يظهر في السياسات الرئيسية للدول الغربية أن "الإنسانية" الغربية مستعدة لفسح المجال للبربرية.

   هناك قناعة لدى أغلب الدنماركيين بأن الدنمارك تحب مساعدة الناس المُحتاجين في جميع أنحاء العالم، ولكن بعد الزلزال العنيف، الذي أودى بحياة 36000 في تركيا و6000 في سوريا، اختارت حكومتنا إلى حد كبير مساعدة الضحايا في تركيا فقط. أمّا الضحايا في الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة السورية فقد ظلّوا بالفعل ضحايا للحصار اللا إنساني الذي مارسته الدنمارك وبقية الدول الغربية.

 إن السوريين جميعاً عانوا ولا يزالون يعانون من الحرب المستمرة منذ ما يقرب من 12 عامًا، والتي تركتْ محافظة إدلب التي ضربها الزلزال الأقوى في أيدي آخر بقايا القوات "المتمردة"، والتي تتكون في غالبيتها من ميليشيات إسلامية وكردية. وهذه الميليشيات لم تنجح في تحسين أوضاع المجتمع على الرغم من مساعدة الغرب لها. والآن هناك عراقيل كبيرة في وصول المساعدات لكوارث المنطقة، لأن المدخل الوحيد إليها هو المعبر الحدودي السوري التركي بالقرب من مركز الزلزال.

 الأمم المتحدة والحكومة السورية اتفقتا على فتح معبرين إضافيين أحدهما في الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة السورية والثاني في الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة بالقرب من منطقة الكارثة، بحيث يسهل إدخال المساعدات، وتم كل هذا من دون رفع العقوبات الشديدة عن سوريا.

  وذكرت وسائل الإعلام أن ما يقارب 5.3 مليون شخص قد تشرّد بعد الزلزال في سوريا، لكن من غير الممكن تقديم المساعدة اللازمة لهم هناك، لأن العقوبات تنص على حظر بيع مواد البناء.

  وأوضح ممثل سوريا لدى الأمم المتحدة، بسام الصباغ، أن العقوبات الغربية منعت هبوط الطائرات في المطارات السورية.  "لذا فحتى الدول التي تريد إرسال مساعدات إنسانية سريعة إلى سوريا لا يمكنها إرسال المساعدات الطارئة عبر الطائرات بسبب هذه العقوبات".

  في السادس من شباط (فبراير)، سمع إخواننا وأخواتنا في تركيا وسوريا عن تعاون عمال البناء في شمال يولاند (وهي الأراضي التي تقع في غرب الدنمارك) وشركة بناء الجسور الفلسطينية في مدينة أبلور الدنماركية، مع رشا خليفة للقيام بجمع الأموال لدعم أعمال الإغاثة في تركيا وسوريا.

  رئيس الهلال الأحمر السوري، خالد حبوباتي، أوضخ لوكالة أسوشيتيد برس، أن العقوبات الغربية على سوريا فاقمت الوضع حيث لا يوجد بنزين للقوافل بسبب الحصار والعقوبات.

  ويقول المقرر الخاص للأمم المتحدة إن "العقوبات الغربية المشينة ضد سوريا تخنق ملايين المدنيين وتُعتبر هذه جريمة ضد الإنسانية".

 إنّ ما لا تستطيع الولايات المتحدة والغرب تحقيقه بالوسائل العسكرية، يحاولون تحقيقه من خلال فرض عقوبات قاسية وشديدة على أعدائهم، وتؤثر هذه العقوبات في المقام الأول على السكان المدنيين.

  محرر الصفحة ينتقد الفكرة السائدة لدى الغرب ومُفادها أن الأشخاص الذين يتضورون جوعاً، أو الذين يُحرمون من الحصول على الأدوية الحيوية، أو على مصادر الطاقة أو نقص في مياه الشرب النظيفة، سيبدؤون في تقبّل واعتناق "القيم الغربية"، وبسبب عجزهم سينهضون ضد الدكتاتور أو النظام الذي يرغبون في التخلص منه.

 لقد أصبح واضحاً عندما تفشل الحروب التي يَشنها الغرب أو محاولاته في تغيير الأنظمة، يتبعها بالخطوة التالية، وهي محاولة تدمير عدوه من خلال العقوبات.  ففي البداية يُحاول الغرب الحصول على موافقة الأمم المتحدة، ولكن عندما يفشل في الحصول على دعم من الأمم المتحدة يبدأ التصرف بمفرده.

  إن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبعض مؤيديهم هم الوحيدون الذين حولوا سياسة العقوبات الاقتصادية إلى سلاح سياسي.

 ويضيف المحرر: لنكن واضحين طالما لم تتم الموافقة على العقوبات من قبل مجلس الأمن الدولي، فهي غير قانونية بموجب القانون الدولي نفسه. إن الشعب السوري يُعاني من هذه العقوبات فقط لأن رئيس بلاده هو بشار الأسد.

 ألينا دوهان من بيلاروسيا، وهي أستاذة القانون الدولي والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالآثار السلبية للتدابير القسرية أحادية الجانب، زارت سوريا في شهري تشرين الأول والثاني لمعرفة عواقب العقوبات. وفي 10 تشرين الثاني 2022، قدمت تقريرًا دعت فيه إلى "رفع العقوبات الأحادية الجانب وطويلة الأمد التي " تخنق "الشعب السوري".

  وكتبت دوهان تقول: "لقد دمرت العقوبات قدرة الدولة على تلبية احتياجات المواطنين، خاصة للفئات الأكثر ضعفا، ويعيش الآن 90٪ من السكان تحت خط الفقر".

 لقد تقلص الاقتصاد السوري بنسبة 90٪ منذ عام 2011، ومنذ عام 2019 زادت الأسعار بنسبة 800%، وفُقدت مئات الآلاف من الوظائف، وتمنع العقوبات استيراد المواد الغذائية والأدوية وقطع الغيار والمواد الخام والمواد اللازمة لإحتياجات السكان وإعادة بناء اقتصاد البلاد.

 وقالت: "إنني مندهشة من الأثر الحقوقي والإنساني العميق للتدابير القسرية أحادية الجانب المفروضة على سوريا ومن العزلة الاقتصادية والمالية الكاملة لبلد يكافح شعبه لإعادة بناء حياة كريمة بعد حرب استمرت اثني عشر عامًا".

وأشارت دوهان إلى عدم كفاية الغذاء والماء النقي والكهرباء والسكن والطاقة للطهي والتدفئة والنقل والخدمات الصحية للسوريين، وحذرت من أن البلاد تواجه هجرة هائلة للعقول بسبب الصعوبات الاقتصادية المتزايدة.

  ومع تدمير أكثر من نصف البنية التحتية الحيوية وتضررها بشدة، أدى فرض العقوبات أحادية الجانب على القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء والتجارة والبناء والأعمال الهندسية، إلى انخفاض حاد في الإيرادات الوطنية وتقويض جهود إعادة البناء الاقتصادي وإنعاشه.

  واختتمت ألينا دوهان بالقول: "في ظل الوضع الإنساني المأساوي الحالي والمتدهور باستمرار، حيث يعاني فيه 12 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي، أدعو إلى الرفع الفوري لجميع العقوبات الأحادية الجانب والتي تمس حقوق الإنسان وتُعيق أي جهد لإعادة الإعمار".

 وفي ختام المقال يقول المحرر " نحن أيضاً نعتبر العقوبات الدنماركية غير قانونية، وعليكَ أيها المواطن ان تنسَى كل ما سمعته عن "الإنسانية" الغربية وعن "القيم" الغربية، فالحكومة الدنماركية تساهم في نشر "البربرية" الغربية. ومن خلال الانضمام إلى العقوبات المجرمة ضد سوريا، والتي بدأتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومن دون دعم من قبل مجلس الأمن الدولي، فإن الدنمارك تعتبر متواطئة فيما "قد يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية".

 (*) العدد الثالث من جريدة " الشيوعي" الشهرية التي يُصدرها الحزب الشيوعي في الدنمارك