الاتفاق الحاسم - الميثاق

حدث الاجتماع الحاسم بين وفدي الحزبين في 15 تموز 1973وحضره من البعثيين صدام حسين وشبلي العيسمي وعلي غنام ونعيم حداد وطارق عزيز و من جانب الحزب الشيوعي عزيز محمد وعامر عبد الله ومكرم الطالباني ومهدي عبد الكريم ورحيم عجينه. ويتحدث عجينه بانه كلف للقاء الحزب الديمقراطي الكردستاني فيقول (كلفت في اليوم التالي بطرح الموضوع على الحزب الديمقراطي الكردستاني والتقيت بمحمد محمود عبد الرحمن (سامي) وطلبت معرفة رأيهم. وعموما يذكر عجينه في مكان اخر، انه لم يكن مقتنعا تماما باتفاق مع البعث.. ، بعدم ثقتي بمستقبل هذ التحالف والالتزام به من قبل البعث المصمم على اخراج الحزب من ساحة العمل السياسي).

لقد واجه الحزب الشيوعي ضغوطا كبيرة من اجل القبول في هذه الجبهة (ففي داخل الحزب الشيوعي العراقي ذاته، ارتفعت من جديد اصوات تدعو الى التطور اللاراسمالي وضغوط خارجية ايضا، فقد كان خالد بكداش امين عام الحزب الشيوعي السوري يلح على الشيوعيين العراقيين بعقد الجبهة والاحتذاء بما جرى في سوريا).

بعد ان اكتسب الحزب الشيوعي العراقي الصفة القانونية في العمل السياسي العلني بعد توقيع ميثاق العمل الوطني وقيام الجبهة الوطنية، اصبحت له جريدة الفكر الجديد الأسبوعية وطريق الشعب الجريدة الرسمية اليومية الناطقة بأسمه. وحصل الحزب على امتياز في نيسان 1969 لمجلة الثقافة الجديدة وكان صاحب الامتياز الدكتورصلاح خالص ومقرها في ساحة التحرير.

تم الاتفاق النهائي على ان البعث له موقع متميز في قيادة هيئاتها ويقود مؤسساتها والسلطة السياسية للدولة، فقد جاء في مقدمة الميثاق (أن اقرار ميثاق العمل الوطني بصيغته اليوم، يعتبر الاعلان الرسمي لقيام جبهة الأحزاب والمنظمات والقوى والعناصر الوطنية والقومية التقدمية التي تجسد القيادة المشتركة لنضال الشعب العراقي من اجل تحقيق الميثاق. ويحتل حزب البعث العربي الاشتراكي موقعا متميزا في قيادتها وفي هيئاتها، ويقود السلطة السياسية في الدولة، كما يقود مؤسساتها الدستورية، وتقوم العلاقات بين الأحزاب الوطنية والقومية التقدمية على اساس الاحترام المتبادل لاستقلال كل حزب ايديولوجيا وسياسيا وتنظيميا).

واستغل البعث بعض جوانب الميثاق ليطلق العنان الى تصرفاته الهوجاء وفي كافة المجالات. لقد احتوى ميثاق العمل الوطني الذي جرى التوقيع عليه مع حزب البعث الى جانب النواحي الايجابية التي اتينا عليها، جملة من السلبيات البارزه ومنها مايتعلق بالخطأ في تلخيص طبيعة انقلاب 17-30 تموز1968 واعتباره ثورة وتعد مقدمات الانتقال للاشتراكية بقيادة حزب البعث،وجعل العمل السياسي في القوات المسلحة حكرا للبعث تحت ستار كونه مهمة من مهمات "قيادة الثورة وحدها").

لقد وافقت اللجنة المركزية على الصيغة النهائية في اجتماع نيسان 1973 وتم ابلاغ حزب البعث بذلك الذي لم يبادر بالاتصال بالحزب الشيوعي الا في بداية تموز 1973 اي على اثر المحاولة الانقلابية لناظم كزار في 30 حزيران 1973.

اهم مميزات هذه المرحلة 1968-1973

· علاقة التشكيك ، فالحزب الشيوعي لايثق بحزب البعث، حيث لازالت دماء 8 شباط ماثلة امامه.

· الاغتيالات لكوادر واعضاء الحزب الشيوعي وسياسة تصعيد الارهاب والاغتيالات والتنكيل بالحزب الشيوعي والأحزاب الاخرى.

· الارهاب والاعتقالات المعادية للديمقراطية.

· الطبيعة الطبقية لسلطة البعث باعتبارها تمثل البرجوازية الصغيرة ذات الطبيعة الازدواجية في معاداتها للاستعمار والاقطاع من جهة، وفي معاداتها للديمقراطية من جهة اخرى.

· سياسة تبعيث اجهزة الدولة ودورها في اثارة التذمر والاستياء بين قطاعات الشعب.

· اتفاقية اذار عام 1970 بين الحكومة والحركة القومية الكردية.

· اصدار صحافة الحزب، مجلة الثقافة الجديدة وصحيفة الفكر الجديد.

· علاقة جيدة واستثمارات مع بعض الدول الاشتراكية، ومعاهدة الصداقة العراقية السوفيتية 1972.

· قانون الاصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970 وقانون العمل رقم 151 لسنة 1970 وقانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 39 لسنة 1971.

· قاد الحزب الشيوعي بعض النضالات الجماهيرية كاضراب الزيوت وخوض انتخابات نقابات العمال ومطالبة المنظمات الاجتماعية الجماهيرية اتحاد الطلبة والشبيبة الديمقراطي ورابطة المراة بالعمل الشرعي.

· في سبيل اظهار قوة البعث قام باعدام ماسمي بالجواسيس وبعض الضباط بداعي محاولة انقلابية.

بعد قيام الجبهة

قامت الجبهة في 16 تموز اثر توقيع رئيس الجمهورية احمد حسن البكر والسكرتير الاول للحزب الشيوعي العراقي عزيز محمد. ومثل ذلك موافقة على شروط البعث كالاعتراف بالدور القيادي لحزب البعث في الحكم والمنظمات والجبهة، ومنع الشيوعيين من العمل في الجيش، والالتزام بعدم ايجاد ولاءات خاصة داخل القوات المسلحة و غير الولاء للثورة وبعث العراق.

ولعل من أول اهتمامات البعث بعد قيام التحالف العمل على تحويل الجيش الى جيش بعثي ليس فقط من خلال اعادة التنظيم الجذرية بل ايضا من خلال ادخال أعضاء من حزبهم أو بدقة اكبر اعضاء عاملون واعضاء متدربون وانصار الدرجة الاولى يحملون شهادة الدراسة الثانوية الى دورات تدريب مكثفة مدتها 6 اشهر او سنة او سنتان في الكلية العسكرية وعند التخرج يتلقى متدرب السنتين رتبة ملازم.

وكانت الخطوة التالية تبعيث اجهزة الدولة ومؤسساتها واستحداث اجهزة امنية ومخابراتية يراد منها السيطرة ووأد الحريات الديمقراطية، وهو ما وجه له الحزب النقد وإعتبره سببا في اثارة التذمر والاستياء بين قطاعات الشعب.

المنظمات المهنية والجماهيرية

حاول البعث ان يحجم من دور تنظيمات الحزب الجماهيرية بعد تطور وتوسع نشاطها، فراح يرفض وجود منظمات جماهيرية غير منظمات السلطة،ويرفض العمل مع الشيوعيين ويضغط في اجتماعات الجبهة من أجل حل هذه المنظمات وتجميد عملها.

وإضطر الحزب بالتالي لإتخاذ قرار بتجميد المنظمات الديمقراطية واجبر الشيوعيين الذين يقودوها على تجميدها، متجاوزاً على صلاحيات هيئاتها القيادية، صاحبة الحق في إتخاذ هكذا قرار مصيري! و كل هذا من اجل الحفاظ على الجبهة الوطنية. وبالارتباط مع هذا القرار تم سحب ممثلي هذه المنظمات من المنظمات الديمقراطية العالمية، اتحاد الطلبة العالمي واتحاد الشبيبه الديمقراطي العالمي، ولحسن الحظ بقيت ممثلة رابطة المرأة العراقية تعمل في الاتحاد العالمي، ولكنها اضطرت للتخلي عن مركزها كعضو في سكرتارية الاتحاد العالمي.

وسرعان ما أقدم النظام الدكتاتوري بالقوة او بالاغراءات على السيطرة على جميع المنظمات المهنية، وخاصة اتحاد نقابات العمال في العراق والجمعيات الفلاحية والطلبة والشباب وغيرها من الجمعيات والنقابات كالمحامين وكالمعلمين. ولم يكتف البعث بذلك بل عمد الى تشديد سيطرته وانفراده بالإمكانيات الشرعية للعمل بين الجماهير، واصدر القوانين التي تحرم نشاط المنظمات الجماهيرية التي يسهم فيها الشيوعيون بالدور القيادي دون ان يسميها، كرابطة المرأة العراقية واتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقي واتحاد الشبيبة.كما سيطر على مقعد العراق في المنظمات العالمية كمجلس السلم العالمي والاتحادات العمالية ومنظمة التضامن الافرو اسيوي وغيرها. علما بأن البعث كان قد سيطر على مقرات الاتحاد العام للنقاباتف ي الحادي والعشرين من تموز 1968 في بغداد وابعد قيادته، مما دفع بالمكتب التنفيذي للاتحاد الى رفع مذكرة الى رئيس الوزراء، وصف فيها ماتعرض له الاتحاد بانه يتناقض مع ابسط مفاهيم ومبادئ الحرية النقابية.

ويذكر تقييم سياسة حزبنا حول ذلك مايلي (لم يطالب البعث في البداية بنص صريح على قيادته للجبهة غير انه طالب بذلك في ربيع 1973، وبعد مناقشة طويلة، من قبل وفد حزبنا الصيغة التالية في الميثاق الوطني، "ان اقرار ميثاق العمل الوطني بصيغته اليوم، يعتبر الاعلان الرسمي لقيام جبهة الأحزاب والمنظمات والقوى والعناصر الوطنية والقومية التقدمية التي تجسد القيادة المشتركة لنضال الشعب العراقي من اجل تحقيق اهداف الميثاق، ويحتل حزب البعث العربي الاشتراكي موقعا متميزا في قيادتها وفي هيأتها، ويقود السلطة السياسية في الدولة، كما يقود مؤسساتها الدستورية، وتقوم العلاقات بين احزاب الجبهة الوطنية والقومية التقدمية على اساس الاحترام المتبادل لاستقلال كل حزب ايديولوجيا وسياسيا وتنظيميا ". ووافقت اللجنة المركزية لحزبنا على الصيغة في اجتماعها الكامل في 6 نيسان 1973

ولابد من الإشارة الى أن موارد الدولة الضخمة المتأتية من النفط وغيرها قد ساعدت السلطة على السيطرة على البلاد. كما أراد البعث من الجبهة إجبار الحركة الوطنية وطليعتها الحزب الشيوعي على الإقرار بثورتهم وقيادتهم وابعاد الحزب عن القوات المسلحة وعن كافة المنظمات النقابية والجماهيرية والاتحادات العمالية والطلابية( قوة المال والسلاح).ونظرا لادراك قادة البعث لضيق قاعدة قوتهم والضعف الاولى لموقعهم، فانهم اتخذوا باستمرار اجراءات لتقوية انفسهم داخل البلاد.

المصادر

رحيم عجينة – الاختيار المتجدد

عزيز سباهي عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج3

الوثائق التقيمية للحزب الشيوعي العراقي

-اضواء على الحركة الشيوعية في العراق ج5 دار المرصاد –بيروت

حازم صاغيه كتاب قياما وحطاما

حنا بطاطو الشيوعيون والبعثيون والضباط الاحرار

ابراهيم حسين –لمحات من تاريخ الحركة النقابية العراقية منشورات الثقافة الجديدة

حامد الحمداني- لمحات من تاريخ حركة التحرر الكوردية في العراق

عرض مقالات: