بدعوة من حزب اليسار الاوروبي، انعقد المؤتمر الخامس لقوى اليسار في منطقة البحر الابيض المتوسط تحت شعار “اوربا ومنطقة المتوسط: تضامن – سلام – تعاون” في قبرص، في الفترة من 9 الى 11 حزيران الجاري، باستضافة حزب الشغيلة التقدمي القبرصي “اكيل”، وبمشاركة احزاب وحركات يسارية اوروبية، ومن منطقة البحر المتوسط في المغرب وتونس ومصر وفلسطين وتركيا، اضافة الى الاحزاب الشيوعية من لبنان والعراق وقبرص وفنلندا وايطاليا واسبانيا.

وشارك الحزب الشيوعي العراقي في اعمال المؤتمر، ومثله الرفيق بسام محي نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب.

افتتاح المؤتمر

وفي جلسة الافتتاح التي ادارتها الرفيقة فييرا من حزب “اكيل” اعتبرت المؤتمر امتدادا للمؤتمرات السابقة من اجل التعاون بين الاحزاب والحركات اليسارية وان تتحول المنطقة الى منطقة آمنة وتعاون وتضامن بين الاحراب وجميع مواطني البلدان.  وقدم في مستهل الجلسة الرفيق ستيفانوس ستيفانو، الأمين العام لحزب “اكيل”، كلمة رحب فيها بالحضور، وتمنى ان يخرج المؤتمر بنتائج جيدة تخدم نضال الاحزاب وشعوبها. وأشار الى ضرورة تعزيز العلاقات الاقليمية والاوروبية من خلال تعاون وتعزيز دور القوى الفاعلة والناشطة في ميدان الصراع.

وطرح الأمين العام لحزب “اكيل” سؤالا: أي اوروبا نريد؟ وبيّن ان الاتحاد الاوروبي اخفق ويجب انتقاده لأنه ساهم بسياساته في تعزيز دور القوى اليمينية في اوروبا. وقال ان على اليسار ان يناضل من اجل اوروبا موحدة مع اقتصاد يخدم المنتجين والعمال، “اوروبا ديمقراطية تشاركية تتخذ قراراتها بكل شفافية نحو السلام وتطبيق القانون الدولي وبناء علاقات تعاون في منطقة المتوسط”.

السلام وسط بيئة معسكرة

في الجلسة الأولى للمؤتمر، بعنوان “إقامة السلام وسط بيئة عالمية معسكرة”، قدم ممثلو حزب “اكيل” وحزب قبرص الموحد وحزب قبرص الجديد عرضا للأوضاع السائدة في جزيرة قبرص وابرز التحديات، خصوصا على صعيد ايجاد مشتركات مع القبارصة الاتراك بمعالجة المشاكل العالقة.

وتحدثت رتيبة النتشة، من حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، عن نكبة فلسطين قبل 75 عاما والتناقضات في تطبيق القرارات الدولية الخاصة بفلسطين، والسياسات الاستيطانية لاسرائيل واساليبها الهمجية ضد الشعب الفلسطيني داخل اسرائيل وفي الضفة الغربية وغزة. ودعت الى المزيد من التضامن لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في اقامة دولته الوطنية المستقلة.

كما قدّم ممثل جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية كلمة تناولت الجهود الدولية لتحقيق استقلال الصحراء وتعنت الجانب المغربي في معالجة الأزمة. وحمّل اوروبا ايضا مسؤولية عدم اتخاذ موقف جريء لحسم الأزمة وبناء دعائم الاستقرار وتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره.

وركّزت مداخلة الرفيق حنا غريب، الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني، على مهمات قوى اليسار في مواجهة الرأسمالية، وعدم السماح بفصل المهمات الوطنية عن الاجتماعية. وأكد اهمية خلق موازين قوى جديدة لفتح آفاق لتحقيق مشاريع التغيير، وعلى مقاومة الاحتلال الاسرائيلي والقمع والاستبداد والسياسات الرأسمالية المتوحشة.

بيئة آمنة ونظيفة ومستدامة

في بداية الجلسة الثانية للمؤتمر، بعنوان “سعيا وراء بيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة”، والتي ادارتها الرفيقة إينغار يوهانسن من الدنمارك، قدّم فيها ممثل حزب اليسار التركي مداخلة عن “عسكرة المياه -عسكرة دجلة والفرات وتأثيرها الكبير على الشعب”. وأوضح ان السياسة المائية في تركيا هي امتداد لسياسة أردوغان العدوانية.

اما ممثل حزب المسار الديمقراطي المغربي فقد اشار ان مظاهر ازمة المياه ليست بمعزل عن السياسات الخاطئة للسلطات السياسية وعدم وجود رؤية تخدم مصالح الناس، وهي ليست قضية سياسية فحسب بل طبقية، لأن المتضررين معظمهم من الطبقات الفقيرة. واكد على بعض الحلول، ومنها ان يتحرك اليسار وفق هذه الرؤية وان تكون من أولوياته.

وأكد يافلوس كاريناتوس، رئيس معهد العمال التابع لاتحاد نقابات العمال القبرصي، ان نضالات اليسار من اجل الديمقراطية ينبغي ان تولي اهتماما خاصا لقضايا البيئة، وان تكون الطبيعة حاضرة في برامج عملها ونقاشاتها، وان تخلق جماعات ضغط على مراكز القرار، وتفضح السياسات الرأسمالية.

مداخلة الشيوعي العراقي

وقدم الرفيق بسام محي، ممثل الحزب الشيوعي العراقي، مداخلة ضمن اعمال هذه الجلسة بعنوان “العراق: التغير المناخي وتأثير السياسيات المائية لتركيا وايران”.

سياسات الهجرة وبدائل إنسانية

وتركز الجلسة الثالثة حول “سياسات الاتحاد الاوربي عن الهجرة في البحر: الحاجة الى تعزيز البدائل الانسانية” (اللاجئون والمهاجرون). وادارها سيركل اركالي الذي اشار الى ان الليبراليين الجدد لن يقبلوا بالمساواة لانها لا تنسجم مع الرأسمالية ولا يريدون ان يكون القانون وسيلة لتعزيز الديمقراطية. وقال “علينا ان نُعرّف السلام بانه إسكات لصوت المدافع والاسلحة، وان أحد اسباب الهجرة هو العسكرة والحروب والاستغلال”.

وبيّن الصحفي الالماني سيفان فليب من منظمة روزا لكسمبورغ ان للهجرة بعدا طبقيا بامتياز وانها تأخذ شكلا اخر للصراع الطبقي نتيجة للسياسات الرأسمالية والكولونيالية. وقال ان المهاجرين ليسوا اعداء الشعوب في اوروبا بل هم مضطهدون وضحايا الانظمة السياسية في بلدانهم. اما درويش جيمن رئيس ممثلية حزب الشعوب الديمقراطي التركي في اوروبا فقد تطرق الى طبيعة النظام السياسي في تركيا وتوجهات أردوغان وما بذله من اجل الفور في الانتخابات الاخيرة وممارسته لابشع انواع التضييق على الحريات، والسياسات التركية المعادية للشعب الكردي. وان كل هذا وغيره من تدخلات خارجية وسياسات قمعية ادى الى هجرة الكثير من الاتراك الى خارج بلدهم.

وقالت بترو باسكولي ممثلة “الحزب الشيوعي الايطالي - اعادة التأسيس”، ان الاضطرابات وتدني المستوى الاقتصادي والاجتماعي وعدم الاستقرار في المناطق العربية وافريقيا ومشكلة ايران وافغانستان وحملات القمع للناشطين والقوى الديمقراطية في هذه المناطق، ادت الى الهجرة الى اوروبا، وعلينا ان نعلم ان الهجرة لها معالجات اهمها القضاء على الاستغلال والكفاح ضد الاساليب الرأسمالية المتوحشة في نهب ثروات وقدرات الشعوب.

حقوق الانسان والديمقراطية

في الجلسة الرابعة، بعنوان “حقوق الانسان والديمقراطية: الواقع والتحديات”، اشارت الرفيقة مايتي مولا من قسم العلاقات الدولية في حزب اليسار الاوربي، الى ان اوروبا تشهد صعودا لليمين المتشدد، وذلك لاسباب معقدة: سياسية واقتصادية وامنية واجتماعية، لذا يتعين على اليسار التخلي عن الانقسام والتوجه الى الوحدة، وان عليه العمل على التقارب مع النقابات العمالية والحركات الديمقراطية والحركات النسوية في مختلف القارات.

بعدها تناول ممدوح حبشي، ممثل التحالف الشعبي الاشتراكي المصري، مجموعة من القضايا ذات العلاقة بين العسكرة والمواطنة ودور العسكر في التدخل بالاقتصاد الوطني في مصر.

 كما قدمت نجلاء كويدا، عضو سكرتارية حزب “القطب” في تونس مداخلة عن مرحلة ما بعد الثورة التونسية وصعود التيارات الاسلامية. وتطرقت الى الاوضاع بعد انتخاب قيس سعيّد رئيسا في وتحول تونس الى دولة بوليسية يقمع فيها الصحفيون واصحاب الرأي.

وقدم الرفيق محمد اوميدفار من حزب توده الايراني مداخلة عن دور النساء في حركة الاحتجاج من اجل الحياة والحرية، والنضال من اجل الديمقراطية في ايران. واشار الى اسباب الانتفاضة ونضال النساء الايرانيات من اجل المساواة والحرية وحرمانهن من حقوقهن المشروعة على الصعد الاجتماعية والمدنية والقانونية. وربط ذلك بطبيعة النظام في ايران الذي يمثل البرجوازية البيروقراطية القائم على بنية رأسمالية، برأس نظام ولاية الفقيه، مشيرا الى أن التحديات لا تزال كبيرة امام الشعب الايراني والحاجة الى جبهة موحدة. ودعا الى التضامن الاممي مع نضالات الشعب الايراني في تحقيق اهدافه النبيلة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

وتحدث ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا عن الاوضاع المعقدة في بلده، وان الحل الرئيس للأزمة السورية هو الديمقراطية، والحاجة الى تطبيق القرارات الدولية والضغط على تركيا لسحب قواتها المحتلة.

كما قرئت مداخلة من الحزب الشيوعي السوداني الذي تعذر حضور ممثل عنه بسبب الاوضاع الاستثنائية الحرجة. وتضمنت مطالبة المجتمع الدولي بالضغط من اجل انهاء الحرب المدمرة في السودان، وما ادت اليه من تداعيات ومآس على الصعيد الانساني والهجرة وارتفاع اعداد الضحايا والاضرار الاقتصادية والاجتماعية.

وسيصدر عن المؤتمر بلاغ ختامي وخطة عمل للفترة القادمة، بالاستناد الى خلاصة النقاشات والحوارات والنتائج التي توصلت اليها جلسات المؤتمر.