ، في هذه المرحلة ، وضع قوانين لمنع الاحتكار ، وحماية المستهلك ، وضمان حقوق العاملين .
يمكن القول اذن ان الخصخصة من جانب ، والقطاع العام من جانب آخر ، لا يمثلان خيارات اقتصادية صرف، بل هما يعبران، ايضا، عن خيارات سياسية كبرى وخطيرة، في آن واحد، تتعلق في جوهرها بمحتوى الدولة العراقية الجديدة ، وشكلها ، والوجهة التي تتخذها بالاستناد إلى الارادة العراقية الوطنية والديمقراطية. 

موقفنا من الاستثمار الاجنبي:
بين الامكانية والضرورة
لابد من الاشارة، اولا، الى ان الاستثمار ضرورة لكل الانظمة الاجتماعية- الاقتصادية المعاصرة، وان كل نظام في عالم العولمة اليوم يحتاج الى جهد الآخرين ، والى نقل التكنولوجيا، والى استخدام طرائق الانتاج الحديثة وغير ذلك . وعلى هذا فان العراق بحاجة الى قانون استثمار، ينظم انتفاع اقتصاد البلاد من الرأسمال الاجنبي ، والحصول منه على اكبر المنافع . وان من الضروري تفهم واستيعاب الدور الذي يلعبه رأس المال الأجنبي في مستقبل التطور الاقتصادي في بلادنا ، كحقيقة وبدون أية ملابسات ايديولوجية مسبقة. 
وقد طرحت الحكومة مشروع قانون للاستثمار ، دار حوله نقاش واسع في مجلس النواب . وساهم حزبنا من خلال ممثليه في الحكومة ومجلس النواب في مناقشة مسودة القانون ، وسعى الى إدخال تعديلات تهدف الى الأخذ بخصوصيات الإقتصاد العراقي والظروف التي تمر به البلاد. وبيَن أن العراق ليس مثل دول اخرى تتهالك على الاستثمار الاجنبي ، بسبب جفاف منابع ثرواتها الوطنية وضعف مصادر التمويل الذاتية . وإن المشكلة الأساسية انما تكمن في الوضع الامني المتدهور، الذي منع البلاد من استعادة اموالها وقدراتها السابقة ، وجعلها بحاجة الى الدعم الخارجي . وفي الأوضاع الراهنة لا يحكم اجتذاب الراسمال الاجنبي الى العراق حجم الإغراءات والامتيازات التي تقدم له، وإنما توفير بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية آمنة ومستقرة ، ووضع إطار تشريعي واضح. ونبّه الحزب ايضا إلى أنه لا يجوز الانطلاق ، عند صياغة هذا القانون ، من الحالة الاسثنائية القائمة ، فمعطيات الوضع ستتبدل ايجابياً مع أي نجاح يتحقق على طريق إعادة الأمن والاستقرار في ربوع البلاد .
واكد حزبنا، كذلك، ضرورة أن يتضمن القانون ما يربط بين منح الامتيازات والاعفاءات الى المستثمرين من جهة ، وتوظيف استثماراتهم في المجالات الانتاجية المتطورة وفي نقل التكنولوجيا الحديثة الى العراق من جهة ثانية . كما دافع عن التعديلات التي تدعو إلى منح الإعفاءات الى المستثمرين الذين يشركون رؤوس الاموال الوطنية العراقية في مشاريعهم ، ويستخدمون في انجازها نسبة اعلى من العمالة العراقية ، ويغطون احتياجاتهم السلعية والخدمية مما يوفره الانتاج المحلي ، وغير ذلك مما يسهم بشكل أفضل في تحقيق الأهداف التنموية لاقتصادنا العراقي . وبهذه الطريقة تتحول الاعفاءات والامتيازات الى ادوات اقتصادية ومحفزات للنشاط الاقتصادي. 
لقد منح قانون الأستثمار الأجنبي الذي اقره مجلس النواب ، طيفاً واسعاً من الحوافز والإغراءات والتسهيلات الضريبية والإدارية والتنظيمية للمستثمرين الاجانب ، ترقى إلى مستوى ما تمنحه دول الجوار وغيرها من دول المنطقة . كما تضمن ضوابط ايجابية ، كتلك المتعلقة بتملك الأراضي ، وفرض التزاماً على المستثمر الأجنبي باستخدام عاملين عراقيين في ما لا يقل عن 50 في المائة من فرص العمل التي يوفرها . لكنه من جهة ثالثة لم يأخذ بمبدأ فرض نسبة مشاركة عراقية ، من الدولة أو من الرأسمال الوطني الخاص ، في رأسمال الشركات التي تستثمر في العراق . كما أباح التأجير لمدة 50 سنة ، مما يسمح بالألتفاف على مبدأ عدم جواز تملك الأرض من قبل المستثمر الأجنبي ، وبالمثل خلا من آليات تسمح بتوجيه أو تشجيع الرأسمال الأجنبي على التوظيف في القطاعات والمجالات التي تحظى بأولوية في ستراتيجية البلاد للتنمية الأقتصادية . 
ويمكن توقع ان يؤدي وضع قانون الاستثمار الاجنبي موضع التطبيق مع تحسن الاوضاع الامنية الى دخول احتكارات وشركات ذات قدرات ساحقة الى السوق العراقية . ولاجدال في ان رأس المال الوطني العراقي لن يتمكن من خوض المنافسة في السوق، آنذاك ، الا اذا اشركته الشركات المذكورة في عملها وتمويلها .
من جانب اخر لا بد من الاشارة الى ان رأسماليتنا المحلية لم تبلور ، لجملة من الاسباب، مفهوماً وموقفاً واضحاً من الاستثمار المحلي طويل الأمد (الصناعي بشكل خاص) وذلك لكونها ما زالت مترددة وغير واثقة من نفسها، وتتجنب المجازفة بتوظيف مدخراتها في مشاريع بعيدة المردود(ارتباطاً بطول دورة استعادة رأس المال) . وهي ترحب، وان على استحياء، بدخول الرأسمال الأجنبي ، وترغب في التعاون معه باعتباره وسيلة اساسية وناجعة لتطوير نفسها والخروج من حالة التردد والركود.

الموازنة الفيدرالية للعراق
هل يمكن ان تساهم في بلورة استراتيجية تنموية فعالة؟
أولى حزبنا أهتماماً كبيراً للموازنة الفيدرالية خلال السنوات الأخيرة ، وساهم بفاعلية في مناقشة مراحلها جميعا على صعيد الحكومة ومجلس النواب ، كما سعى الى إثارة نقاش علني واسع حول توجهاتها ، بسبب كونها المحرك الأساس للاقتصاد الوطني ، والأداة الرئيسية لتنفيذ السياسية الإقتصادية في البلاد . ومنذ سقوط النظام الدكتاتوري ، نشأ ميزان قوى جديد ترجح فيه كفة القوى السياسية التي تحمل في المجال الاقتصادي- الاجتماعي رؤى وتصورات ومشاريع تدعو إلى نهج إصلاح اقتصادي ليبرالي ، يهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي بما يضمن السير به على طريق اقتصاد السوق ، والانسجام مع إملاءات صندوق النقد الدولي . ويجد كل ذلك ترجمته في اولويات الموازنة ، ونسق الأنفاق وتوزيعه بين القطاعات والانشطة الأقتصادية والاجتماعية المختلفة. 
وشهدت ميزانيات السنوات 2005 ، 2006 ، و2007 نمواً مهماً في الحجم ، حيث ارتفع إجمالي المبالغ المخولة بانفاقها من حوالي 36 تريليون دينار (ما يعادل 24 مليار دولار) إلى 50.9 تريليون دينار (ما يعادل 34 مليار دولار) ثم الى 51.8 تريليون دينار (ما يعادل 41.1 مليار دولار) على التوالي . ( يرجع الفارق الملحوظ في المبلغ المدرج بالدولار لسنة 2007 الى اعتماد سعر صرف للدولار في هذه السنة يبلغ 1260 دينارا ، فيما كان سعر الصرف المعتمد في السنتين السابقتين 1500 دينارا للدولار .)
وإذ تعكس الزيادة في حجم الميزانية الفيدرالية تطوراً ايجابياً ، يجسد ما دأب الحزب على تأكيده من أن العراق يمتلك موارد ذاتية كبيرة كفيلة بتغطية قسم مهم من احتياجاته التمويلية ، إلا إن موازنات السنوات الماضية ، وآخرها موازنة عام 2007 ، عكست في بنائها ومصادر ايراداتها وتوزيع نفقاتها ‘ إضافة إلى الاختلالات الهيكلية لاقتصاد البلاد التي سبقت الإشارة إليها، عدم وضوح واتساق في الأهداف ، وغياب خطة تنمية استراتيجية واضحة المعالم.
ولعب حزبنا دوراً نشيطاً في مناقشة الموازنة الفيدرالية لعام 2007 ، سواء في مرحلة إعداد مشروع قانونها واقراره من قبل الحكومة ، أم لاحقاً عند مناقشتها واقتراح التعديلات عليها في مجلس النواب. وكان مما سجله عليها أنها تدعو إلى اعتماد آليات السوق والقطاع الخاص ، في الوقت الذي يفتقر فيه العراق إلى سوق منظمة والى شروط وآليات التنافس التي تميز السوق الحرة . كما أنها (الموازنة) ترسم هدف تحقيق اصلاحات اقتصادية وفق مفهوم صندوق النقد الدولي، وتكرس الطابع الريعي للأقتصاد الوطني بايلائها اهتماما ضعيفا للقطاعات الانتاجية وفي مقدمتها قطاعا الزراعة والصناعة ، وتتسم حصة الميزانية الاستثمارية فيها بضعف نسبي مقارنة مع الميزانية التشغيلية . وهي في جانبها الضريبي ، تعرِِِض الصناعات الوطنية الى خطر العجز عن منافسة المنتوجات المستوردة ، نظرا الى انخفاض الرسوم الكمركية على الواردات . 
وحـذر حزبنا في الوقت ذاته من التداعيات السياسية والاجتماعية للتقليص الشديد للدعم الحكومي، خاصة في ما يتعلق بالبطاقة التموينية والمشتقات النفطية . فمن شأن ذلك ان يفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين ، وللفقراء منهم وأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة قبل غيرهم ، وان يزيد معدلات التضخم ، ويخفض القدرة الشرائية للمداخيل . وشدد الحزب كذلك على ضرورة توفير التخصيصات المناسبة للأنشطة التي تؤدي الى خلق فرص عمل ، مشدداً على جعل مكافحة البطالة هدفاً رئيسياً للموازنة .
ودعا الحزب مجلس النواب والحكومة للالتفات إلى الخلل في الجمع والتنسيق السليمين بين السياستين المالية والنقدية، وضرورة التحديد الدقيق لمسؤولية كل من الحكومة والبنك المركزي في مجال رسم السياسة النقدية في ضوء المادة 110- ثالثاً من الدستور ، التي تنص على أن رسم السياسة النقدية هو اختصاص حصري للسلطة الاتحادية. 
ورغم بعض الجوانب الايجابية المتمثلة في ارتفاع تخصيصات الموازنة الاستثمارية بالمقارنة مع العام السابق ، والمبالغ الكبيرة المخصصة للتعليم والصحة وشبكة الحماية الاجتماعية ، فإن الميزانية لا تحتوي على توجهات واضحة وفعالة في خصوص بناء اقتصاد عصري متطور ، متحرر من مظاهر التخلف والتبعية ومن الارتهان إلى العوامل الخارجية ، وفي مقدمتها اسعار النفط الخام . 

القطاع النفطي: مصدر للتكاثر المالي أم قطب للتنمية؟
ظل القطاع النفطي ، بسبب السياسات التي اعتمدها النظام المباد ، والاوضاع والتعقيدات الامنية وتفاقم الارهاب ، والصراع الدائر حول شكل ومضمون الدولة العراقية الجديدة، يعاني جملة مشكلات وصعوبات حالت دون احداث نقلة نوعية في نشاطه ، ودون تحويله من قطاع للتكاثر المالي الى قطب للتنمية ، يسهم في بناء شبكة من الصناعات الامامية والخلفية . فقد بقي هذا القطاع يشكل حوالي ثلاثة أرباع الناتج المحلي الاجمالي ، في حين تمثل العوائد المتأتية من الصادرات النفطية حوالي 93 في المئة من الايرادات الحكومية . يضاف الى ذلك ان 98 في المئة من عوائد الصادرات النفطية يوجه الى تمويل المصروفات الاستثمارية والاستهلاكية وتمويل الاستيراد . 
وكشف تقرير لوزارة النفط أن العراق خسر عائدات كبيرة جراء المشكلات التي تواجه عمليات إنتاج وتصدير النفط الخام خلال الفترة بين عام 2004 ومنتصف عام 2006، واضاف ان التصدير يتوقف على مستويات حجم الانتاج من النفط الخام ، وقد اتسمت هذه المستويات بالتذبذب في السنوات الثلاث المذكورة . ويعزو التقرير اسباب انخفاضها الى جملة مشاكل ومعوقات ، منها عدم تنفيذ الخطط الاستثمارية ذات الصلة بزيادة الإنتاج ، وانخفاض إنتاجية الآبار النفطية المنتجة ، وعدم تطوير حقول جديدة ، واستنزاف الآبار، مما أدى إلى عدم توسع القدرات الإنتاجية . فيما يؤدي التدهور في الاوضاع الامنية الى عزوف الشركات العالمية والمقاولين عن الاشتراك في المناقصات ، وتؤدي كثافة عمليات التخريب التي تعرض لها القطاع النفطي ومنشاته ليس فقط الى اعاقة عملية اعادة بناء هذا القطاع ، وانما ايضا الى تهديم جوانب واسعة منه. 
وطبقاً لمعطيات موثقة فانه خلال الفترة من 12 حزيران 2003 حتى 4 ايار 2005 ، على سبيل المثال لا الحصر ، تعرض القطاع النفطي الى 227 حادثة هجوم وتخريب . وقد ادت هذه العمليات الى حرمان العراق من نحو اربعة مليارات دولار سنوياً من العوائد النفطية . علما ان التخريب لم يقتصر على انابيب التصدير، وإنما شمل مختلف المنشآت النفطية ومن بينها انابيب النفط الخام التي تغذي مصافي النفط العراقية وادى هذا الواقع الى حرمان العراق من استغلال طاقته التكريرية ، الامر الذي فاقم من حدة الاعتماد على استيراد المنتجات النفطية ،حيث تراوحت كلفة شرائها بين 2 و3 مليارات دولار سنويا.يضاف الى ذلك عمليات تهريب النفط ومشتقاته .
وبالمقابل فان انعدام المرونة اللازمة لتصدير النفط الخام يعد واحدا من أسباب استمرار تدني مستويات التصدير ، نظرا لعدم توفر السعات التخزينية وتضرر محطات الضخ الرئيسية ، اضافة الى مشاكل أخرى في منظومات التصدير ، وضعف مولدات القدرة الكهربائية والاعتماد على الشبكة الوطنية المتقطعة. 
وتفيد البيانات المتعلقة بتنفيذ مشاريع إعادة تأهيل منشآتنا النفطية واعمارها ، بأن نسب الانجاز فيها متدنية لأسباب مختلفة ، منها عزوف الشركات الأجنبية عن التعاقد في العراق بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة، وانتظار صدور قانون النفط والغاز الذي اقره مجلس الوزراء مؤخراً، بأغلبية أعضائه واحاله إلى مجلس النواب لمناقشته وتشريعه بعد أن أحاط اعداده في مراحله الأولى التكتم. 
ونظرا الى ما للثروة النفطية من أهمية فائقة بالنسبة لبلادنا ومصالحها الوطنية ، فأن من الواجب ان تتم مناقشة مسودة القانون بشفافية وعلى نطاق واسع . وفي هذا الصدد اكد حزبنا الحاجة الى قانون ينظم النفط والغاز ، والحديث يدور عن ماهية هذا القانون وكيف يمكن له ان يصون هذه الثروة الوطنية وتامين ان تذهب مواردها الى احداث نهضة في البلاد على مختلف الصعد والتعامل معها بما يضمن حصة الاجيال القادمة ايضا من مواردها ، مع تاكيدنا بان الاستثمار الوطني المباشر هو الطريق الاسلم والافضل .
ولأجل التغلب على الصعوبات والمشاكل المشار اليها يتوجب اتخاذ جملة اجراءات ، نذكر منها:
- المباشرة بتطوير العديد من الحقول المكتشفة والتي لم يتم تطويرها بعد (وبعضها حقول عملاقة) مما يتيح رفع السعات الانتاجية الى حجوم اعلى (يقدرها بعض المتخصصين بحوالي 6 – 8 مليون برميل يوميا). غير ان عملا كهذا قد يتطلب الاستعانه المشروطة، وضمن ضوابط محدودة تضمن حقوق البلاد، بالاستفادة من الشركات الاجنبية ذات الامكانيات التكنولوجية الحديثة والقدرة على الاستثمارات الكبيرة.
- استكمال تأهيل منشات انتاج ومعالجة ونقل النفط والغاز ، وتوسيع منافذ التصدير وتقليص الاثار السلبية على البيئة والحفاظ على هذه الثروة من الهدر وبالاخص بالنسبة للغاز.
- تشجيع القطاع الخاص بتمويل الجانب الخدمي وفق عقود مرضية للطرفين.
- اعادة تشكيل شركة النفط الوطنية كشركة قابضة تتولى الادارة والاشراف على عمليات الاستكشاف والانتاج والتطوير ، مع اعادة هيكلة شركات الانتاج الحالية لزيادة كفاءتها ، وتشكيل شركات جديدة حسب الواقع الجغرافي.
- العمل المكثف لمضاعفة طاقات التصفية ومعالجة الغاز ، لضمان الاكتفاء الذاتي أولا ثم التحول الى تصدير الطاقات الفائضة من المنتجات والغاز الحر السائل بالتمويل الذاتي، أو من خلال الاستثمارات الاجنبية والمحلية مع ضمان اشراف الدولة.
- اعادة تأهيل منشات الصناعات البتروكيمياوية وزيادة طاقاتها ، لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتغذية منشآت القطاعين العام والخاص بما يحتاجانه لانتاج الاسمدة والمواد البلاستيكية وغيرها.
- وضع حد لتهريب النفط الخام والمنتجات النفطية بكل الوسائل الممكنة.
- العناية بالكوادر النفطية وتكثيف برامج التدريب والتأهيل ، لسد النقص في الكوادر الذي خلفته الحروب والحصار الاقتصادي، وخلق قاعدة جديدة من الكوادر النفطية ، والعمل على رفع المحفزات المادية والمعنوية للعاملين. كما ان من الضروري تأمين ظروف عمل افضل للعاملين في القطاع النفطي ، بما في ذلك السكن الصناعي وتسهيلات السكن الخاص.
- تطوير القدرات الذاتية للكوادر بانشاء معهد عالٍ متخصص في البحوث والدراسات النفطية ، يتولى الاشراف على المعاهد النفطية القائمة ، مع تطوير مراكز التدريب في مختلف مواقع العمل الرئيسية.

القطاع الصناعي:
من المراوحة الى الانطلاق
واجهت الصناعة الوطنية في مراحل تطورها المختلفة عددا من السياسات والاجراءات الفاشلة ، التي اضعفت بشكل كبير تطور وتنامي القطاع الصناعي بمختلف فروعه. 
وكانت سياسات النظام المباد وحروبه العبثية الأشد وطاة ، وادت الى تدمير البنية الصناعية في بلادنا. فتعطل الانتاج في المنشآت الصناعية ، وخصوصاً المدنية ، بسبب عدم توفر المواد الأولية والوسيطة وصعوبة الحصول على المواد الاحتياطية ، كما تخلفت التقنية المستخدمة نظرا الى عدم مواكبة التطورات الفنية والتكنولوجية في العالم . وقاد هذا كله الى هبوط في مستويات الانتاج وضعف في القدرة التنافسية للسلع العراقية.
وبعد سقوط النظام الدكتاتوري ، ونتيجة للسياسات الاقتصادية التي نفذتها سلطة الاحتلال والحكومات التي تعاقبت بعدها ، وجدت الصناعة العراقية نفسها امام تدفق هائل لسلع قادمة من الخارج ، تتمتع يميزات تنافسية افضل من السلع المحلية وتباع باسعار ارخص ، الامر الذي ادى الى تهميش وتعطيل الكثير من الصناعات المحلية. 
وتعاني الصناعة العراقية ، في الظروف الراهنة ، جملة من المشاكل والمعوقات ، من بينها :
* تقادم وسائل الانتاج وهيمنة الاساليب القديمة وغير الكفوءة ، التي ادت الى ركود أو تدني مستويات الانتاج ، الى جانب عدم اضافة خطوط انتاجية جديدة أو ادخال تكنولوجيا حديثة ، الامر الذي ادى، ويؤدي، الى ارتفاع تكاليف الانتاج ومن ثم الى ضعف او انعدام القدرة على منافسة السلع الاجنبية.
* ضعف رؤوس اموال القطاع الخاص نتيجة جملة من العوائق الذاتية والموضوعية ، وما اتبع من سياسات اقتصادية ومالية ، مما حال دون تحقيق التراكم المطلوب لرؤوس الاموال، الذي يحتاجه الصناعي لتطوير مصنعه أو تجديده . هذا اضافة الى عدم وجود نظام تمويلي متكامل ، يمكنه المساهمة الفعلية في تطوير هذا القطاع ومؤسساته. 
* ضعف دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة ، بل واندثار الكثير منها نتيجة الظروف الامنية المتردية واوضاع الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي وغيرذلك.
* الظروف الامنية وحالة الاستقطاب الطائفي ، التي ادت بدرجة كبيرة الى هجرة الصناعيين الى بلدان اخرى ، بحثا عن بيئة استثمارية افضل وظروف اكثر امانا لهم ولعائلاتهم.
* التدفق العشوائي للسلع الاجنبية من مناشيء مختلفة وخصوصا من دول الجوار ، وعدم اخضاعها لقوانين التقييس والسيطرة النوعية . مما ابعد القطاع الصناعي، بشقية الحكومي والخاص، عن ميدان المنافسة وادى الى تدني مستويات الانتاج المحلي، نوعا وكما.
* تخلف الخدمات المصرفية وما ينجم عنه من اعاقة للنمو الصناعي . ومعلوم ان القطاع المصرفي العراقي ما زال يعاني مثل غيره من القطاعات الاخرى من آثار ظروف الفترة السابقة 
* عدم التنسيق بين المشاريع الصناعية ضمن القطاع الواحد أو مع القطاعات الاخرى، بسبب عدم وجود سياسات اقتصادية واضحة .
وتكشف أوضاع الصناعة العراقية عن التناقض القائم بين مصالح الرأسمال الوطني الصناعي و نهج الانفتاح نحو الأسواق الخارجية، دون حد أدنى من الضوابط وإلاجراءات الحمائية التي تسمح للمنتج المحلي أن يتهيأ ويتكيف لشروط المنافسة الخارجية . ويسهم مثل هذه السياسات ايضا في زيادة حجم البطالة ، وأضعاف القدرات التنموية للبلاد . وقد دعا حزبنا الى أخذ مطالب ومصالح الرأسمالية الصناعية الوطنية بعين الاعتبار في السياسة الاقتصادية للدولة ، وتقديم الدعم لها في ظل الظروف الاستثنائية وخلال فترة التكيف للأوضاع الاقتصادية والتجارية الجديدة. 
ولأجل تمكين القطاع الصناعي، العام والخاص، من استعادة عافيته والتغلب على المعوقات التي تكبح نشاطه، يدعو الحزب إلى تبني الدولة سياسة صناعية متكاملة تستند إلى ستراتيجية تنمية واضحة ، وتعمل على : 
- تفعيل صندوق التنمية واستحداث مصادر تمويل جديدة لتمويل المشاريع الصناعية واقراض الصناعيين بشروط ميسرة.
- تبني الدولة انشاء مدن صناعية حديثة ذات بنى تحتية ، وامدادات من الخدمات الاساسية التي يحتاجها النشاط الصناعي كالطاقة والماء وغيرهما .
- ايلاء الاهتمام الضروري للصناعات الصغيرة والمتوسطة ، مع العمل على اعادة توطينها لتحقيق الاستفادة القصوى من المنشآت، ولتجنب الاحتكاك المباشر بالصناعات الكبيرة ، التي يمكن ان تؤثر سلبا على تطور الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
- اعادة النظر بالقوانين والتشريعات الحالية بغية تكوين بيئة استثمارية مناسبة ، تهدف الى اجتذاب رؤوس الاموال العراقية المغتربة ، وتمكين الصناعة العراقية من الانفتاح الكامل على العالم المتطور.
- تدريب وتأهيل الصناعيين العراقيين في المجالات المختلفة وعلى اتباع الاساليب الادارية الحديثة ، من خلال المشاركة في المعارض الدولية والاقليمية وحضور الندوات التي تقيمها المنظمات المعنية بالشأن الصناعي. 

القطاع الزراعي : الحاجة الى انطلاقة جديد
شهد هذا القطاع خلال العقود الاخيرة تراجعا كبيرا. وكان لحروب النظام المنهار، والحصار الاقتصادي وما تركه من اثار مدمرة ، اضافة الى شيوع الاهمال ، وعدم العناية بالارض ، وتفشي الأوبئة ، وازمات المياه .... الخ، كان لها الاثر البالغ في تراجع الانتاج الزراعي في البلاد ، حتى صارت حصته في الناتج المحلي الاجمالي حوالي 7 في المئة فقط ، في حين لا يزال حوالي ثلث سكان العراق يعمل في هذا القطاع ويعتمد عليه. 
ومن العوامل المهمة التي تقف وراء انخفاض مستوى الانتاج الزراعي صعوبة حصول الفلاحين ، لا سيما صغارهم ، على القروض ، وشحة ما يحصلون عليه من البذور والاسمدة والمبيدات والادوات الزراعية ، فضلا عن ارتفاع اسعارها ، وارتفاع تكاليف الخدمات الزراعية . ولعل من الوقائع الخطيرة التي لا تتهدد مستقبل الزراعة وحسب ، وإنما مستقبل التطور الاقتصادي – الاجتماعي بأسره في العراق ، فشل مشاريع البزل وشبكاته في وقف زحف الملوحة في التربة ومنع تردي خصوبتها ، نتيجة الاهمال الشديد وانصراف السلطة الدكتاتورية البائدة عنها نحو الحروب الداخلية والخارجية. وأسفرت سياسات الحكومات المتعاقبة والتغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي رافقتها ونجمت عنها، عن تحولات عديدة على صعيد البنية الطبقية في الريف. 
وبعد انهيار النظام الدكتاتوري واحتلال العراق ، تدهورت أوضاع المنتجين الزراعيين والفلاحين عموماً وتكبدوا خسائر كبيرة ، نتيجة فتح الحدود العراقية على مصاريعها دونما ضوابط، وتدفق المنتوجات الزراعية المستوردة التي تمتاز بكلفة اقل من كلفة المنتجات المحلية. وخلال الفترة ذاتها حدث حراك سياسي واجتماعي. فقد تصاعد نشاط الملاكين وتنامى نفوذ الاقطاعيين في بعض المناطق ، التي شهدت استيلاء هؤلاء على بعض اراضي الاصلاح الزراعي ، التي كانت قد وزعت على الفلاحين بموجب القوانين الصادرة بهذا الخصوص، من دون ان تتحرك الجهات الرسمية المسؤولة بدءاً من "سلطة التحالف المؤقتة" بقيادة بريمر وانتهاءً بالحكومات التي تلتها. وشهدت الفترة هذه احتدام الصراع الطبقي في الريف متمثلا بالهجوم على مصالح الفلاحين والسعي، تحت ذرائع مختلفة، للاستحواذ على اراضيهم بالقوة، وقد نهب بعضها فعلا . وشهدت مناطق عديد نشوء تحالفات ميدانية بين الفلاحين والجمعيات التعاونية والمهندسين الزراعيين وغيرهم، في مسعى يستهدف التصدي لهذه المحاولات. وبذل رفاقنا من الفلاحين والمنظمات الحزبية المختلفة ، جهودا مثابرة للتثقيف بموقف حزبنا من القضية الزراعية وانحيازه موضوعيا الى جانب الحركة الفلاحية الديمقراطية والفلاحين الفقراء، ولبث الوعي في اوساطهم، وحثهم على التمسك باراضيهم، والتلاحم معهم في التصدي لهذه الهجمات ، التي شنتها القوى الساعية الى ارجاع العجلة الى الوراء. 
ان القطاع الزراعي، شأن القطاعات الأخرى، يمر بمرحلة صعبة، وهو يتطلب اعادة النظر بجهود التنمية الزراعية والتوصل الى حلول شاملة للقضية الزراعية، باعتبارها تمثل جزءاًعضويا من القضايا والمشكلات المجتمعية الكبرى. 

البطالة - اهدار للعنصر البشري
باتت البطالة من أخطر المشكلات التي تواجه بلادنا اليوم . فتزايد اعداد العاطلين عن العمل يشكل امعانا في هدر المورد البشري ، مع ما ينجم عن ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية وخيمة. كما ان لتفاقم البطالة ، لا سيما بين الشباب الذين لا يتحسسون - فوق ذلك - وجود افق قريب لتحسن أحوالهم، تداعيات اجتماعية خطيرة . فالبطالة ليست فقط سببا رئيسا في انخفاض مستوى معيشة فئات شعبية واسعة وافقارها ، بل وتوفر بيئة خصبة لنمو الجريمة والتطرف وأعمال العنف ، وتشكل مستودعا لتفريخ الارهابيين . ذلك ان الفئات المهمشة عادة ما تكون تربة مناسبة لنمو الاتجاهات والخيارات المتطرفة . ووفق احدث الاحصائيات الرسمية ، يعيش في العراق اليوم اكثر من 20 في المئة من السكان ( اي ما يزيد على خمسة ملايين نسمة ) دون مستوى الفقر أو حد الكفاف ، وكشفت دراسات معتمدة دولياً أن اكثر من نصف الشعب العراقي (حوالي 16 مليون نسمة ) يعيشون بدولار واحد يوميا .
وتسهم معدلات البطالة المرتفعة في زيادة الاستقطاب في توزيع الدخل والثروة في المجتمع العراقي . وحسب أحدث مسح للأحوال المعيشية في البلاد اجري عام 2004 ، يتلقى أفقر 20 في المئة من السكان أقل من 7 في المئة من اجمالي دخل الاسر العراقية ، في حين يتلقى أغنى 20 في المئة ما نسبته 44 في المئة من الدخل، أي ستة أضعاف ما تتلقاه الاسر الفقيرة. 
وتتعدد تقديرات معدل البطالة في بلادنا . فحسب مصادر وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي بلغت نسبتها لدى الفئة العمرية 15 سنة فما فوق 28 في المئة ، لكن هذه النسبة تصل إلى 50 في المئة حسب تقارير بعض المنظمات الدولية . ومما يؤشر الأبعاد المقلقة للمشكلة ويفرض وضعها في أولويات اهتمام الحكومة وسياستها وإجراءاتها الإقتصادية والاجتماعية ، ان معدل البطالة بين الشباب الحاصلين على التعليم الاعدادي والجامعي يصل الـى حوالي 40 في المئة .
إن ظاهرة البطالة ليست وليدة المرحلة الراهنة وحدها ، بل تمتد أسبابها وعوامل انتاجها واتساعها إلى الفترة التي هيمن فيها النظام الدكتاتوري ، ثم تفاقمت بقوة في الفترة التي تلت سقوطه. 
وان بعض هذه العوامل ذو طابع بنيوي ، يرتبط بالهيكل المتخلف والاحادي الجانب للاقتصاد العراقي ، وبارتفاع معدل النمو السكاني واختلال العلاقة بين مدخلات ومخرجات النظام التعليمي . فيما يكمن البعض الآخر في السياسات الاقتصادية المتبعة ، كتراجع الإنفاق الاستثماري الحكومي الموجه لمشاريع التنمية ، بسبب تكريس الجزء الاعظم من تلك الموارد خلال فترة النظام الدكتاتوري للعسكرة وبناء المؤسسات الامنية والانفاق على الحروب ، إضافة إلى تراكم أعباء المديونية الخارجية ، وخاصة أعباء الفوائد والأقساط المستحقة للسداد .
وفي الفترة التي أعقبت سقوط النظام ، لم تساعد السياسات التي انتهجتها سلطة الاحتلال والحكومات اللاحقة في التوصل الى حلول جذرية لمشكلة البطالة ، بل تواصلت عملية اعادة انتاجها.
ولا شك أن عائقاً أساسياً يحول في الوقت الراهن دون التخفيف من هذه المشكلة ، وهو يتمثل في الاوضاع الامنية؛ المتردية ونشاط القوى الارهابية ، والتخريب المتواصل الذي تتعرض له الهياكل الارتكازية الانتاجية والخدمية ، وتعطل الجزء الاكبر من المنشآت والشركات والورش التي تعود الى مختلف القطاعات (العام، الخاص، المختلط، التعاوني....الخ). 
ويسعى حزبنا الى جعل مكافحة البطالة في مقدمة أهداف السياسة الاقتصادية للدولة ، والى اتخاذ الاجراءات الكفيلة بالتوصل الى حلول لهذه الظاهرة المتفاقمة وللتغلب على الاختلالات ، ومن بينها تشجيع القطاع الخاص على زيادة حجم المساهمة في النشاط الاستثماري ، وتخفيف المخاطر الناجمة عن تطبيق برامج " الإصلاح الاقتصادي " ، والتوسع في تنفيذ المشاريع العاجلة الكفيلة باستيعاب اكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة ، لتخفيف البطالة المرتفعة في اوساط شريحة القوى العاملة ، وزيادة الاعتمادات المالية لمشروعات الأشغال العامة. 
ويدعو حزبنا، في الوقت ذاته، إلى تقديم القروض للأسر الفقيرة من شريحة العاطلين عن العمل لمساعدتها في القيام بأنشطة انتاجية ومشاريع صغيرة . وذلك من خلال زيادة الاعتمادات المالية وتنويع مصادرها وبالتالي تنويع قنوات ضخها (شبكة الضمان الاجتماعي ). 

التضخم الراهن
استفحلت ظاهرة التضخم، أي الارتفاع المستمر في الأسعار، في زمن النظام الدكتاتوري، حتى بلغت معدلاته مستويات غير مسبوقة، وتحول إلى ما يسمى بالتضخم المفرط. وأنعكس ذلك في التدهور المتسارع في قيمة الدينار العراقي على مدى عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ، بحيث انخفض سعر صرفه من أكثر من ثلاثة دولارات للدينار قبل الحرب العراقية - الايرانية إلى حوالي ثلاثة

يتبع في الجزء الثاني