تطور عمل منظمات الحزب الشيوعي
تم فتح مقرات لمنظمات الحزب الشيوعي في جميع المحافظات واتسع عملها، وشكلت لجان للتنسيق بين الحزبين. ومارس الحزب الشيوعي نضالا متنوعا وجمع بين العمل العلني والسري بفضل وجود شبكة واسعة من كوادر الحزب ومن الوجوه المعروفة. كما تطور تأثيره غير المباشر في النقابات العمالية والمنظمات المهنية كالمعلمين والمهندسين والاقتصاديين والفنانين وفي الجمعيات الفلاحية والتعاونية والمكاتب الصحفية ومختصات العمل النقابي والشبابي والطلابي والنسائي والتوجيه الفلاحي.واستفيد من امكانيات المناضلين القدامى من الشيوعيين والمنتشرين في جميع مرافق الحياة في المدينة والريف ودوائر الدولة.
لقد كان للجمهرة الواسعة لكوادر الحزب ورفاقه المعروفين دورا هاما في التغطية لتنفيذ هذه الوجهة من خلال نشاطهم في مجال العلاقات والمنظمات المهنية والمقرات الحزبية، انهم شكلوا سياجا مهما لحماية التنظيم الحزبي، وكانت الاكثرية من هؤلاء تعي هذه المسؤولية، متعرضة بنكران ذات متميز لمختلف صعاب العمل السري والعلني وفي مجال العمل الجماهيري.
ان تجربة حزبنا اكدت وتؤكد اهمية تعبئة الجماهير وتحريكها في النضالات اليومية من اجل حقوقها الديمقراطية والدفاع عن مكاسبها وتطويرها، انطلاقا من ان الحريات الديمقراطية تكتسب بالنضال اليومي، ولايمكن ان تكون هبة من الحكومات البرجوازية التي تفرض وصيتها على الجماهير وتقنن حرياتها وحقوقها الديمقراطية. لكن عمل الحزب في سبيل الديمقراطية اقتصر على المطالبة بذلك في تقارير اللجنة المركزية والمقالات الصحفية، دون ان تتطور هذه المطالبة الى اعمال نضالية من جانب الجماهير نفسها لاسيما جماهير الطبقة العاملة.
عقد المؤتمر الثالث للحزب
عقد الحزب الشيوعي العراقي مؤتمره الوطني الثالث، كأول مؤتمر علني في 4-6 أيار عام 1976. يومها كانت منظماته قد امتدت بعيدا في المدن والقرى وكانت الظروف العامة وظروفه الخاصة، تسمح بعقد المؤتمر على اسس منظمة ومبرمجة. وقد اسهمت في اعداد وثائقه دائرة واسعة من الكوادر المتخصصة، مستعينة بجمهرة كبيرة من اعضائه واصدقائه الذين كانوا ينشطون في كل خلايا المجتمع، وبعضهم كان يشغل مواقع فنية هامة في الدولة.
ولعل أبرز التحديات في هذا المؤتمر، تبني مفهوم التطور اللارأسمالي التي حاول السوفيت اقناع الرفاق الشيوعيين به، بإعتباره طريقاً يفضي الى الاشتراكية، دون أن يجد تجاوباً كبيراً كما يشير الراحل رحيم عجينة. وقبل انعقاد المؤتمر سافر وفد عالي المستوى بقيادة زكي خيري عضو المكتب السياسي للقاء وفد من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، يرأسه بلياييف الباحث المتخصص في الشؤون العربية، لاسيما مصر. وقد انصب إهتمام الجانب السوفيتي على اقناع الحزب الشيوعي العراقي في ان مايجري في بلادهم هو تطور لا رسمالي سيقود الى توجه إشتراكي.
وقد مورس الضغط الفكري لحمل الرافضين على تعديل مواقفهم. ولتطمين هؤلاء وغيرهم ممن سيعترضون على هذا المفهوم في المؤتمر، ادخلت على صيغته بعض التعديلات كالتحذير من ضغط الرأسمال الخاص على مسيرة التطور، وان العراق يسير بطريق التطور اللارسمالي الذي عبر عنه لاحقا بالتوجه الاشتراكي.
قررت اللجنة المركزية عقد المؤتمر في مقر الحزب العام في بغداد. وكانت اجهزة الأمن الحكومية قد احاطت المقر حتى قبل عقد المؤتمر بأجهزة خاصة للتنصت على مايدور من احاديث، واتخذت بعض الدورالمجاورة مراكزا لها نصبت فيها اجهزة خاصة لتصوير الداخلين والخارجين من مقر المؤتمر. وتميز المؤتمر بسعة التمثيل، فقد شارك فيه اكثر من 300 مندوب اي ثلاث اضعاف الذين شاركوا في المؤتمر الثاني، وعكس هذا نمو الحزب قي السنوات القليلة التي اعقبت قيام التحالف الجبهوي.
في التقرير السياسي، والذي قدمه سكرتير الحزب حينها، الراحل عزيز محمد، ثمة تفاصيل عن أبرز الجوانب الايجابية في مسيرة التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وتثميناً لمنجزات حزب البعث والتي وصفها بايجابية منذ توليه السلطة بعد تموز1968. وقد أكد التقرير على ان الشيوعيين العراقيين لاينظرون الى امكانيات تطور علاقاتهم مع حزب البعث العربي الاشتراكي بإعتبارها محصورة بحدود العلاقات التحالفية الحالية، بل انهم يؤمنون، بان هذه العلاقة يمكن ان تتطور وتتعمق وان تصل بالبعثيين والشيوعيين بالحزبين المتحالفين في الجبهة الوطنية والقومية التقدمية سوية الى بناء الاشتراكية.
وأشار الى إن شعارات الحزب وموقفه في الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتعبئة الجماهير وزجها في النضال من اجل تحقيقها، قد حولتها الى قوة مادية، ووجد العديد منها طريقه الى التطبيق في هذه الفترة، مثل بيان اذار 1970 والحكم الذاتي لكردستان العراق، وقانون الاصلاح الزراعي، وقانون العمل والضمان الاجتماعي، وحقوق المرأة وتحرير الثروات النفطية، والاصلاحات الاجتماعية والثقافية، وبرمجة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتطوير العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية مع البلدان الاشتراكية وتطوير العلاقات مع قوى التحررالوطني في العالم.
المرحلة الثانية للجبهة 1973 -1976
وأهم مايميز هذه المرحلة:
- تشكيل سكرتارية الجبهة .
- الأعتراف بقيادة البعث وبقانونية عمل الحزب الشيوعي، واصدار جريدته المركزية (طريق الشعب) في 16/9/1973 بصورة علنية.
- اعادة بناء تنظيمات الحزب الشيوعي وتوسيع قاعدته الحزبية وتمتين علاقاته بالجماهير، وتمكن الحزب في ظل الجبهة من افتتاح مقرات له بشكل علني في عدد من محافظات العراق .
- ابتعاد الحزب الديمقراطي الكردستاني عن الحليف الرئيسي له الحزب الشيوعي العراقي .
- قانون الحكم الذاتي وتناقض مفهوم البعث و مفهوم الحزب الديمقراطي الكردستاني عنه.
- تجميد المنظمات الجماهيرية القريبة من الحزب الشيوعي (اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية واتحاد الشبيبة الديمقراطية ورابطة المراة العراقية).
- عقد الحزب الشيوعي مؤتمره الوطني الثالث (شبه العلني) ايار 1976.
- زيادة في اصدار الجريدة المركزية للحزب الشيوعي حيث بلغ الالاف واخذت تصل الى جميع انحاء العراق.
- التنمية الاقتصادية والتطور في الجانب الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والصحي.
المرحلة الثالثة (نهاية الميثاق الجبهوي)
إن النقص في استيعاب الطبيعة المزدوجة والمتذبذبة للبرجوازية الصغيرة، هو الخلفية الفكرية في عدم الوضوح في تقدير افق العلاقة مع البعث العفلقي في العراق، الامر الذي اوقع الحزب في اخطاء ذات طبيعة يمينية، حيث عّول في مجمل نشاطه وتكتيكه وتثقيفه لأعضائه ومنظماته على التطور الإيجابي للجبهة الوطنية والقومية التقدمية ولحزب البعث المهيمن على السلطة السياسية والدولة، في حين كان يجب الإحتراس الشديد من احتمال ارتداده، وهو احتمال كبير جدا بحكم طبيعته البرجوازية وايديولوجيته القومية المتطرفة، وتكوين قيادته الشوفيني المعادي للديمقراطية والشيوعية وبراغماتيتها السياسية.
مميزات المرحلة 1976-1978
- قدم الحزب الشيوعي وتحت ضغط البعث تنازلات جدية تزامنت مع عوامل الردة في مجمل سياسة الحكم.
- عدم وجود اي تنظيم حزبي داخل القوات المسلحة، حيث كان للحزب الاف الشيوعيين المجندين الزاميا في الجيش.
- واصل البعث نهجا ثابتا من الممارسات القمعية والاغتيالات والاعدامات والقتل والتخويف والاهانة واذلال الانسان والحط من كرامته. فقد كان نظام سلطة الحزب الواحد، نظاما دمويا وذو اساليب فاشية، معادية للديمقراطية. كما كانت سياسة البعث معادية لطموحات الشعب الكردي، شوفينية في الممارسة والأفكار. وتبنى البعث ديماغوجية مرّة في ممارساته، وساوى بين المنظومة الاشتراكية والامبريالية، واتبع سياسة معادية لبعض الدول العربية، وفرض الهيمنة الكاملة فكريا وسياسيا وتنظيميا على المؤسسات العسكرية والأمنية والمخابراتية، وازال تاثير القوى السياسية الوطنية والتقدمية.
- اعدام 31 من العسكريين وهم من اعضاء واصدقاء الحزب الشيوعي بحجة كاذبة عن تشكيلهم تنظيما غير مسموح به في الجيش.
- اعتقالات وارهاب للشيوعيين في جميع انحاء العراق، مما ادى الى مغادرتهم بلادهم.
المصادر
-عدنان عباس هذا ماحدث دار كنعان 2008
-الوثائق التقيمية لمسيرة الحزب الشيوعي العراقي النضالية
- عزيز سباهي عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج3
- سيف عدنان الحزب الشيوعي العراقي في عهد البكر 1968- 1979
-التقرير السياسي للمؤتمر الوطني الثالث للحزب الشيوعي العراقي ايار 1976 مطبعة دار الرواد
- تقييم سياسة حزبنا النضالية للسنوات 1968-1979
- فيصل الفؤادي الحزب الشيوعي العراقي والكفاح المسلح دراسة اوليه دار الرواد المزدهرة 2010
- ب. السامر ملاحظات في طبيعة وتطور القوات المسلحه (الجيش بشكل خاص) الثقافة الجديدة عدد145 اب 1983