يحل الاول من آيار، عيد العمال العالمي، ولربما الادق ان تشاع لتترسخ شيئا فشيئا تسمية عيد "الشغيلة" العالمي.. وعن تلك المناسبة تعود بك الذكريات - ايها "الثوري المتقاعد!!!" - وذلك الى نصف قرن مضى، ولعام 1974 تحديدا، حين كُلفتَ، فأستجبتَ، لأن تُنسب الى مهمة سياسية جديدة، أضافيـة، وهي عضوية "مكتب العمال المركزي" في الحزب الشيوعي العراق...

   وهكذا رحتَ، تنشط - الى جانب مسؤولياتك في الهيئة القيادية لتنظيمات الحزب الطلابية ببغداد- في واحات اخرى، هي على اقل وصف، ارحبُ واهـمُّ قطاعات النضال الوطني، والحزب الشيوعي، حزب العمال والفلاحين، اولا وقبل كل شئ آخر، كما ينبغي آنذاك، دعوا عنكم المثقفين الديمقراطيين وكل السائرين على درب التنوير، ومبادئ الانسانية..

.. ولأن الاحداث والوقائع التي تخطر بالبال سريعا، وعلى الذاكرة وحسب،  قد مرّ عليها خمسة عقود، فلا تخف – ايها الثوري المتقاعد – من ان "تكشف !" ما قد يراه البعض اسرارا، فتقول ان ذلك المكتب المركزي العتيـد، كان يتشكل اساسا - مع حفظ الالقاب والصفات والسمات من -: عبد العزيز وطبان، مسؤولاً، ومن بين اعضائه صادق جعفر الفلاحي، وآخرون من ممثلي المنظمة العمالية ببغداد، وها انت بينهم معنياً بشؤون النشر والاعلام، والتثقيف، ومهام نقابية، وتنظيمية اخرى.. اما اجتماعاته الاسبوعية او الدورية، فكانت تعقد في الغرفة المخصصة له بمقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، ببغداد..

ولتضف موضحا باختصار: ان ذلكم المكتب المركزي تشكل ليكون هيئة استشارية مختصة، تتبع قيادة الحزب، للعناية بنشاط الشيوعيين واصدقائهم، ومريديهم، والتوجهات ذات الصلة في النقابات العمالية، الرسمية، مركزا وفروعا، وجميعها راحت آنئذٍ، تحت سيطرة وهيمنة مسؤولي حزب البعث الحاكم، واعضائه، ومؤيديه.. ذلك الى جانب اهتمامه – المكتب- بالجوانب الفكرية والاقتصادية والاعلامية، للشؤون التي تخص عمال العراق وحياتهم وتطلعاتهم، ونضالاتهم المطلبية والاجتماعية، وحقوقهم النقابية وغيره ... فضلا عن "بعض" شؤون العلاقة مع ممثلية عمال ونقابيي العراق، الديمقراطيين، في اتحاد النقابات العالمي ببراغ..

ولتوثق هنا في هذه المحطات والخلاصات – ايها الناشط العمالي، النقابي، هذه المرة!- انك قد كلفت في المكتب، بمتابعة شؤون صفحة حياة العمال والفلاحين في جريدة الحزب المركزية، العلنية في ذلك الوقت "طريق الشعب".. وتبعاً لذلك فقد كان التنسيق بشأن الامر يجري، بهذا الشكل والقدر او ذلك، مع المسؤول السياسي عن الصفحة، عبد السلام الناصري- ابو نصير، عضو اللجنة المركزية للحزب.. ومن بين ذلك التنسيق ايضا حضورك اجتماعات هيئة تحرير الصفحة احيانا، وكان المسؤول الصحفي عنها، الشاعر المبدع : مخلص خليل..

كما لتتذكر ايضاً، وتصرح، – ايها الثوري المتقاعد - بان المهام داخل مكتبـ (كم) العمالي الشيوعي المركزي، كانت موزعة على هذا النحو: شؤون الدراسات الاقتصادية - الاجتماعية ذات العلاقة، عند عبد العزيز وطبان، وشؤون التنظيم النقابي، عند صادق الفلاحي .. ومما تطير اليه الذاكرة، انك قمت بتهيئة عدد من المحاور والخلاصات، تم التداول حولها، ومناقشتها، لعل من اهمها حول:

1/  الثورة التكنولوجية، ومواصفات الطبقة العاملة الجديدة، والمتغيرات المستقبلية..

2/  التظيمات النقابية في ظل سلطة البرجوازية الصغيرة، والموقف من وجود اكثر من تنظيم واطار نقابي عمالي، في بلد واحد..

3/ ضرورات تحول التشكيلات والهيئات الشيوعية الحزبية من تنظيمات قطاعية (طلاب، مثقفين، عمال، موظفين...) الى تنظيمات محلية مختلطــة في مناطــق سكنية واحدة (مدينة، بلدة، محلة، قرية.)..

ومن المؤسف ان تلك الخلاصات والوثائق، قد فقدت، او ضاعت او اهملت، لسبب أو اخر، دون ان يصار الى ارشفتها وحفظها، برغم انها كانت خطوطا ومؤشرات واتجاهات، وليست دراسات موسعة، وقد قمت بنشر بعضها تحت عنوان " نقابيات" في الصفحة الاسبوعية المتخصصة بالمنظمات المهنية، التي تحملت مسؤوليتها لعدة سنوات، في "طريق الشعب" الصحيفة المركزية للحزب، وباشراف السياسي والمثقف المخضرم غانم حمدون..

ولتنشّط الذاكرة، فتستذكر انه بمناسبة الاول من أيار عام 1975 تم تكليفك بكتابة تحية، خلاصات، مواقف، باسم المكتب تنشر على الصفحة الاولى من عدد "طريق الشعب" بالمناسبة.. ولكن- وهنا اللقطة – ان الموضوع الذي اعددته قد خرج للنور بعد "التهذيب" و"التنقيح" السياسي والصحفي والنحوي، وكأنه مكتوب لكل آن وزمان ومكان، وقد يصلح ايضا لمناسبة فلاحية او طلابية او ثقافية او غيرها "لــو" غُيرت فيه كلمة او اثنتان فيه.. وقد مرّ الامر دون تعقيد، مراعاة للتحالف الجبهوي القائم حينئذِ، خاصة وانـكَ " ايها الثوري المتقاعد" صاحب مسودة البيان، وصياغته الاولى كنت ملكياً اكثر من الملك، متفائلاُ بالتحالف السياسي القائم في تلك الفترة، ومؤمناً بان كـــل ما يكون، ممكن، من اجل السير بالشعب والوطن الى امام !!.. ولكن، جاءت النتائج معروفة، وبعد فترة وجيزة ليس إلا، وكان ماكان بالفعل، وحدث ما حدث، من جانب البعث الحاكم، واجهزته الارهابية ..

ولكي لا تكون هذه الذكريات، وهي عجولة، عاجلة، ثقيلة او مملة، فلتلطفها – ايها الثوري المتقاعد - ببعض اللقطات التي تظنها مناسبة، ومن بينها كيف كان صادق جعفر الفلاحي، يناكدك ممازحاً، فيرحب بك حين يلتقيك بالقول: اهلا بالشيوعي العامل، والطالب، والمهندس، تلميحاً لمهامي، في ان واحد: في اللجنة المحلية الطلابية الشيوعية ببغداد، وعضوية مكتب العمال المركزي.. وكذلك الى عملي مهندسا تنفيذيا في مؤسسة استصلاح الاراضي، بوزارة الري..

ولأن اللقطة تجر اخرى، فقد كانت مهمتي الوظيفية، في اوائل السبعينات، مسؤولاً عن نحو 120 عاملا زراعيا، وميكانيكيا، واداريا، وذلك في مؤسسة التربة واستصلاح الاراضي... وكان من بين اولئك العمال والعاملين، رجل فارع الطول، ذو شخصية مؤثرة، مسؤول عن العمال الميكانيكيين. وقد تقربت منه، ثم لتنوي ترشيحه للحزب.. وبعد فترة وجيزة، وخلال فترة العمل في مكتب العمال المركزي، واذ بذلك الرجل يحل ضيفاُ معنا في احد اجتماعات المكتب، وهو المناضل والنقابي المخضرم، عبد الامير عباس - ابو شلال، عضو اللجنة المركزية للحزب، او المرشح لها لسنوات مديدة..

اما اللقطة الاخيرة في هذا الاستذكار العجول، فهي طرحك في احد اجتماعات المكتب تساؤلا، وبشكل " خجول" لكي لا تُحسب "تحريفيا" وهو: اما من الاشمل، والافضل " لـو" يصبح يوم "العمال" العالمي، يوما لكل "شغيلة" العقل واليد والقلم؟ّ.. ثم تراجعت عن ذلك الطرح والتساؤل بعد ملاحظات وتفسيرات كانت سائدة بعمق في ذلك الوقت، عن "الانحراف" و"الارتداد" عن المبادئ "الثورية".. وجاء التراجع سريعا، لأبعاد "الشبهات" بـ " اليمينية" والتذبذبات "البرجوازية الصغيرة"  وغير ذلك من " الاتهامات" التي رحت تحرص على ابعادها، بكل ما استطعت ! ..

عرض مقالات: