في قلب مدينة باريس التاريخية، وأنت تسير في شوارعها المزدحمة بالمارة، والسيارات، والدراجات الهوائية السريعة، تلاحظ ملصقات تشير إلى قرب انطلاق مهرجان اللومانيتيه، المهرجان السنوي لصحيفة اللومانيتيه (ألإنسانية)، صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي. وعند الاقتراب من مكان انطلاق المهرجان العالمي الذي خـُصّصت له ساحة كبيرة سوف تشاهد الحشود المليونية، والخيم والمسارح، واللافتات والاعلام الشيوعية، ينتابك احساس ان كل زائر يحمل في يده غصن زيتون، او حمامة سلام، يحملهما من أجل السلام والمحبة بين الشعوب، من اجل عالم خالٍ من الحروب، عالم يسوده العدل والمساواة. كنا نبحث عن خيمتنا وإذا بنا نسمع أصواتاً نسائية تتحدث اللهجة العراقية، كن كما نحن يبحثن عن خيمة طريق الشعب، بين الخيم المتناثرة، وعند اقترابنا كانت الموسيقى واغاني الحزب تصدح من بعيد. أما عني فلابد من القول انها المشاركة الاولى لي في المهرجان، الذي اثار دهشتي من حيث دقة التنظيم، وحثني على مراقبة العمل داخل الخيمة، التي كانت تعج بالشباب من كلا الجنسين، يتقدمهم الاكبر سناً، ممّن واكب الخيمة وحرص على الحضور سنوياً. كانت في جعبتي مجموعة من الاسئلة، حول مشاركة الرفيقات والرفاق وأصدقاء الحزب ومواكبتهم للمهرجان.

في البداية وجهت سؤالي للرفيق عدنان من فرنسا، عن عدد مشاركاته اللومانيتيه، وكيف يتم التنسيق والتعاون بين العاملين، وبماذا اختلف هذا العام عن الاعوام السابقة، وحول مشاركة الشباب؟ فأجاب: - بدأت بالحضور والمشاركة منذ أن وطأت قدمي أرض فرنسا، وكان هذا في عام 1985. في البداية اقتصرت مشاركتي على التنفيذ، ولكن بعد سنوات أصبحت أشارك بالتخطيط والتهيئة والتنفيذ. أما عن اختلاف هذا العام عن الاعوام التي سبقته فقد أجمع أغلبية من حضر المهرجان من الرفاق والأصدقاء، خاصة من الذين يترددون سنوياً وبشكل منتظم، على أن هذا العام كان مميزاً عن بقية الأعوام للأسباب التالية: ١- تشكيل لجنة مشتركة من الأصدقاء الذين لهم خبرة في مجال المشاركة والتنظيم والإعداد لمثل هكذا فعاليات، وكذلك الرفاق من منظمات الحزب في أوروبا، بعد أن كانت منظمة فرنسا تأخذ على عاتقها في السنوات السابقة كل ما يتعلق بجانب التهيئة والإعداد والتخطيط. ٢- وجود الشباب هذا العام بشكل بارز ومشاركتهم في صنع القرار، بعد أن كانوا يأتون كضيوف، كان له اهمية كبيرة في إنجاح العمل داخل الخيمة. ٣- ولعل سيادة الروح الرفاقية والعائلية العالية -إذا صح التعبير- بين أجواء الخيمة هذا العام، أحد أسرار نجاحها. ٤- نجاح وتنوع البرنامج السياسي والثقافي والفني الذي وضعته اللجنة. ٥- وأخيراً الطقس، الذي كان صحواً طيلة ايام المهرجان، الذي تضامن معنا في انجاح خيمة هذا العام. وعن سؤالك حول تطوير الخيمة، فلدي بعض المقترحات سأطرحها في أول اجتماع للجنة، ولكن يبقى مهماً أن العمل الجدي والقرار الجماعي هما أهم ما يضمن نجاح الخيمة. أما حول مشاركة الشباب والنساء هذا العام، فلابد من القول ان للنساء في كل عام دور مميز وملحوظ. وكذلك الامر بالنسبة للشباب حيث كانوا سابقاً يأخذون على عاتقهم نقاط البيع ولمدة ثلاثة ايام وبدون توقف، لكنهم هذا العام بدأوا يبحثون عن موقع مهم في الإعداد والتهيئة وليس فقط كـ” منفذين". أعتقد أن الوقت قد حان لترك مساحة كبيرة من مسؤولية الخيمة إلى الشبيبة، خاصة أن لدى أغلبهم مؤهلات علمية وعملية وخبرة في الإدارة. الرفيق مازن ياسين من فرنسا يقول عن مشاركته في مهرجان اللومانيتيه التي واكبت المهرجان منذ ١٩٩١ أي ما يقارب الـ ٣٢ عاماً. كنا نحاول أيام النظام الدكتاتوري استقطاب الاصوات التي تقف مع قضية شعبنا وما يعانيه من ظلم وسجون وحروب أدت إلى حصار جائر على شعبنا. وما زلنا حتى الساعة نفضح الانظمة الاستبدادية، والاحزاب الفاسدة والطائفية، ونطالب بتغيير حياة الناس نحو الافضل. ويضيف مازن: مهرجان اللومانيتيه هو لقاء جميل للشيوعيين واليساريين في العالم كله، يجمعهم الفكر والمبدأ، والعلاقات الإنسانية والحب، ما ولـّد علاقات طيبة انتهى بعضها بالتتويج بالزواج وبناء أسرة. وسألت مازن عن مستوى التغيير سابقاً والآن، فأجاب: بأن خيمة طريق الشعب كانت أصغر حجماً، وفعالياتها أقل، أما الآن فنشاطاتها وفعالياتها متنوعة مع حضور أكثر، خاصةً بمشاركة الشباب والنساء.

 أما الشاب محمد كاظم من فنلندا الذي سألته عن عدد مشاركاته باللومانيتيه، ورأيه في العمل داخل الخيمة، ومقترحاته لتطويرها، فقد أجاب ضاحكاً وبحركة من يده أشارت إلى أنه شارك خمس مرات في خيمة طريق الشعب، مضيفاً: أنا سعيد بمشاركاتي طيلة السنوات الخمس، وهذا العام أراه أجمل لوجود عدد كبير من الشابات والشباب المتحمس للعمل داخل الخيمة. ولكثرة الفعاليات والنشاطات وتنوعها. فضلا عن الاحساس بطيبة أخلاق الناس الموجودين عند التعامل والحديث معهم. وحول مقترحاته لتطوير الخيمة يقول محمد: اتمنى ان تكون مساهمات الشباب أكثر، وان يحصلوا على فرص لتطوير مهاراتهم وتقديم الافضل، لأنهم يمتلكون افكاراً ورؤى جديدة.

باسمة البغدادي من هولندا.. تحدثت عن مشاركتها في خيمة طريق الشعب بالقول، مشاركتي هي الخامسة والعشرون في هذا المهرجان الأممي وذلك من خلال خيمة طريق الشعب، صحيفة الحزب الشيوعي العراقي. ونحن في رابطة المرأة العراقية سنوياً نحضّر لمسيرة تجوب أنحاء المهرجان، ترفع فيها شعارات مطالبة بحقوق المرأة العراقية، والضغط من أجل إصدار قانون يجرّم العنف الأسري، وتميزت مشاركة حزبنا هذا العام بمساهمة الشبيبة العراقية وبهمّة عالية في كافة مفاصل الخيمة، ما أعطى أملاً في أن يستلم الجيل الثاني خيمة الطريق ويستمر في رفع شعار الحزب فوقها. التضامن الأممي مع حركات التحرر الوطني ومع الأحزاب الشيوعية والتقدمية التي تشارك في المهرجان، هو الهدف الذي نسعى له في كل مشاركة في مهرجان اللومانيتيه.

 فيما كانت لـمهدي كاشف الغطاء (ابو نضال) القادم من هولندا، فعالية وهي قراءات شعرية يقول: مشاركتي هذه في مهرجان اللومانيتيه هي الثامنة، وجريدة اللومانيتيه تعتبر من الصحف المهمة والمشهورة عالميا منذ صدور العدد الأول سنة 1930 توقفت بعد الحرب العالمية الثانية وعاودت الصدور سنة 1956.ومنذ ذلك التأريخ وهي تحتفل بذكرى صدورها، ‎وتشارك في هذا الاحتفال مئات الصحف العالمية والاحزاب اليسارية والشيوعية. ومن ضمنها جريدة طريق الشعب، تحت خيمة مميزة في موقعها وسعتها، يقام فيها العديد من الفعاليات المختلفة كإقامة الندوات ومعارض الكتب، والفنون التشكيلية والحفلات الغنائية. بالإضافة إلى تقديم وجبات الطعام المميزة بعراقيتها. وتقام على ساحة الاحتفال مئات الخيم وعدد من المسارح الكبيرة لتقديم النشاطات المختلفة. وتوفر المؤسسات الحكومية الفرنسية مسالك الطريق والحماية والنقل المجاني، منها باصات كبيرة للزوار وسيارات التكسي ومواقف للسيارات الخاصة. ولابد انكم لاحظتم أنه انعكس خلال هذا الاحتفال العديد من المواقف الايجابية، منها اللقاءات الخاصة والعامة لمختلف الأحزاب كالندوات والنشاطات الفكرية والسياسية، وطرح مسائل متعلقة بما يحصل لذلك الحزب او لتلك الدولة التي يمثلها الحزب. بالإضافة إلى المسائل الترفيهية والتسوق لمنتجات مختلفة منها الرسوم والتحفيات والملابس والعطور والزينة. لذلك يعد مهرجان اللومانيتيه في باريس من أكبر مهرجانات العالم. 

 الرفيق رشيد غويلب مشارك فعال منذ أكثر من عشرين عاما، سألته عن تأثير إعلام الحزب من خلال خيمة طريق الشعب في المهرجان على الصحافة اليسارية في فرنسا؟ 

شدّد قائلاً: - ان المهرجان هو الاكبر تاريخيا والأهم نوعيا بين العديد من مهرجانات الصحافة الشيوعية واليسارية في اوربا والعالم خلال التسعين سنة الأخيرة. وإذا كانت المشاركة في المهرجان بلغت ذروتها بعد هزيمة النازية والفاشية في عام 1945، فان تفكك الاتحاد السوفيتي وبلدان المنظومة الاشتراكية، وما تبعها من تداعيات على الحركة الشيوعية وعموم اليسار العالمي، لم تنعكس بالقدر نفسه على المهرجان، الذي حافظ على قدراته التعبوية وحضوره الجماهيري البهي، مستندا إلى تراكمه الخاص، وتحوله إلى عيد ليس للشيوعيين واليسار الفرنسي فحسب، بل إلى عيد شعبي فرنسي. وأصبحت أهمية المهرجان بالنسبة للشيوعيين واليسار الفرنسي والعالمي أكبر من ذي قبل، ففي سنوات التراجع والمراجعة والهجوم الامبريالي الشرس، ظل مهرجان اللومانتيه محطة مهمة لشحذ الهمم، ومكان للإشعاع الثقافي والفني، وموقع لتضامن اممي عصي على الهزيمة. بالإضافة إلى ذلك يمثل المهرجان واحة للتنوع السياسي والفكري وورشة عمل يسارية، تؤكد حيوية الماركسية وقدرتها على التجدد والحوار، وان البدائل الاشتراكية كما طرحها واستوعبها مفكرو معلمو الماركسية الأوائل هي الأكثر قدرة على منح الديمقراطية مضمونها الحقيقي. وبالتالي فالمهرجان بالنسبة للعديد من الأحزاب الشيوعية واليسارية التي عانت مجتمعاتها القمع والاستبداد المتواصلين، والخراب والانقطاع عن جديد العالم طيلة عقود، كما الحال في العراق في عقود سلطة الدكتاتورية الفاشية، يمثل فرصة دائمة للتواصل مع الجديد، وللتعريف بالنضال الصعب الذي تخوضه قوى التقدم والسلام والديمقراطية في بلادنا، عبر سفيرها الاممي التاريخي، الحزب الشيوعي العراقي وجريدته الغراء طريق الشعب. وهو أمر أكده الحضور المتميز للمشاركين وزوار خيمة طريق الشعب. وعن سؤال حول تنوّع برنامج طريق الشعب الثقافي والسياسي؟ 

 قال: إن هذا العام، والذي مثل استذكاراً للمناضلة العراقية والأممية الفذة نزيهة الدليمي في ذكرى ولادتها، علامة فارقة ونافذة مفتوحة على انتصارات ممكنة، ومستقبل أفضل يستحق عناء النضال والمواصلة. في النهاية يعد مهرجان اللومانيتيه في باريس تضامناً أممياً، مع الشعوب التي تتعرض لاي نوع من الاضطهاد، خاصة الشعب الفلسطيني والشعب السوداني. وهو فرصة للقاء الاحزاب الشيوعية، وتبادل الثقافات والأفكار والرؤى، فضلاً عن تذوّق الاطعمة وانواع المشروبات، وإشاعة الفرح بين الحضور والامل عندهم.

المهندسة سوسن البراك القادمة من المانيا، وكانت لها مساهمة في إحدى فعاليات المهرجان والحديث عن حياة الدكتورة نزيهة الدليمي بمناسبة ذكرى ولادتها المئوية. 

تستعرض البراك انطباعاتها عن المهرجان وتقول:

إنها المرة الأولى التي أشارك فيها في هذا المهرجان التضامني الرائع، كنت أتابع أخباره دائما ولكن ومع الأسف لم تسنح لي الفرصة قبل هذا العام. التضامن شئ سام وجميل أن تلتقي مع أصدقاء من مختلف أنحاء العالم، لا تعرفهم ولا توجد لغة تفاهم معهم لكنهم يشبهوك في مشاعرهم وهمومهم وطموحاتهم من اجل السلام وعالم خال من الحروب، من أجل غد أفضل للبشرية. 

وعن سؤالي لها، ماذا استفدنا من المهرجان ونحن نشارك به منذ سنوات؟ كيف يجعلنا هذا الاحتكاك أفضل؟

المهرجان هو لقاء تضامني يتجدد سنويا لإلقاء الضوء على احداث الساعة ولتعزيز العلاقات وكسب خبر جديدة فمثلا كانت ندوة الحزب الشيوعي السوداني في خيمتا واللقاء في خيمة حزب توده وعرض كتاب في خيمة الحزب الشيوعي اللبناني وغيرها من الفعاليات تقربنا من فهم بعضنا البعض بشكل أكبر، اضافة إلى الفعاليات الثقافية والفنية الاخرى التي بعثت برسائل محبة وبهجة وأمل وأضفت طابعا أمميا على الاجواء.

الجميل في خيمتنا كانت مختلف اطياف الشعب العراقي ممثلة فيها والكل عمل بكل اخلاص لإنجاح الفعالية للتضامن مع شعبنا وقواه الوطنية من أجل التغيير القادم.

إن أجمل ما حققه المهرجان لنا بتقديري هو المشاركة الفعالة والملتزمة للشبيبة العراقية من فرنسا وغيرها من الدول الأوربية والتي أصبحت تقليدا ثابتا على ما يبدو، هم خلية النحل الفاعلة في التنظيم والحيوية، اضافة إلى مجموعات الشباب من مختلف القارات التي شاركتنا الغناء والرقص تعبيرا عن تضامنهم مع العراق. هكذا هم الشباب!!  

وكيف تقييمين الحركة اليسارية في أوربا من خلال هذا المهرجان؟    

بتقديري أن المبادئ الأساسية والمثل ومنظومة القيم التي يحملها اليسار الأوربي لا زالت تحتفظ بحيويتها وخاصة بين الشباب في النضال من أجل السلم العالمي ونزع السلاح والعدالة الاجتماعية والحريات الديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة 

والتضامن مع شعوب العالم المقهورة، إلا أن الحركات اليسارية في اوربا تمر حاليا بفترة تحديات ومصاعب كبيرة ناتجة عن الاضطرابات والأزمات الاقتصادية منذ جانحة كورونا ومن ثم الحرب الأوكرانية وتداعياتها، التي ضاعفت من أزمة الطاقة والغذاء والسكن والصحة والتعليم والعمل. إضافة إلى مشاكل الهجرة واللاجئين التي أدت إلى تصعيد المشاعر القومية والهوياتية وتصاعد السخط على الحكومات التي تخلت عن الكثير من واجباتها.  إن المستفيد من كل هذه الأزمات هو اليمين الراديكالي والمتمثل في المانيا "بالحزب البديل من أجل ألمانيا" من خلال خطاباته التي تستجيب لعواطف الناس وتعبر عن همومها بدون تقديم اية بدائل أو حلول! مع ذلك يحقق نجاحات كبيرة في الانتخابات بينما تتراجع أصوات ناخبي الأحزاب اليسارية. إن هذا الواقع يشكل خطرا حقيقيا على السلم الأهلي وعلى المؤسسات الديمقراطية، لذا على أحزاب اليسار ان تستفيد من الأخطاء التي حصلت وأن تجد شخصيات مؤثرة في المجتمع، تتمتع بكاريزما عالية وخطاب يستجيب لمتطلبات المرحلة ويكون مفهوما لقطاعات واسعة من الناس التي فقدت ثقتها بالأحزاب وتعاني من خوف حقيقي على مستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة. 

أخيراً أقول نشعر بالامتنان لكل الشيوعيين الذين أسهموا في إنجاح خيمة طريق الشعب في مهرجان اللومانيتيه - باريس وفعالياتها المتنوعة من النساء والرجال، والأصدقاء، كانت بحق خيمة مشرقة بين الخيم الاممية.

 

عرض مقالات: