غادرنا في الثامن من ايلول في باريس، شاب عرف بابتسامته الدائمة وبصوته الدافئ الرقيق. وشكلت له هاتان الصفتان ميزة محببة عند زملائه واصدقائه.
انه مازن الصكار، نجل الفنان الشمولي الراحل محمد سعيد الصكار، والذي عرف في فرنسا بمنجزه الفني في عالم الفوتوغراف ( التصوير الصحفي )، حتى انبرت مجلة “باري ماتش” الشهيرة قبل ايام بنشر تحقيق طويل عن منجز هذا الفنان المبدع، الذي جال بلدانا عديدة ليوثق بالصورة واللقطة الذكية، حركة حياة تمتد من السنغال الى جنوب افريقيا.
تصف المجلة مازن بانه كان “امبراطورا للصداقة والكرم” ، وانه “حارب السرطان لمدة 3 سنوات، متحديا الموت بابتسامة وإنسانية قلبت عالم التصوير الصحفي رأسا على عقب على عقب”.
عمل مازن بالاضافة الى جولاته في عواصم مختلفة مصورا للموضة في باريس، ومن ثم اعتمدته اكبر شركات انتاج الحقائب، وهي “لوي فيتون” مصورا خاصا لها.
ولكن ما كان يغري مازن في التصوير هم الاطفال، خاصة الفقراء والمعوزين وضحايا الحروب!
لذلك لم يدخر جهدا في العودة إلى وطنه الام اثناء معارك تحرير الموصل، مصطحبا معه سلاحه الوحيد - الكاميرا، ليوثق بعينه الذكية الخراب الذي حل في المدينة، ويعود بمئات اللقطات التي اظهرت الجنود وهم يتجولون بين أنقاض المدينة ليلاً على ضوء عربة مصفحة. ولم ينس مازن الاطفال الصغار ، ذوي السنوات العشر، أطفال الحرب، هؤلاء الضائعين لكنهم مبتسمون، الاطفال الضحايا الذين رغم خراب مدينتهم ظلت الابتسامة على وجوههم، وكانهم يردون لمازن ابتسامته..
كان مازن يعشق الطفولة، وفي حادثة تذكرها المجلة في تحقيقها، انه قام ذات يوم بدفع كل ما فيجيبه من نقود لطفل طلب المساعدة.
حين عاد مازن من الموصل احتار ماذا يقدم للصحافة الفرنسية من بين مئات المشاهد التي وثقها بعين منحازة للانسان وللطفولة.
وكانت تراوده رغبة في توثيق شباب انتفاضة تشرين، (التي اطفأت أمس شمعتها الاولى لتوقد اخرى اكثر توهجا) الا ان المرض الخبيث كان المانع اللئيم!!
في يوم رحيله اصطف اكثر من مئة وخمسين فنانا وصحفيا من زملائه الفرنسيين، رغم الحذر من وباء كورونا، مع افراد عائلته، ليودعوه بالورود والدموع.
لقد شكل رحيل هذا الفنان المتميز خسارة للعراق كما هو خسارة لفرنسا!
ولكن الى متى نفقد أبناءنا في المنافي دون ان يكرموا في وطنهم الاصلي؟
يقول المثل الفرنسي: ان تأتي متأخرا خير من ان لا تأتي. لذلك يمكن لوزارة الثقافة بالتعاون مع الجهات المختصة، ان تقيم معرضا لصوره ولقطاته الفوتوغرافية الشهيرة، كما يمكنها طبع كتاب بمنجزه الصوري، وهذا اضعف الايمان!

عرض مقالات: