مسافة الطريق من مدينة الكوت باتجاه مدينة طوز خورماتو طويلة ومتعبة، خاصة لمن هو ذاهب لغاية غير السياحة والراحة.

تراكمت الصور المزدحمة في ذاكرة الشاب حسنين، منذ اللحظة التي أخبره فيها في مدينة الكوت، رفاق أخيه الشهيد وحيد حسن عبد السيد الشطري، عن دعوة الحزب الشيوعي لعائلة الشهيد للحضور في يوم الجمعة 10 آذار 2023 والمشاركة في مراسيم نقل رفات عدد من شهداء الحزب الأنصار، ومن أجل تجميعهم في مكان ومقبرة واحدة، ومنهم شقيقه الشهيد وحيد. بعد اشتداد الهجمة الفاشية عام 1978 ضد منظمات وكوادر ورفاق الحزب الشيوعي العراقي، اضطر الشاب وحيد حسن الشطري، وكان يومها طالباً في في جامعة بغداد ولم يكمل تحصيله الدراسي بعد، على ترك الدراسة والتخفي عن أعين السلطة، ثم ليلتحق وبترتيب من تنظيمات الحزب في بغداد، بمجاميع الأنصار الشيوعيين في كوردستان العراق، التي بدأت تتشكل في مناطق السليمانية وأربيل ودهوك.

الكثير من أهالي مدينة الكوت يتذكرون الشاب الشيوعي وحيد الشطري الذي كان ناشطاً في تنظيمات اتحاد الطلبة العام وفي النشاط الشيوعي في جامعة بغداد، خصوصاً وأن شخصه قد ارتبط بحادثة مؤلمة تعرض فيها في مدينته الكوت لرصاصات طائشة أطلقها أعوان سلطة البعث في الكوت أثناء احتفالهم في 17 تموز عام 1969 بالذكرى الأولى لمجيئهم لسدة الحكم في انقلاب 17 تموز الأسود عام 1968، وأدت الحادثة إلى إصابة بالغة في العين.

في مناطق قادر كرم وكرميان وكفري والتوز وكركوك و زنكنة، كانت استعدادات الرفاق الشيوعيين استثنائية من اجل تخليد الشيوعيين الأنصار الشهداء الذين استبسلوا بشجاعة نادرة في معركة ملا عمر البطولية في 9 آذار 1981، والذين خلدهم أهل القرى القريبة عبر إصرارهم على الاحتفاظ بقبورهم الطاهرة في مقابر أهل القرى. وضمن هذا المسعى تم التواصل مع عائلات عدد من الرفاق الشهداء والاتفاق والتنسيق معهم من أجل الحضور والمشاركة في مراسيم تخليد شهداء معركة ملا عمر في الذكرى ال 42 لاستشهادهم البطولي، وفي تفاصيل نقل رفات عدد من الشهداء من قبورهم المتناثرة من أجل تجميعها في مكان واحد ومقبرة واحدة.

وهذه الاستعدادات كانت بقدر كبير من المشاعر الرفاقية الشيوعية، ومن السمو الإنساني والطيبة المعهودة لأهالي كرميان وعموم أهالي كوردستان. وقد تلمسها الشاب حسنين منذ اللحظة الأولى لبداية سفره من كراج الكوت، وحتى وصوله مدينة التوز، ومن خلال تواصل متابعة تفاصيل سفره عبر المكالمات الهاتفية المتواصلة من رفاق الحزب الشيوعي الكوردستاني في مدينة توز، وحتى لحظة وصوله المدينة ليجد رفاقه في انتظاره وليكون ضيفاً مكرما عند عائلاتهم، وأيضاً في كل حيثيات استقباله في منطقة زنكنة في كرميان ضمن الحدود الإدارية لمدينة قادر كرم في كركوك.

من أجل الاحتفاء بالذكرى 47 لتأسيس الحزب، وبالتحديد في بدايات آذار 1981، تجمع عدد كبير من الأنصار الشيوعيين من قاطع السليمانية وكركوك، بجولات ميدانية وسياسية وإعلامية في القرى والهضبات ضمن حدود مناطق كفري وكلار والتوز و جمجمال.

وقد أغاضت هذه التحركات والنشاطات، قوى السلطة ومرتزقتها. في 9 آذار 1981 وفي المناطق القريبة من قرى (ملا عمر، سبيسر، تيلكوة)، تعرضت مفرزة الأنصار الشيوعيين المكونة من 32 مقاتلا، لهجوم كبير من قوات النظام المدججة بأنواع الأسلحة والمدعوة بطائرات الهليكوبتر العسكرية. لم يكن أمام الأنصار من خيار سوى المقاومة وصد تلك القوات الكبيرة، مسطرين صوراً من البطولة والاستبسال ورغم الظروف التي فرضت عليهم في تلك المعركة غير المتكافئة والمفاجأة.

في تلك المواجهة العسكرية يستشهد من الأنصار اثنان وعشرون شهيداً، ومن ضمنهم رفيقنا وحيد حسن (نوري)، وكان يقاوم طائرات الهليكوبتر بسلاحه آر. بي. جي، إلى جانب رفاقه البواسل.

بعد اندحار نظام البعث في 2003 عدت لوطني ولمدينتي الكوت، وكان هاجسي الأكبر زيارة عائلات شهداء رفاقنا الأنصار من أهل المدينة والمحافظة.

ضمن وفد من محلية الحزب في واسط، زرنا في مدينة الكوت، بيت المعلم القديم الطيب العم حسن عبد السيد الشطري (والد الشهيد وحيد)، لتعزية ومواساة العائلة باستشهاد ابنهم وحيد البطولي، مع نقل تفاصيل وظروف استشهاده ومكان قبره، وعرض فكرة إمكانية زيارة قبر الشهيد في منطقة كرميان. وقد تحقق ذلك حين ذهب الأخ حسنين برفقة أخيه زهير، لزيارة قبر أخيهم الشهيد وحيد، ليستقبلا هناك بحفاوة واحترام وتقدير، مع إصرار أهل القرية والمنطقة التي تضم قبر الشهيد، على بقاء قبر الشهيد في منطقتهم، اعتزازاً واحتراماً له ولموقفه البطولي. ولم يكن من الأخوين سوى الشكر والثناء لهذا الموقف.

فكرة رفاق الشهيد وحيد، في مناطق كرميان وكفري والتوز وكلار، صحيحة في تجميع قبور الشهداء، ونقل رفات خمسة شهداء كانوا في مناطق متفرقة، لتضم الجميع مقبرة واحدة.

 وفي مراسيم شعبية وأجوء الاحتفاء بذكرى الشهداء وتمجيدهم، حضر الأخ حسنين، مراسيم نقل رفات أخيه الشهيد وحيد الشطري (نوري) مع رفاقه، وسط اعتزاز الرفاق وعائلاتهم وفلاحي وأهالي القرى.

المجد والخلود لشهداء قرية ملا عمر، للنجوم المضيئة التي لم تنطفئ...

شهداء ملحمة قرية ملا عمر:

عبد العزيز ملا صالح (هيمن)، مجيد ملا صالح، قادر أحمد، سلام فارس عبد الرحمن، حسيب حسين، فؤاد حسين أحمد (شيركو)، حسين حسن علي، صالح غفور، حامد ملا فتاح (نه ريمان)، جيهان رشيد، محمد حه مه لاو كريم، سالاو حاجي عبد الله (جميل)، عزيز احمد محمد كاريزي، وحيد حسن عبد السيد الشطري (نوري)، محمود علي (أبو غسان)، منصور علي محمد (به ختيار شه ل)، سلام علي محمد (حه مه جان)، محمد لطيف (مام عزيز)، حسين محمد حاي (مام كوران)، عبد الكريم محمد (هيوا)، نصر الدين نجم (أبو شهاب)، عباس حاجي عزيز (فريدون).

عرض مقالات: