في شباط 1969 قدم الحزب الشيوعي مشروعا لحل القضية الكردية وقد نشره في طريق الشعب العدد 2 الصادر اواخر شباط 1969. ووضع فيه الحلول للقضية الكردية وذلك بإقرار حق الشعب الكردي في الحكم الذاتي اضافة الى الحقوق القومية والثقافية للأقليات القومية الموجودة في كردستان، كالتركمان والاثوريين والكلدان.

كانت اوضاع كردستان متوترة وهي في حالة لا حرب ولا سلم. وعلى ضوء مشروعه، قدم الحزب الشيوعي مذكرة لحل القضية الكردية في 17 نيسان 1969، طالب فيها:

  • حل القضية الكردية حلا سلميا ديمقراطيا
  • ايقاف العمليات العسكرية، وتجنب المصادمات بين الطرفين فورا.
  • اعلان الحكومة عن استعدادها لحل القضية سلميا عن طريق التفاوض مع قيادة الثوة الكردية.

واقترح الحزب الشيوعي في مشروعة بعض الاسس التي ينبغي مراعاتها لدى وضع الحكم الذاتي وهي:-

  • من اجل تعزيز وحدة البلاد وتوطيدها من الضروري الاعتراف بالكيان السياسي للشعب الكردي ضمن الجمهورية العراقية.
  • من اجل ضمان سياسة خارجية تحررية معادية للامبريالية يقتضي بقاء الجهاز الدبلوماسي موحدا.
  • من أجل تعزيز القوة الدفاعية وحماية استقلال البلاد ومن الضروري الاحتفاظ بجيش واحد.
  • من اجل تامين التطور الاقتصادي المنسجم والموحد لابد من سياسة تخطيط موحد تراعي فيها مراعاة تامة مصالح النهوض الاقتصادي لاقليم كردستان.

كما حدد الجوانب المتعلقة بالمجلس التنفيذي والتشريعي والصلاحيات وغير ذلك.

كان التعامل مع الكرد في غاية الدقة والضرورة بالنسبة الى البعث بسبب مجموعة من المعطيات. من بينها ان الكرد يمتلكون أسلحة قد تكون موازية لما تمتلكه القوات الحكومية باستثناء الطيران، ويضاف الى ذلك قيام العديد من الدول الاجنيبة بالتدخل في الملف الكردي، ومن بينهم الايرانيون والامريكيون اللذين كانوا يساندون الكرد من اجل فرض إملاء رغباتهم على الحكومة العراقية ومن اجل الضغط عليها كي تقدم العديد من التنازلات.

بعد المفاوضات بين حكومة البعث والقيادة الكردية تم التوصل الى وقف القتال بين الطرفين وتم الاتفاق على الحكم الذاتي للشعب الكردي. وبعد اجتماعات مطولة بين الحكومة العراقية وممثلي الاكراد ودعم من الحزب الشيوعي العراقي، عقدت اتفاقية اذار 1970 والتي تعد خطوة متقدمة لحل القضية الكردية. وكان من المؤمل تطبيق بنودها خلال 4 سنوات، وشملت كثير من القضايا المهمة للشعب الكردي منها المشاركة في الحكومة واجازة الحزب الديمقراطي الكردستاني وزيادة الدراسات الكردية والبرامج من اذاعة بغداد وتشكيل وحدات حرس حدود من قوات البيشمه مركة الكردية.

ومن أبرز بنود الإتفاقية:

  • تتمتع منطقة كردستان بالحكم الذاتي.
  • تتحدد المنطقة حيث يكون الاكراد غالبية سكانها.
  • تعتبر المنطقة وحدة ادارية لها شخصية معنوية تتمتع بالحكم الذاتي في اطار الوحدة القانونية والسياسية والاقتصادية للجمهورية العراقية.
  • المنطقة جزء لا يتجزأ من ارض العراق، وشعبها جزء لايتجزأ من شعب العراق.
  • تكون مدينة اربيل مركز لادارة الحكم الذاتي.
  • مؤسسات الحكم الذاتي جزء من هيئات الجمهورية العراقية.

وأعتبر الحزب الشيوعي، اتفاقية اذار 1970 خطوة هامة وإنتصارا للحركة الديمقراطية، وتراجعا عن سياسة الحكومة الضارة والخاطئة، واكد على عدم إمكانية تحقيقها بدون إنهاء سياسة القمع والجو الارهابي وبدون اشاعة الديمقراطية.

لم تتوقف حملات الارهاب البعثية يوما واحدا ضد الحزب الشيوعي، فقد اشتد الارهاب بعد ايام من اتفاق الحزب الديمقراطي الكردستاني والحكومة على بيان 11 اذار 1970 ، الذي يقر بالحكم الذاتي للشعب الكردي ، لان الجماهير الشعبية اعتبرت ذلك انتصارا للحركة الكردية والحزب الديمقراطي الكردستاني ولسياسة الحزب الشيوعي العراقي وكفاحه من اجل تحقيق اماني الشعب الكردي والتضحيات الجسيمة التي قدمها من أجل هذه الأهداف النبيلة.

ولكن حزب البعث بحكومته لم يكن صادقاً في أدعاءاته بتطبيق هذه الاتفاقية، فلجأ الى ممارسات تناقض الاتفاقية، منها العمل على تعريب محافظة كركوك، بإسكان قبائل عربية بغية تغير طبيعتها الديموغرافية، كما شجعوا المواطنين العرب من مختلف انحاء العراق على السكن في كركوك، وتعهدوا بمنح كل عائلة توافق على السكن هناك قطعة ارض مجانية مع منحة مقدارها عشرة الاف دينار لبناء دار عليها.

ثم عمد الى محاولة اغتيال مصطفى البرزاني في 29 ايلول عام 1971 الأمر الذي عقّد من العلاقة بينه وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني، فأرسلت القيادة الكردية رسالة موضحة النقاط الاساسية في بنود اتفاقية اذار 1970 والتي لا تطبقها الحكومة ومنها، عدم مشاركة الشعب الكردي في الحكم والسلطة وتقليص المنطقة الكردية الى ادنى حد ومنع استخدام اللغة الكردية في كركوك وخانقين.

عند ذلك ادركت القيادة الكردية النوايا الشريرة لحكومة البعث وانعدمت الثقة بين الطرفين، فحكومة البعث لاتؤمن بحقوق القومية الكردية وليس بنيتها تطبيق اتفاقية 11 اذار حقا وصدقا. وهكذا تعطلت كليا علاقات البعث مع الملا مصطفى في اذار 1974 وانفجر النزاع حول جوهر الحكم الذاتي وتحديد المناطق الكردية.

حاول النظام التفريق بين الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي، وسعى حزب البعث الى الضغط على الحزب الشيوعي لتوقيع ميثاق العمل الوطني وقيام الجبهة الوطنية، وعموما كانت الحرب مع القوى والأحزاب القومية خسارة كبيرة لابناء شعبنا في تلك الأونة.

وفي مواجهة تلك المخاطر، قدم الحزب الشيوعي العراقي مذكرة الى قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في 27 ايلول 1971 دعا فيها الى التنسيق فيما بينهما واهم ما جاء في تلك المذكرة:

  • توسيع المطالبة بتنفيذ بيان اذار والسعي لاقامة الجبهة الوطنية.
  • القيام بفعاليات مشتركة بين الحزبين في ميدان الدعاية والنشر والتنظيم واللقاءات والمذكرات وغير ذلك.
  • عقد اجتماعات دورية لتنسيق النشاط السياسي على مستوى القيادتين ووضع المعالجات المشتركة.
  • تحقيق برنامج عملي في المنظمات العمالية والفلاحية والنسائية وفي اتحاد الادباء والمثقفين.

كما اكدت وثائق المؤتمر الثاني للحزب على مخاطر عزل الحزب الديمقراطي الكردستاني عن حزبنا وعن الأحزاب والقوى الوطنية، مؤكداً على ان جميع المحاولات لن تجعل حزبنا أن يتخلى عن الثورة الكردية وقيادتها والحزب الديمقراطي الكردستاني.

اتفاقية الجزائر

حاول النظام الدكتاتوري نسف اتفاقية اذار 1970 بشتى الوسائل، فقدم حزب البعث مجموعة من الشروط للقيادات الكردية، ولم تمض فترة طويلة حتى بدأ القتال مرة اخرى بين الحكومة والقوات الكردية، فدمرت القرى والمدن وشرد عشرات الالوف من ابناء الشعب الكردي الى المناطق البعيدة الأمنة. وفي يوم واحد (24 نيسان 1974) قتل النظام في احدى الغارات الجوية على مدينة قلعة دزه 134 مواطنا كرديا واصاب 170 بجراح. وبسبب الغارات الجوية المتواصلة على كردستان اضطر مئات الالوف من السكان الى اللجوء الى ايران. وعلى ضوء ذلك تحركت القيادة الكردية الى الحكومة الايرانية والامريكية لمساعدتها تسليحيا وتم ذلك بالفعل.

مع اشتداد المعارك الطاحنة بين الطرفين، والصمود الذي أبدته القوات الكردية وانخفاض قدرة الجيش على حسم المعركة، خاصة بعد أن ضعفت القوات التسليحية للنظام، لجأ صدام حسين وكان حينها نائب الرئيس الجمهورية الى الرئيس الجزائري (هواري بوميدين ) للتوسط مع شاه ايران لحل المشاكل الحدودية مع ايران. وقد تنازل صدام حسين على الجزء الشرقي من شط العرب لايران وتحديد الحدود النهرية حسب خط التالوك، اي وسط المجرى الرئيسي الصالح للملاحة عند اعمق منسوب، مقابل وقف الدعم للحركة الكردية. ويعد هذا التنازل صفقة خاسرة من قبل الحكومة العراقية والتي رحبت بها ايران. وقد عبرت الحكومة العراقية عن ان الاتفاقية سوف تهزم الحركة الكردية المسلحة.

لقد شكلت اتفاقية الجزائر بين نظام البعث العراقي ونظام الشاه مؤشرا بارزا للتراجع والارتداد في نهج النظام وعلاقاته السياسية العربية والعالمية.

وخلال فترة وجيزة انهارت الحركة الكردية، حيث قطع عنها الدعم المادي والتسليحي واللوجستي والمساعدات الاخرى، واعلن الملا مصطفى البرزاني انتهاء الحرب في 22 اذار 1975 بعد إنهيار المقاومة الكردية لاسيما حين صدر تهديد من حكومة طهران بمساعدة السلطات العراقية على انهاء المعارك في كردستان، كما اعلنت الحكومة التركية ان الجيش التركي قد اغلق الحدود بوجه قوات البيشمه مركة،  وبهذا تنازلت الحكومة العراقية عن شط العرب لايران مقابل سحقها لأبناء شعبها باتفاقية الجزائر.

كما أثبتت التجربة كما يرى الراحل رحيم عجينة، إن ارتهان قضية الشعب الكردي بالقوى الرجعية الخارجية والعداء للحزب الشيوعي العراقي الحليف الاساسي للشعب الكردي، انما هو موقف اثبت افلاسه ، في السابق والحاضر وفي المستقبل ايضا.

ومع إسدال الستار وقتياً على الحركة الكردية، شن النظام حملات للتهجير فنقل الالاف من الكورد الى المحافظات الجنوبية أوعزلها في المناطق الحدودية المحرمة، وافرغت مناطق الحدود من الوجود الكردي، وجمعتهم في مجمعات سكنية اجبارية وهدمت جميع القرى القريبة من الحدود الايرانية والتركية، وكذلك جميع القرى المحيطة بمدينة كركوك. كما أعدم الكثير من الكورد أو وضعوا في السجون واصبح الوضع الاقتصادي سيئا جدا بعد إن أضطر الالاف ترك مزارعهم وحيواناتهم وانتقلوا الى مناطق اخرى.

المصادر

عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج3

 سيف عدنان القيسي -عزيز محمد يتحدث –صفحات من تاريخ العراق السياسي

تقيم تجربة حزبنا النضاليه

حيدر محمد - ناظم كزار وخزانة الرعب البعثيه

حامد الحمداني - لمحات من تاريخ حركة التحرر الكورية

وثائق المؤتمر الوطني الثاني للحزب الشيوعي العراقي ايلول 1970

محمد احسان - كردستان ودوامة الحرب

رحيم عجينه - الاختيار المتجدد

عرض مقالات: