رياض محمد وصفاء حسن
التأم شمل جمع من العراقيين والعراقيات في مالمو/السويد يوم السبت 28حزيران في جلسة اقامتها الجمعية الثقافية العراقية ،استذكاراً للشاعر العراقي المتفرد موفق محمد والذي فُجعت الاوساط الثقافية العراقية برحيله قبل بضعة اسابيع في مدينته الحلة، التي أحبّ، وتغنى بنهرها وجسرها القديم، وعشق ناسها، وارتبط بهموم وتطلعات كادحيها وناسها البسطاء الذين منحوه العديد من الالقاب والصفات، منها شاعر الوجع العراقي والناطق باسمهم، ومنحوه قبل هذا محبتهم و أسكنوه قلوبهم، حتى أن الحلّيين أقاموا للشاعر تمثالاً في مدينته، شهد الشاعر نفسه إزاحة الستار عنه، وهو أمر فريد قلما يحدث، نقشوا عليه مقاطع من قصائده، الأمر الذي يعبِّر عن مدى محبة الناس لشاعرهم، والذي نعدّه أعظم تكريم يناله مبدع وأرفع وسام يحصل عليه.
ابتدأت الجلسة التي أدارها الفنان والصحفي صفاء حسن، بعرض لمقطع فيديو يلقي فيه الشاعر قصيدته الشهيرة المؤثرة التي رثى فيها ولده الشهيد. ثم كلمة ممثل الحزب الشيوعي، جاء فيها: دخلت اشعار موفق أفئدة العمال والفلاحين والكادحين بمختلف فئاتهم لذا أطلقوا عليه شاعر الوجع العراقي ولسان حال الناس وغيرها من الالقاب التي تعبِّر عن حب الناس له ودفاعه الجريء عنها معرجا على رثاء المكتب السياسي للحزب الذي ارتبط به الشاعر منذ شبابه المبكر. كلمة الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، التي حرصت منذ تأسيسها قبل ثلاثة عقود ونصف على الاحتفاء برموز الثقافة الديمقراطية العراقية، وتقديم مختلف النشاطات الثقافية والاجتماعية للجالية أشارت الى أن الشاعر رأى ما لا نرى وأدرك مبكرا ما لم ندركه ومازج بين ألوان الشعر ليوصل الفكرة لكل من ليس لديه الجرأة على القول والفعل، فقد قال وفعل، فطوبى له وهو يوصي ويشير الى ان الدرب من هنا.
للأديب الدكتور مؤيد عبد الستار مساهمة اشار فيها لبعض ما تميز به شعر موفق محمد كاستخدامه للعامية العراقية ضمن قصائده، منوّهاً الى أن شعراء عديدين قد سبقوا الشاعر الى ذلك لكنهم لم يشتهروا كما الشاعر موفق محمد بهذه الميزة، عازياً السبب الى ازاحته الحدود بين الفصحى والعامية في القصيدة وجعلها جسم متماسك، كما تحدث عن السخرية عند الشاعر موفق محمد الذي حول المأساة الى نكتة، والموضوع الصعب القاسي المؤلم الى فكاهة.
المسرحي والشاعر رياض محمد شقيق الشاعر هو الآخر كانت له مساهمة هامة، سلط فيها الضوء على حياة الشاعر الفقيد مع اخوته وهم مازالوا فتياناً يتسابقون فيما بينهم، يرتجلون الشعر، منوّها أن موفقاً أبتدأ اولا في كتابة الشعر الشعبي وهو طالب في الثانوية وكان متأثرا جدا بالراحل الكبير مظفر النواب، يلقي شعره على بنت الجيران. وعند دخوله الجامعة عمل مع مجموعة طيبة من الشباب المثقفين في احدى المجلات الثقافية، مجموعة تشبه الصعاليك. اولى قصائد موفق الفصيحة الكوميديا العراقية نشرها عام1971، عملت ضجة عند نشرها وفتحت له أبواب الشعر، وحاول أحد مثقفي السلطة بمقالة من ثلاث حلقات تسفيه القصيدة حينها، أضاف رياض محمد مؤكداً في ذات الوقت على معلومة مهمة، أن القصيدة التي نُشرت في العدد السادس من مجلة الكلمة لصاحبها حميد المطبعي تم تأريخها بعام 1967 لتمريرها على الرقابة. وتوقف عند قصيدة جريئة القاها الشاعر الفقيد في حديقة اتحاد الادباء عن استاذه حميد سعيد في مادة العربية الذي ذوبه النظام البعثي السابق في احواض التيزاب في قصر النهاية، القصيدة مثلت صدمة في وقتها منتصف السبعينات يقول رياض محمد ومثلت تحولا من القصيدة الرمزية السريالية الى القصيدة الواقعية والتي هي أحد أهم أسباب التصاق الجمهور فيه، كونه يكتب بحرقة وصدق، والتي يقول فيها الشاعر موفق محمد:
يمكن أن تحرق رأس شيوعي بالنار
لكن لا يمكن ان تقطع عن هذا الرأس الأفكار
لقد حاصروك كثيراً
يطاردك المخبر الملتحي في الصباح
يسجل لون القميص الذي ترتديه وكيف ترد التحية
وتمضي الى الدرس دون اكتراث
وتقول صباحاً فيصدمك الصبية الفقراء
وتخجل من النون في اضربن
يا قطاراً صاعداً نحو شمال الوطن
يا قطاراً نازلاً نحو جنوب الوطن
قف على بابي وخُذ من شجني عربات وانطلق في الزمن
للأستاذ طارق حرب مساهمة قُرأت بالنيابة عنه جاء فيها، لأعجب ان يطلق عليه الراحل الناقد عبد الجبار عباس لقب ملك الضيم. موفق محمد الأنسان الذي تسامى على آلامه فأستلهمها على شكل قصائد وملاحم لأنها جزء من آلام الكثير من العراقيين.
عريف الحفل قرأ بعضا من مساهمة الكاتب والأديب والناقد د. جمال العتابي المنشورة في طريق الشعب والتي وصف فيها صديقه الفقيد موفق محمد بأنه: مبتكر الفرح في أشد حالات الضيق واليأس، وشاعر من طراز خاص، هجّاء، ساخر، عاصف مدوّي، عاش حياته مندمجاً بالأصدقاء، صانعاً ماهراً للعلاقات والجلسات، والحكايات، كان يكفيه بعض الوقت ليسخر أكثر من العالم المزيف، وأزلامه الفاسدين المزيفين.
ومخاطبا إياه:
(نام الحرف يا موفق،
وغابت ضحكتك التي تخفي خلفها جروح الوطن، صمتك الآن أعلى من قصائدك، وأوجع من ضحكاتك المرّة، أكثر من نصف قرن من الرفقة، زمن تقاسمنا فيه وجعه، وعبثه.
نم يا صديقي، فقد تعبت من حمل البلاد، ونسج الأمل من خيوط الرماد.
سلام عليك في الغياب، أيها الراحل الذي لا يشبه الغياب،
كما كنت سلامًا على القصيدة
أيها المقيم في خرائط الألم العراقي،
كنتَ تُقارع اليأس بسخرية، من طرازٍ لا يُجيده سواك،
يا شريكي في الحلم والخذلان.)
اختتم الفنان صفاء حسن الجلسة بصوت تتخلله العبرات ومشاعر الأسى التي جالت بها نفوس الحاضرين، مع مقطع غنائي بصوت الفنان الراحل سعدي الحلي الذي كان يعشقه الشاعر وكتب ديوانا عنه:
وداعا لوجه يشبه المنافي كلها،
وقلب يسع العراق كله.
سلاما على روحك، وعلى الشعر
الذي تيتم بعدك.