في 11 نيسان الجاري صوتت اكثرية داخل البرلمان الاوربي على اصلاح "قانون اللجوء الاوربي المشترك" ويعكس التصويت لصالح التعديل المقترح، توازن القوى الذي تعيشه القارة العجوز منذ سنوات. ويمهد الطريق لتحول غير مسبوق نحو اليمين في سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين. وهذا الاصلاح يمثل اسوء صياغة لقانون اللجوء والهجرة منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي. وتأتي النتيجة لتمثل هزيمة قاسية للديمقراطية، وفشل تاريخي للأكثرية داخل البرلمان الأوربي.

ويعد هذا الإصلاح بمثابة صفعة جديدة، في سلسلة من التطورات، للذين يسعون للتمتع بالحماية، وجميع من ناضل، منذ عقود، من اجل سياسة لجوء إنسانية. بالإضافة الى ان التعديل المقر، سيؤدي الى انتهاكات لقانون اللجوء في الاتحاد الأوروبي من قبل الدول الأعضاء، ولا يمثل حلا للمشاكل العملية المرتبطة بملف اللجوء والهجرة.

وتحتج منذ سنوات، العديد من منظمات الدفاع عن حقوق اللاجئين ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان عموما، ضد هذه الإجراءات المشددة وتآكل الحماية الأوروبية للاجئين. وقبل التصويت، ناشدت 161 منظمة أوروبية البرلمان الاوربي بعدم الموافقة على تشديد قانون اللجوء.

ومن المتوقع أن تتم المصادقة النهائية على التعديلات قبل اجراء انتخابات البرلمان الاوربي في 24 حزيران المقبل، اي ان توقيت التصويت على التعديلات لم يكن بعيدا عن شحن الاجواء وصب الزيت على طاحونة الحملات الانتخابية لليمين المحافظ والمتطرف.، لكن التعديلات لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد 24 شهرًا، أي في النصف الأول من عام 2026 .

وبموجب الاصلاح، سيتم مستقبلا، احتجاز طالبي اللجوء، بما في ذلك العائلات والأطفال، على الحدود، وترحيلهم ان أمكن مباشرة إلى بلدانه الاصلية، او ما يسمى "الدول الثالثة الآمنة". ما يعني موت عملي لحق طلب اللجوء في الاتحاد الأوروبي. و فشل ملموس لنظام دبلن (القدوم من بلد ثالث آمن). فبدلاً من استقبال طالبي اللجوء، تستطيع الدول الأعضاء في الاتحاد الاوربي تمويل مشاريع العزل في بلدان ثالثة أو توفير وسائل مراقبة الحدود، مثل الأسلاك الشائكة، واستخدام الامكانيات العسكرية لوكالة "فرونتكس"، التي اسست وسلحت، لمنع وصول طالبي اللجوء لحدود بلدان الاتحاد الأوربي برا وبحرا. تقل التجربة العملية ان هذه الاجراءات الاستبدادية، لا علاقة لها بالديمقراطية، وعمليا لن تخفف العبء على بلدان الاستقبال الأولى: اليونان وايطاليا.

بالإضافة الى الحرب الاعلامية والسياسية ضد طالبي اللجوء عبر تسليط الضوء وتوظيف مفاهيم مريبة مثل "استغلال" الهجرة، و"الهجرة غير الشرعية" لخلق مخاوف وهمية ورأي عام معادي للاجئين والمهاجرين، وبالتالي قضم حقوقهم، وتسهيل عمليات رفضهم وترحيلهم، والتجربة العملية تقول ايضا، ان المراكز الرأسمالية، وخدمة لمصالحها، تمتلك خبرة غنية في تحويل الاستثناء الى قاعدة.

ان جميع الكتل والنواب، الذين صوتوا لصالح هذا التعديل المميت، يتحملون مسؤولية تطبيع الخطابات السياسي لليمين المتطرف والشعبوي، وما ما يحتويه من عنصرية وعداء مكشوف للأجانب وجعلهم كبش فداء او شماعة لازمات الرأسمالية وشرورها، وبالتالي فتح المزيد من الابواب لترسيخ صعود الفاشيين والنازيين الجدد، الذين وصلوا الى السلطة في ايطاليا، ويطرقون بابها بقوة في العديد من البلدان الاخرى.

وعلى اساس ما تقدم صوت نواب قوى اليسار الجذري ضد حزمة الاصلاح سيئة الصيت.

وفي الأسبوع المقبل، ستعقد كتلة حزب اليسار الالماني في البرلمان الالماني مؤتمرا مع 168 منظمة غير حكومية لمناقشة ما يمكن القيام به مستقبلا.

ومن بين امور عدة يمكن الاشارة الى ان هذه القوانين التي تدخل حيز التنفيذ في بلدان الاتحاد الاوربي، ولذلك هناك ضرورة للنضال ضدها، وتوظيف الامكانات القانونية المتاحة لمنعها، مثلا عبر محكمة العدل الأوروبية، اذا توفرت ارضية قانونية لذلك. وهنا سيكون للمحامين وخبراء القانون دورا محوريا في العملية. بالإضافة الى مناقشة تشكيل هياكل بديلة خارج اسوار البرلمان تمارس الضغط على المفوضية الاوربية مثل "برلمان اوربي للاجئين في البلدان الاوربية وفي البلدان الثالثة. ومن الضروري ان تتم جميع هذه الاجراءات في سياق نقل السلطة الى خارج البرلمان، وليس للدعاية فقط.

والقضية الاخرى التي تتمتع بأهمية محورية هي مواجهة عمليات تجريم المنظمات غير الحكومية، ومصادرة اموالها، خصوصا تلك العاملة في المناطق الحدودية وفرق الانقاذ التي تعرضت الى ممارسات غير شرعية بهدف انهاء الجهد الانساني المبذول لإنقاذ حياة المئات من طالبي اللجوء. والضغط على الراي العام العالمي والمنظمات العالمية للتعايش مع السياسات الطاردة لطالبي اللجوء.

*- نشرت في جريدة المدى في 23 نيسان 2024

عرض مقالات: