غادرنا قبل بضعة أيام الرفيق والصديق العزيز عادل حبه المثقف العضوي والموسوعي وخلف وراءه خسارة كبيرة وموجعة للحزب الشيوعي العراقي والحركة اليسارية في المنطقة والعالم فقد كان قامة شيوعية ووطنية وأممية كبيرة كرس حياته وامكانياته المتنوعة الفكرية والتنظيمية، منذ نعومة أظفاره، لتعزيز الحركة الثورية والتقدمية في وطنه، الذي احبه بعمق، وفي المنطقة العربية والكثير من بقاع العالم.

وكانت له بصمته المتميزة بالخلق الرفيع والصدقية والسلوك الانساني والرغبة غير المحدودة في مساعدة الآخرين ليس في العراق حسب، بل أينما حلً في دمشق وبراغ وإيران واليمن وموسكو.

 وفي مسيرته النضالية تعرض الفقيد للاعتقالات والسجن والتعذيب والتشريد وكل ذلك لم يفت في عضده ويتخلى عن ايمانه بضرورة الكفاح من أجل حياة أفضل للشعب العراقي، حياة ينعم فيها بالحرية والسعادة والرفاه، ولم يشك ابو سلام يوماً بأن النظام الرأسمالي ليس الكلمة الاخيرة في فم التاريخ، فلا بد من نظام عادل بديل يلغى فيه استغلال الانسان لأخيه الانسان. 

السيرة الذاتية للرفيق عادل حبه غنية جدا وسأتوقف عند بعضها. انتمى عادل إلى الحزب الشيوعي العراقي في نهاية عام ١٩٥٥ وتدرج في المراكز الحزبية في المنظمة الطلابية في بغداد وأصبح مسؤول جميع التنظيمات الطلابية في بغداد بعد ثورة ١٤ تموز ومساهماً نشطاً في قيادة اتحاد الطلبة العام. أنهى دراسته الجامعية وحصل على درجة البكالوريوس في الجيولوجية في عام ١٩٥٩. حصل على بعثة دراسية للحصول على شهادة الدكتوراه في الجيولوجية على نفقة الحكومة في عام ١٩٦٠. تخلى عن البعثة نظرا لقرار الحزب لإيفاده إلى موسكو للدراسة في أكاديمية العلوم الاجتماعية وتخرج بتفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة.

وبعد انقلاب شباط المشؤوم قرر الحزب ارساله إلى طهران لإدارة شؤون الرفاق الهاربين من العراق والسعي لإحياء منظمات الحزب داخل العراق. وقد اعتقل في حزيران ١٩٦٤ من قبل اجهزة الامن الايرانية وتعرض إلى تعذيب بشع وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات. وبعد خروجه من السجن والعودة إلى العراق اعاد صلته بالحزب وساهم بسرية في اعادة بناء المنظمات التي تعرضت الى ضربات شديدة في عام ١٩٧١. واختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية.

في عام ١٩٧٣ استقال من دائرة المياه الجوفية، بعد سنتين في الوظيفة، حيث كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والاشتراكية في براغ. وقضى في هذ المهمة أربع سنوات أدى مهامه المتنوعة على أحسن وجه. وعندما عاد إلى بغداد نسب إلى سكرتارية اللجنة المركزية وعضوا في لجنة العلاقات الدولية وممثلاً للحزب بجانب الدكتور الفقيد رحيم عجينة في سكرتارية الجبهة التي كانت قائمة مع البعث. وبعد الهجمة الشرسة على الحزب في عام ١٩٧٨ قرر الحزب خروج الرفيق أبو سلام من العراق. واقام لفترة قصيرة في دمشق واليمن إلى ان كلفه الحزب بالتوجه إلى إيران في ربيع ١٩٧٩ لإدارة محطته في طهران لمساعدة اللاجئين العراقيين ولتأسيس قاعدة خلفية لحركة الأنصار الشيوعيين، وقد حقق انجازات مرموقة في هذه المهمة ً وعلى إثر انتكاسة الثورة الايرانية اعتقل الرفيق أبو سلام وقضى مدة سنة ونصف في المعتقل، ولم يطلق سراحه الا بعد ان تدخل حافظ الاسد وياسر عرفات وتم تسفيره إلى سوريا. ومن عام ١٩٨١ إلى عام ١٩٩١، تولى مسؤولية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الاشراف على الاعلام المركزي للحزب.

وبعد عام ١٩٩١ انتقل إلى اقليم كردستان وفي عام ١٩٩٢ تسلل مع عدد من قيادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد في مسعى لإعادة الحياة الحزبية، وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية العام المذكور، حيث استدعاه الحزب مع كوادر أخرى بعد ان أصبح الخطر يهدد وجودهم، وغادر الرفيق عادل العراق ولجأ الى بريطانية بعد إصابته بمرض عضال.

 في السجون الايرانية تعرف الرفيق أبو سلام على العديد من قادة حزب توده وكذلك قادة منظمة فدائي خلق وكان موضع احترامهم واعتزازهم واستمرت هذه العلاقة مع الاحياء منهم الى هذه الايام، ولم تقتصر العلاقة على هؤلاء بل تعرف كذلك على رجال دين معتدلين ومشهورين مثل طالقاني ومنتظري وغيرهما. وبات على اطلاع واسع بالشؤون الايرانية. وألف في السنوات الأخيرة كتاباً عن مذكراته بعنوان "مذكرات ايرانية".

الرفيق ابو سلام مثقف فهو قاريء نهم وبعدد من اللغات وكاتب في العديد من المجلات والصحف وفي دمشق كان يشرف على الاعلام المركزي بضمنها الثقافة الجديدة وطريق الشعب. وتفرغ في السنوات الأخيرة من حياته للكتابة في مختلف الشؤون السياسية والنظرية والثقافية والترجمة من ثلاث لغات اجنبية يجيدها وهي الانكليزية والروسية والايرانية وكان غزير الكتابة رغم معاناته الصحية فقد كتب وترجم مئات المقالات ٤٥٠ منها متوفرة في موقع الحوار المتمدن.  وقد مد يد المساعدة للعديد من كاتبات وكتاب الاطروحات الاكاديمية حول تاريخ الحزب وبعض شخصياته القيادية وساهم مساهمة رئيسية في تحرير مذكرات الفقيد ثابت حبيب العاني.

 نم قرير العين ايها المناضل الباسل النزيه والمثابر ورجل المهمات الصعبة فتاريخك مشرف وإرثك السياسي والثقافي والتنويري معين لا ينضب للمناضلين.

العزاء الحار لرفيقة دربه وسنده العزيزة إقبال الشيباني (أم سلام) والعزيز سلام والعزيزة ياسمين ولأحفاده علي وهدى ولإخوته وكل ذويه ومحبيه والصبر والسلوان للجميع.

13 تشرين الأول ٢٠٢٢

عرض مقالات: